hit counter script

مقالات مختارة - ناصر زيدان

دبلوماسية المناورات العسكرية

الخميس ١٥ أيار ٢٠١٥ - 06:47

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الخليج الاماراتية

تتصاعد وتيرة المناورات العسكرية في اكثر من مكان في العالم، خصوصاً منها المناورات في البحار والمحيطات، وهي اقرب الى كونها رسائل ساخنة بين دول كبرى تشعرُ ان الاتصالات الدبلوماسية العادية لا تكفي للتعبير عن مواقفها، فتلجأ الى استخدام دبلوماسية المناورات العسكرية للتدليل على موقفاً ما، او للتمهيد للإتصالات السياسية فيما بينها بعد استعراض القوة الذي يؤشر الى المكانة العسكرية لهذه الدول.
عادة ما تُعبِّر دبلوماسية المناورات العسكرية عن امتعاضٍ من موقفٍ معين، او احتجاجاً على تصرفات دولية غير مُرضية. فتلجأ الدولة ( او الدول ) غير الراضية عن الموقف الى القيام بعملٍ للدلالة عن عدم الرضى، او لتوضيح نيتها كونها تملك مُقومات للمواجهة، اذا ما تصاعد الموقف، او استمرَّت التصرفات ذاتها.
اعتادت الدول الكبرى على تبادل الرسائل الساخنة عبر استعراض عوامل القوة، لاسيما منها العسكرية، برغم التطور الهائل الذي حصل على مستوى العالم، والذي ادى الى استحداث وسائل ضغط دولية مُتعددة، لاسيما من خلال العقوبات المالية والاقتصادية، او عبر فرض العُزلة، او الحصار السياسي.
مجموعة من المناورات العسكرية حصلت في المُدة الاخيرة، لها دلالاتها الكبيرة، وهي تُشير الى توتر في العلاقات بين الدول الكبرى، او بين الشرق والغرب، وفقاً لما يتضح من خلال نوعية هذه المناورات، ومكانِ حدوثها.
ابرز هذه المناورات حدثت على خلفية الاضطراب الهائل التي تعيشه العلاقات بين الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها – خصوصاً اليابان – من جهة، والصين وروسيا من جهةٍ ثانية. والتوتر بين واشنطن وموسكو بسبب احداث اوكرانيا وسوريا، اضافةً الى التوتر بين واشنطن وبكين بسبب التوسُّع الاميركي في الشرق، ساهم في تعزيز العلاقات بين روسيا والصين الى مستوى مُتقدِّم، لم تشهده هذه العلاقات من قبل، حتى ايام الحرب الباردة.
وقد اكد الرئيس الصيني شي جينبينغ والرئيس فلاديمير بوتين على متانة هذه العلاقة، خلال القمة التي جمعتهما في موسكو في 9/مايو/ايار على هامش مشاركة الاول في احتفالات الذكرى ال 70 للإنتصار على النازية، والتي تخللها استعراض عسكري ضخم، لم يسبق له مثيل، في اشارة الى حاجة بوتين الى ابراز قدراته العسكرية في هذا الوقت بالذات.

تحاول الصين الرد على الاستفزازات الاميركية – اليابانية من خلال تطوير علاقاتها مع روسيا، والتمدُّد في مناطق جغرافية جديدة لإزعاج اخصامها، وهي للمرة الاولى في تاريخها تُجري مفاوضات مع دولة جيبوتي لإقامة قاعدة عسكرية ثابته على اراضيها، قريبة من مناطق نفوذها الافريقية، ومطلَّة على البحر الاحمر الذي يتمتَّع بمكانة جيوسياسية مُتقدِّمة في منطقة الشرق الاوسط والقرن الافريقي.
امَّا روسيا، فلا توفِّر اية فرصة يمكن لها ان تُزعج فيها الولايات المُتحدة الاميركية، وهي تجهد للتشويش على المفاوضات التي تجري بين الغرب وايران، وتقدِّم مغريات جديدة للطموحات الايرانية المُتفلِّتة، من خلال رفع الحضر عن تسليمها صواريخ اس – 300 المتطورة، وتحاول اغراء تركيا، بالرشوة الغازية الوازنة، عن طريق تقديم كميات هائلة من الغاز، مقابل موافقة انقرة على تمرير خط لتصدير الغاز الروسي عبر مياهها الاقليمية من دون المرور بالاراضي الاوكرانية.
اجرت الولايات المتحدة الاميركية مناورات عسكرية في البحر الاسود على مقربة من جزيرة القرم، في شهر آذار/مارس 2015، وردَّت روسيا بمناورات برية في منطقة سنفاروبل القريبة، شاركت فيها صورايخ تحمل رؤوس نووية.
وساهمت واشنطن في ترتيب مناورات عسكرية مُشتركة بين حليفتيها اليابان والفليبين في 11/5/2015، فوق مياه بحر الصين الجنوبي، وذلك يُعتبر تحدياً للصين التي تدَّعي ملكية جزرعديدة في ذاك البحر، علماً ان اليابان والفليبين على عداوة تاريخية منذ الحرب العالمية الثانية، وقد نجحت واشنطن بتسوية الخلافات بينهما مؤخراً.
لم يتأخر الرد الصيني – الروسي على تلك الواقعة الهامة، فقد باشرت بحرية البلدين بمناورات عسكرية في البحر الابيض المتوسط، وهذه المناورات حدثٌ لم يحصل منذ قبل، وهي رسالة واضحة لواشنطن وللاوروبيين، بواسطة مُغلَّف حديدي. ذلك ان السفن الحربية التسع التي شاركت في المناورات، من النوع المُتطور، والتي تحتلُ مكانة مُتقدمة بين القطع العسكرية البحرية للبلدين.
وترافقت المناورات مع كلام سياسي من العيار الثقيل خرجت به صحيفة ( غلوبال تايمس ) الصينية، واصفةً العلاقات الصينية – الروسية بالمُتكافئة، على عكس علاقات " الخادم والمخدوم " بين واشنطن وطوكيو، على حدِ تعبير الصحيفة.
رسائل دبلوماسية المناورات وصلت عاجلاً الى واشنطن، وقد تكون وراء مُسارعة وزير الخارجية الاميركي جون كيري لزيارة سوتشي ولقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
 

  • شارك الخبر