hit counter script

مقالات مختارة - دافيد عيسى

فشل الحوار بين "التيار والقوات"... ممنوع وممنوع وممنوع

الإثنين ١٥ أيار ٢٠١٥ - 08:45

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لطالما كنا من الداعين بالحاح إلى ضرورة اتفاق القوى السياسية المسيحية, وتحديداً "التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية". فالخلافات السياسية، والصراع على السلطة, والاحقاد المزمنة اضعف المسيحيين وكاد ان يدمّرهم، في حين ان الاتفاق بينهم لا بد انه سيقوّيهم ويعيد لهم الدور والتأثير والثقة والحضور .
مما لا شك فيه ان الخطوة الأولى على طريق الاتفاق المسيحي بدأت من لقاءات بكركي برعاية البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ومن خلال ما عرف يومها بـ " لقاءات الاقطاب الأربعة". لكن هذه اللقاءات تعرضت لانتكاسة قوية عندما لم تترجم إلى تفاهمات سياسية حول ملفات واستحقاقات مفصلية اهمها (قانون الانتخابات النيابية وانتخابات رئاسة الجمهورية).
ففي قانون الانتخابات النيابية أخفق المسيحيون في الاتفاق على قانون جديد وفشلوا في توحيد موقفهم وفي تحديد ما يناسبهم, وكانت النتيجة انهم خسروا معركة قانون الانتخابات وهي المعركة السياسية الأهم في مجال تصحيح الخلل في التوازن الوطني الذي يبدأ بتصحيح التمثيل المسيحي في الحكم والدولة والمؤسسات والادارات .
ثم اتت خيبة انتخابات رئاسة الجمهورية وسكن الفراغ قصر بعبدا واستمرت دورة الحياة في الدولة ومؤسساتها كأن شيئاً لم يكن والبلاد " ماشية " مع رئيس أو من دونه.
ان ظروفاً وعوامل اقليمية ودولية تسببت في الفراغ الرئاسي الحاصل وفي استمراره طويلآ "والحبل على الجرار" ، ولكن ذلك لا يُعفي المسيحيين من المسؤولية. فإذا لم تكن الكلمة الأخيرة في الاستحقاق الرئاسي لهم فان الكلمة الأولى تكون لهم اذا ما اتفقوا، وحينها بامكانهم احراج شركائهم الآخرين في الوطن ووضعهم أمام مسؤولياتهم واخراج تهمة التعطيل من ملعبهم.
وبينما كان المسيحيون يعيشون هذه الاجواء المخيبة والمحبطة نتيجة خلافاتهم وانقساماتهم واصطفافاتهم السياسية ، وجدوا انفسهم فجأة وسط صراع "سني – شيعي" محتدم وخطير في المنطقة, وأمام خطر داهم وقلق وجودي مع بروز ما يسمى "بتنظيم الدولة الاسلامية" (داعش) واخواتها.
وما زاد في القلق ما تعرض له المسيحييون في شمال العراق وشمال سوريا وشرقها من قتل وذبح وتنكيل وتهجير حيث دفعوا الثمن الباهظ في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل, كما شعر المسيحيون في لبنان بالخطر المباشر عندما بلغت "العاصفة" حدود الوطن وطرقت بابه ولفحت وجهه ووضعتهم أمام تحديات وخيارات صعبة ليسوا جاهزين لمواجهتها والتعامل معها, اذن لقد "وصلت الموسى الى الذقن" وما كان مسموحآ به قبل تلك المرحلة لم يعد مسموحآ بعدها.
من هنا فان أهمية الحوار الذي انطلق قبل أشهر بين "التيار والقوات" انه أتسم بالجدية ، وعكس إرادة لدى الطرفين بضرورة الوصول إلى اتفاق، كما حظيَ هذا الحوار بتأييد ودعم مسيحي شعبي واسع وفق كل استطلاعات الرأي مما يعني أولاً ان هناك بيئة مسيحية حاضنة ومؤيدة له، ويعني ثانياً ان هناك احساساً مسيحياً عاماً وعميقاً بوجود مخاطر فعلية لا تحتمل ترف الخلافات وتنازع المصالح وصراعات السلطة، وانما تفرض حتمية الحوار والاتفاق. وتعني ثالثاً ان السياسيين المسيحيين وتحديداً عون وجعجع، ما عاد في مقدورهم التفريط بهذه الفرصة الجديدة المتاحة لهم ولا العودة إلى الوراء. كوننا نعيش في مرحلة بالغة الدقة والصعوبة, والفشل فيها ممنوع وممنوع وممنوع.
لقد ابتعد الحوار منذ اللحظة الأولى عن كل الشكليات ومظاهر الاستعراض والفولكلور السياسي، وسلك مساراً جديّاً متأنياً وممنهجاً. وشعر الجميع ان هذا الحوار ليس للصورة والشكل، وانما حوار هادف ركّز في جولته الأولى على إرساء ارضية سياسية صلبة يمكن البناء عليها. وهذا لم يكن أمراً سهلاً مع وجود أزمة ثقة متبادلة واحقاد مزمنة وهوّة سياسية واسعة بين الطرفين.
اليوم ومع الانتهاء من وضع ورقة "اعلان النوايا" التي تتضمن الاتفاق على المبادىء والعناوين الاساسية تكون المرحلة الأولى من الحوار قد انتهت لتفتح باب الانتقال إلى المرحلة الثانية والأهم وهي ترجمة النوايا عملياً إلى اتفاقات وتفاهمات وإلى تنسيق وتعاون في المجالات المشتركة ذات الصلة بالمصلحة المسيحية واللبنانية العليا.
وقد كان سمير جعجع واضحاً في هذا المجال عندما قال ان الحوار بداء يأخذ بعداً استراتيجياً وليس فقط تكتياً قاصداً بذلك ان الحوار دخل في عمق الأمور والمسائل وانه حوار للمستقبل بعدما طويت صفحة الماضي الاليم نهائياً .
وهنا نقول حسناً فعل العماد عون والدكتور جعجع عندما "اتفقا" على عدم ربط الحوار بموضوع رئاسة الجمهورية ... صحيح ان الرئاسة مهمة واساسية وانتخاب رئيس للبنان أمر ضروري وهام جداً ويجب ان يظل على رأس الاولويات وجدول الاعمال, لكن الاتفاق على استراتيجية جديدة للمستقبل تعيد للمسيحيين دورهم ووجودهم داخل مؤسسات الدولة واداراتها واجهزتها، ووضع قانون انتخابي جديد يعكس التمثيل الصحيح يتقدم على كل ما عداه في هذه المرحلة الدقيقة والمصيرية والخطيرة التي يعيشها المسيحيون في لبنان والمنطقة.
فإذا أمكن التوصل إلى اتفاق حول رئاسة الجمهورية سيكون هذا أمراً ممتازاً ومدعاة للارتياح والترحيب ولكن إذا لم يمكن الاتفاق على الرئاسة كونها ذات خيوط اقليمية متشعبة ، فان هذا لا يجب ان يكون سبباً لوقف ما بدأ من حوار، لأن ما يجمع الطرفين بات أكثر مما يفرق وان ترتيب البيت الداخلي المسيحي ضروري ومهم في هذه المرحلة الدقيقة والمفصلية التي تمر بها المنطقة .
العماد عون والدكتور جعجع شرعا في وضع حوارهما موضع التنفيذ الفعلي من خلال الموقف المشترك من مقاطعة أي جلسة نيابية تشريعية لا يكون على رأس جدول اعمالها بندا قانون الانتخابات وقانون استعادة الجنسية. وبالتالي فان الجلسة في مثل هذا الوضع وفي ظل هذا الموقف لا تعقد لانها ستكون غير ميثاقية مع مقاطعة القوتين الاكثر تمثيلاً على الساحة المسيحية...
وهذا النموذج يمكن ان يعمم على كل المستويات وبما يفيد ان كل ما يتفق عليه المسيحيون في الامور التي تخصهم مباشرة "يمشي" وكل ما يرفضونه ويعترضون عليه "لا يمشي"، تماماً كما تفعل الطوائف الاخرى في الامور والقضايا التي تتعلق بها.
اليس هذا ما نشهده على الساحة الشيعية التي تعيش وضعاً مستقراً ومزدهراً بفعل الاتفاق الاستراتيجي بين "أمل وحزب الله" على كل القضايا التي تتعلق بالسياسة وبرئاسة مجلس النواب والانتخابات النيابية والبلدية والتعيينات الادارية وهو اتفاق ثابت ودائم ويحتفظ بهامش من الاختلاف والتمايز في إطار التنوع ضمن "الوحدة" وحيث لكل حزب شخصيته السياسية وقيادته وجمهوره.
وكذلك اليس هذا ما نشهده على الساحة السنية بفعل التمثيل الاكبر الذي يحظى به "تيار المستقبل" داخل هذه الطائفة، مما يعطي هذا الفريق الرأي المتقدم في اختيار ممثليهم في رئاسة الحكومة والحكومة ووظائف الفئة الاولى في الادرات الرسمية والمؤسسات العامة.
من هنا وفي الختام فان الحوار بين "التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية" سيتواصل ويستمر أيا تكن الظروف والمقومات وان ورقة "اعلان النوايا" ستعلن قريباً وهذا مطلوب ومرغوب به من الاغلبية المسيحية... وان هذا الحوار تأخر 25 عاماً، ولكن ان يأتي متأخراً خيراً من ان لا يأتي ابداً...
 

  • شارك الخبر