hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - زياد بارود

لبنان غسان تويني: الفاجعة والحياة...

الخميس ١٥ حزيران ٢٠١٥ - 12:56

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

قد تتفق مع الرجل أو تختلف مع قلمه وفكره والمسار... قد تعشقه إنساناً مثقفاً بالغ الإرهاف وواسع الاطلاع على أمور الدنيا وباحثاً نهماً في شجون آخرتها، وقد تعاديه سياسياً مخضرماً يعرف مسالك الأزمنة في مهالك الأزمات... لا يهم... فالأكيد أن غسان تويني لا يتركك حائراً تجاهه، هذا إذا لم يكن قد استفزّ فيك رأياً أو سؤالاً أو فكرةً أو حواراً...

أكتب عن الرجل في صيغة الحاضر لأنه، عندي، لم يمضِ. منذ أيام، كانت ذكرى انتقاله إلى مهمّات أخرى في مكان آخر. لعلّه يجادل الآن مع الملائكة في جنسهم أو يلقي على أهل السماء خلاصات تجربته في سرّ المهنة وأسرار أخرى. لعلّه يكتب مع جبران عن حالنا غاضباً ولعلّه يتحسّر مع آخرين في جوار ربهم ممّن امتهنوا السياسة أو أحبّوا لبنان (والفئتان أحياناً لا تجتمعان). لقد استفزّني في ذكراه أبحث عن لبنانه هو، كمن يبحث عن عقله! أبحث في مسيرته عن محطات لعلّها تضيء ما نحن فيه أو ما سنكون عليه. لماذا غسان تويني؟ ربما لأنه يختصر المسافات بين فكرٍ وممارسة. ربما لأن ملفّه حافلٌ بالخبرات العابرة للزمن. وربما، خصوصاً، لأنه دافن الأحقاد، وهذه في السياسة مضربٌ قاتل...
عشوائياً، اخترت محطات معبّرة، وهي بعضٌ من لائحة تطول:
1 - لبنان غسّان تويني وناديا حمادة: محطة في الجسور الطبيعية بين المكوّنات اللبنانية وحالة هيام فكري وشعري. يشير دستورنا، تلطيفاً للتعبير، إلى "العائلات الروحية" للدلالة على الطوائف التي نادراً ما تجتمع على خيرٍ وروحٍ ووئام. أما غسّان تويني "فلا الطائفيةُ رأت إليه سبيلاً، على رغم تعلّقه بإيمانه وأرثوذكسيته، ولا التعصبُ استطاع أن يتسلّل إلى فكره أو الحقدُ إلى قلبه أو التبعيةُ إلى سلوكه أو الفسادُ إلى عقله وكيانه"، على ما قال المطران الياس عودة تأبيناً في ذكراه. أما لبناننا اليوم، فزواج مدني مع وقف التنفيذ وحبٌّ يحتاج إلى تأشيرة!
2 - لبنان غسان تويني وسجن الرمل: محطة في النضال والحريات. يأتيك الصحافي الحالم وطناً. يكتب فيُزعج، ولا تحامل. يُسجن لفكره وقلمه، ولا يرتدّ. جميلٌ كيف يكون السجين حرّاً، فيما خارج الأسوار مقيّدون إراديون وآخرون تابعون وأقلامٌ في الأسر الإرادي لقاء حفنةٍ من فلوس فاسدة ومفسدة. سجنه قلعة حرية وسجننا الكبير يضيق بحرياتنا الكاذبة!
3 - لبنان غسان تويني والقرار 425: محطة في النضال الديبلوماسي وفي حمل الشرعية الدولية (إن وُجدت فعلاً) على إدانة الاحتلال وفرض الحق يعلو على القوة. "أتركوا شعبي يعيش"، قالها يوما ولا من يسمع اليوم، وشعوب هذه المنطقة تُقتل كل يوم.
4 - لبنان غسان تويني ودفن الأحقاد: محطة في التعالي على الألم والجرح الذي لا يندمل. لبنانه يدفن الأحقاد ويدعو إلى التسامح. فقط الكبار يستطيعون وأد الغضب. وحدهم الحكماء يسامحون من غير أن ينسوا. أما لبناننا اليوم، فنشاط دائم لحفّاري القبور وكوابيس يعيشها النيام في مدافن الحقد والصغائر...
عام 1945، كتب – الطالب يومذاك - غسّان تويني، ابن التسعة عشر ربيعا، مقالا بعنوان "الفاجعة والحياة"، جاء فيه: "ولئن مشيت في الشارع، أو كتبت، أو تذكروك يوما، فليجاوب السائل نفسه أنك "إنسان حي"، وفي خاطره أنك لا تمثل على مسرح حياتك أفجع الجرائم بل تمثل على مسرح الزمان "تاريخاً" لأنك هضمت معنى التاريخ وظهرت حقيقته في دماغك (...)". الفاجعة والحياة، كأنه في مقاله رسم لنفسه خريطة طريق ليبقى إنساناً حيّاً، حسبُه أن لبنانه بقي يشبه حلمه و"المجد لا يعطى إلا لمن حلموه"...

  • شارك الخبر