hit counter script

باقلامهم - بول يوسف كنعان

في ذكرى ريمون اده... كي لا ننسى الخميرة

الخميس ١٥ أيار ٢٠١٥ - 10:23

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أن تستذكر ريمون اده لمسألة فيها تحد. فالرجل الذي ملأ الدنيا وشغل الناس على مدى عقود من الحياة السياسية لم يشأ يوماً ان يكتب عنه، او ان تروى سيرته الذاتية، لا خوفاً من عدم إيجاد ما يقال، بقدر رغبته في البقاء في الظل، مكتفياً بالعبارة التي شاء أن تنقش على ضريحه "هنا يرقد ريمون...الذي كان على حق".

في ذكراه، يبدو من الواجب على من عاصر وعرف وعايش العميد، ان يخط بالحبر والقلم بعضاً من سيرة وطن، ليقرأها ويفهمها ويأخذ منها العبر جيل الحاضر، الذي نظر اليه العميد كخميرة الغد.

في الحديث عن ريمون اده، تحتار من اين تبدأ. امن المحامي اللامع او الناقد اللاذع او النائب المشرّع او السياسي المبدئي او رجل الدولة؟ ولك في كل ميدان وقطاع شواهد ومآثر وأخبار.

 في الحقل التشريعي، طبع عميدنا الراحل الحياة البرلمانية بطابعه، فهو صاحب اقتراحات عدة أصبحت قوانين أضحت دستور حياة دولة الإصلاح والحداثة، من أهمها قانون السرية المصرفية والأبنية الفخمة والحساب المصرفي المشترك والزواج المدني واعدام القاتل وقانون من أين لك هذا؟ فكان رؤيوياً في الإصلاح ومواكبة التطور ونقل لبنان من حال الذهنية العثمانية في تسيير أمور الناس، الى مرحلة العصرنة والتقدّم.

نقابياً، لطالما أحب العميد مهنة المحاماة ونظر اليها كرسالة، وكأني به يمتهنها حتى في تعاطيه السياسي. فيقارع الحجّة بالحجّة ويندر نفسه للدفاع عن المظلوم، فيعاند بالحق ويرفض الباطل. وفي زمن الاحتلال والوصاية، نظر الى نقابة المحامين في بيروت على انها الدرع الواقي في وجه الباطل وتخطي الدستور واللعب على القانون. فشجّع على خوض الانتخابات النقابية من هذه المقاربة، وأعطى فسحة للكتلاويين لاختيار الأفضل، من بين من تتوافر فيهم مواصفات النزاهة في الممارسة والشجاعة في القرار، حتى ولو لم يكونوا من الحزبيين. فلا تطوّع النقابة من اجل الأحزاب، بل تثمّر الأحزاب في سبيل العمل النقابي السليم، وقد نجحت الكتلة في هذا التوجّه أكثر من دورة وعلى مدى سنوات. وهو الذي قال دائماً "إن المنصب الاحب على قلبه هو نقيب المحامين في بيروت".

الرجل العاشق للحريات، ضاقت به فسحة الحرية على ارض الوطن، فاختار ريمون اده منفاه الباريسي مسرح نضال مستمر من اجل حرية وسيادة واستقلال لبنان. فتحوّل مقر اقامته، الذي رفع عند مدخله العلم اللبناني عالياً بين اعلام دول العالم، محجّة للسياسيين والديبلوماسيين من لبنان وكل انحاء العالم.

كثيرون لم يفهموه، كما لم يفهموا والده من قبله. فهو من طينة الرؤيويين المبدئيين الذين يرفضون التنازلات والتسويات، ويأخذون القرار الذي يؤمنون بأنه مناسب، في الوقت المناسب. هكذا فعل والده الرئيس اميل اده قبله. ولو انه صلب وخوّن على القبول برئاسة الجمهورية عشية الاستقلال، لكن الحقيقة لم يقبل بها طمعاً بمناصب، بل لانه استشعر المخاطر التي تحاك للمنطقة، ومشروع محو فلسطين عن الخريطة، وبعدها لبنان، من خلال وضع أسس نشوء دولة إسرائيل...وهو ما لمسه الجميع بعد سنوات...فكان اده الاب على حق...كما كان اده الابن على حق في غير محطة وظرف وقرار.

 ولو ان ريمون اده انحاز لغير الحق في أحيان كثيرة لجلس على كرسي الرئاسة. لكنه فضّل الجمهورية على الرئاسة، والسيادة والاستقلال على الوصايات والاحتلالات، وكان همّه الدائم الدولة على حساب دويلات المصالح السياسية والمالية. فاستحق لقب "ضمير لبنان" فرفض اتفاق القاهرة حيث لم يجرؤ الآخرون على الرفض، ووقف في وجه الدخول السوري الى لبنان في منتصف السبعينيات، واتفاق الطائف في نهاية الثمانينات.
نستذكر العميد في بضعة اسطر، وهو الذي تخط فيه وعنه المجلدات. ولنا في ذاكرتنا ومراحل حياتنا الكثير الكثير لنقوله عمن كان المعلّم والموجّه. لكننا اخترنا بعض المحطات، لتكون "الاحداث العبر" عن رجل استحق كما لم يستحق احد سواه ان يكون "جمهورية الضمير".
 

  • شارك الخبر