hit counter script

مقالات مختارة - جوني منير

واشنطن تضع الملفّ الرئاسي على الرفّ

الخميس ١٥ أيار ٢٠١٥ - 07:07

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

عاد وفد الزعماء الخليجيين من قمّة كمب ديفيد أكثرَ واقعيةً في رؤيته السياسية للمنطقة. فتراجعَت الأصوات المطالبة بفرض «أولوياتنا» على البرنامج الأميركي الموضوع للمنطقة حتى ولو أدّى ذلك إلى الاصطدام بواشنطن، واكتفى أعضاء الوفد بوَضعِ إطارٍ واقعيّ للعلاقة، على رغم إسقاط مطلب توقيع معاهدة مكتوبة مع واشنطن تُلزمها بنحوٍ كامل ومباشر بأيّ تطوّر قد يصيب هذه المنطقة المضطربة من العالم.

في الكواليس الديبلوماسية «تسريبات» حول بعض جوانب وجهة النظر الأميركية حيال إرساء واشنطن استراتيجيتها الجديدة والقائمة على التعاون مع إيران.

ووفق هذه التسريبات فإنّ واشنطن ومنذ انطلاق الثورة الاسلامية في إيران عام 1979 واجهَت اضطرابات خطيرة في الشرق الاوسط أجبرَتها على التدخّل باستمرار وفقَ أشكال مختلفة وعبر الإدارات المتعاقبة، وذلك بسبب الفراغ الناتج من سياسة عزل ايران ومحاصرتها، ولم تستطع الدوَل الاقليمية الكبرى، مثل مصر والسعودية، وبدرجة أقلّ تركيا، إرساءَ قواعد للعبةٍ سياسية متوازنة في الشرق الاوسط، فملأت إيران الفراغ.

وحسبَ الرواية نفسِها فإنّ الجانب الاميركي ذكّرَ الخليجيين بأنّ قرار الانفتاح على ايران من خلال إرساء سياسة جديدة لم يعلَن فجأةً كما يقول البعض، بل إنّه كان من ثوابت السياسة المعلنة للرئيس الاميركي باراك اوباما. وقد أكّد ذلك في مقابلات إعلامية عدّة، منها مقابلته مع مجلة «نيويوركر» في كانون الثاني 2014 وموقع «بلومبرغ» خلال الشهر التالي.

المهمّ، وحسب الأوساط الديبلوماسية نفسها، أنّ إحدى النتائج الأساسية التي خرجَت بها قمّة كمب ديفيد، إضافةً الى تجديد التزام واشنطن حمايةَ الدوَل الخليجية الصديقة من أيّ تهديدات خارجية، العملُ على صوغ سياسة داخلية جديدة ترتكِز على تحصين الجبهة الداخلية وإنجاز معالجة جَذرية وفي العمق لمنابع التيارات الإرهابية والتي ترتكز على أيديولوجية التطرّف الديني.

الواضح إذاً أنّ المرحلة المقبلة ستكون مرحلة إعادة ترتيب البيت الداخلي وإنجاز ترتيبات داخلية للساحات المشتعلة من خلال صَون تركيبة داخلية متجانسة مع الواقع الجيوسياسي الجديد الذي يَلوح في المنطقة. مثلاً هذا الواقع الجديد يَجري إنضاجُه في اليَمن على وقعِ التطوّرات الدائرة ولو أنّ الاتّجاه أصبح واضحاً لجهة إرساء دولة اتّحادية ما تزال موازناتها الداخلية غير واضحة بنحوٍ كافٍ، وهو ما يسبّب الخرقَ المستمر للهدنة الهشّة.

في العراق تبدو الصورة أكثرَ وضوحاً، ففي محافظة الرمادي والتي تتميّز بحدود مع سوريا والأردن، حصلَ تكرار لما جرى في الموصل منذ أقلّ مِن سنة؛ نجاح مجموعات من «داعش» لا تتجاوز في أفضل التقديرات الثلاثة آلاف مقاتل في السيطرة على أجزاء كبيرة من هذه المحافظة وسط تحَلّل سريع للقوّات الحكومية.

هذا التمدُّد «الداعشي» حصلَ فيما السيطرةُ الجوّية الأميركية مطلقة، والتي من المفترَض أن تراقبَ قوّات «داعش» وتدمّرَها. لكن في الرمادي لم تنجح هذه القدرة الجوّية في إرسال إنذار مسبَق أو حتى تنبيه.

يقال إنّ إنضاج خريطة النفود العراقية الداخلية كان ما يزال في حاجة إلى «خدمات» إضافية لـ»داعش». لم تعارض واشنطن تدخّلَ الميليشيا الشيعية، وذلك للمرّة الأولى وبالتأكيد على حساب القوات الحكومية. ولا حاجة للتذكير بأنّ واشنطن شجّعت الأكراد وغيرَهم على شراء السلاح من دون المرور بالحكومة العراقية.

لكن في سوريا تبدو الأمور كأنّها ما تزال في حاجة الى وقت اطول لإنضاج التسوية، وكأنّ المطلوب مرحلة إضافية صعبة هدفُها الحقيقي إنهاك الجميع للقبول بالتسوية. وما مِن شكّ في أنّ الضربات القاسية التي تلقّاها النظام السوري في جسر الشغور وإدلب وبصرى الشام إنّما حصلت تحت الرقابة، لا بل المساعدة الأميركية، لسببَين: الأوّل في إطار سياسة إنهاك النظام لإتعابه وإنهاكه، والثاني لتحضير خريطة تقاسُم النفوذ عندما يَحين أوان فرض التسوية.

لذلك هنالك مَن يتوقّع أحداثاً صعبة في حلب ستمهّد لاحقاً لجعلِها منطقة نفوذ لتركيا. على رغم ذلك ما تزال واشنطن ترفض طلبَ تركيا تنفيذ خطة حظر الطيران فوق المنطقة التي تريد إخضاعَها لنفوذها، أوّلاً بغية عدم إثارة إيران كثيراً، وثانياً بسبَب المشكلات الداخلية الكثيرة في تركيا، وحيث يساعد عَلويّو تركيا النافذون داخلَ الجيش وجهاز الاستخبارات النظامَ السوري ولو بطريقة غير ظاهرة، ما يَعني احتمالَ انعكاس أيّ تدخّل تركي مباشَر في سوريا على الاستقرار التركي الداخلي.

في المقابل لم تعترض واشنطن جدّياً على معركة القلمون التي نفّذها حزب الله، ذلك أنّ نتائج هذه المعركة تؤدّي إلى فكّ الترابط ما بين الداخل اللبناني والداخل السوري وتُنهي رسمَ الواقع الجغرافي الجديد عند الحدود مع لبنان والذي سيصبح كاملاً مع الانتهاء من معركة جرود عرسال ودخول الجيش بفعالية إلى البلدة.

كذلك لم تكن واشنطن منزعجة من التقدّم «الرشيق» لمجموعات حزب الله على تلال القلمون الاستراتيجية والتي حملت رسائلَ لإسرائيل بالجهوزية العالية لحزب الله، ما يدفعها للتروّي كثيراً قبل التفكير بأيّ مغامرة عسكرية في لبنان، خصوصاً في ظلّ حكومة متطرّفة تحظى بغالبية ضعيفة وقابلة لاتّخاذ قرارات مجنونة.

أمّا في لبنان، وباستثناء معركة عرسال المنتظَرة، فإنّ القرار الدولي هو المحافظة على الاستقرار الأمني والسياسي والحكومي في هذه المرحلة، وبدا أنّ نجاح السفير الاميركي ديفيد هيل بهذه المهمّة من دون إثارة أحد، دفعَ الإدارة الاميركية لإرساله الى باكستان الدولة التي تعيش مشكلات كبيرة ودقيقة مثل لبنان، وحيث يتردّد في الأروقة الديبلوماسية كلامٌ عن وضع هذا البلد على المشرحة الدولية في وقتٍ ليس ببعيد. ومع الإشارة إلى أنّ هيل يغادر موقعَه في لبنان قبل انتهاء ولايته الفعلية بسَنة كاملة.

هيل الذي سيشارك في احتفال العيد الوطني لبلاده، والذي نُقِل إلى 15 حزيران بدلاً من 5 تمّوز بسبب حلول عيد رمضان، من المفترَض أن يغادر لبنان خلال الصيف المقبل، فيما سيتولّى القائم بأعمال السفارة مهمّات السفير بسبب عدم تسمية سفير جديد. ذلك أنّ الأكثر حظاً وهو السفير لاري سيلفرمان، قيل إنّه اعتذرَ بسبب وضع صحّي خاص. وما يزال التقويم جارياً للاختيار بين ثلاثة دييلوماسيين أحدُهم امرأة.

ويبدو أنّ «الملل» الذي بدأت تشهَده أروقة السفارة الاميركية في عوكر ليس بالضرورة مؤشّراً إيجابياً. فالعواصم الخارجية، ولا سيّما منها واشنطن وباريس تراقبان بنحو كامل ودقيق الأوضاع الأمنية، وكذلك التفاصيل المتعلقة بالمؤسسات الأمنية اللبنانية. لكن لا شيء جدّياً حول الرئاسة، في ظلّ تكهّنات بأن ينقضي العام 2015 بكامله بلا جديد في انتظار التسوية السورية التي تفتح بابَ التسوية في لبنان أيضاً وهو مرجّح إلى السنة المقبلة.

المهم بالنسبة إلى واشنطن وباريس هو الحفاظ على الاستقرار الأمني وثبات الحكومة. لذلك بدا هيل قلِقاً مِن الاشتباك الحاصل مع النائب ميشال عون، خصوصاً أنّ معلوماته تؤكّد جدّية خطوة عون بالاعتكاف الحكومي. هيل نصَح بالعمل على ضمان استقرار الحكومة لأنّ هزّ الاستقرار الحكومي سيُدخِل البلاد في مسار آخر يصل في النهاية الى المؤتمر التأسيسي قبل إنجاز التسوية في سوريا.

وفي المعلومات أنّ حركة ديبلوماسية دولية ستَحصل وتهدف الى تثبيت «اتّفاق الطائف» حالياً، وربّما تكون زيارة وزير الخارجية الألماني حملت هذا المعنى في بعض طيّاتها. كذلك راقبَ الديبلوماسيون الغربيون زيارةَ المسؤول الايراني علي اكبر ولايتي للبنان، ذلك أنّ هذا الرجل كان يمثّل إيران في محادثاتها مع فرنسا والتي أنتجَت الحكومة في لبنان على قاعدة عدم استقالتها.

لكنّ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله مرَّرَ الرسالة بوضوح في خطابه الأخير: «إذهَبوا واسمعوا مطالبَ العماد عون»، فيما يُشبه الدعوة إلى عدم الاستخفاف بتحذيرات الرابية وإجراء قراءات خاطئة.

في اختصار، المطلوب إنجاز ترتيبات جديدة تحَصّن الحكومة، وليس الدخول في لعبة المكابرة والتحدّي. وهو ما يَعني أنّ «الخواء» السياسي لناحية الاستحقاق الرئاسي سيَمتد إلى سنة 2016 إلّا في حال استجدّت مفاجأة غير محسوبة من العيار الثقيل ستَدفع بواشنطن إلى التعاطي مع الوقائع الجديدة بدينامية مختلفة.

  • شارك الخبر