hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - نبيل البكيري

لا تراجع للسعودية في اليمن

الخميس ١٥ أيار ٢٠١٥ - 06:46

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

بات الأمر أكثر وضوحاً، اليوم من أي وقت مضى، أن قمة كامب ديفيد الأميركية الخليجية لم تكن سوى استكمال لاتفاق لوزان الأميركي الإيراني، والذي، على إثره، رفعت كل لافتات الشيطان الأكبر من طهران، واستبدلت بالإعلانات العالمية للماركات الأميركية وغيرها.
وليدرك الجميع، هنا، أن المنطقة العربية هي الأخرى تغيرت على غير موعد مع التغيير، إلا ذلك الوعد الذي تساق إليه المنطقة العربية كلها، بتحويلها إلى كومة من رماد وصحارى أشباح، كما الحال في كل من العراق وسورية واليمن، ذلك الموعد المضروب إيرانياً وبغطاء غير مرئي غربياً، لضرب المنطقة العربية تحت مبرر القاعدة وداعش ظاهراً، وغيرها من التبريرات الجاهزة لديهم.
تمر المنطقة بتحول كبير وتحدٍّ أكبر، ولا يخفى على أحد مقدار التحول الكبير، الذي انطلق من المملكة العربية السعودية، بمقدم الملك سلمان، وولي عهده محمد بن نايف وولي ولي عهده محمد بن سلمان، هذا التحول الذي دفع المملكة إلى قمرة القيادة، وألقى على قيادتها مسؤولية كبيرة وجودية وتاريخية ومستقبلية. وكانت "عاصفة الحزم" أولى مؤشرات وبوادر التحول الذي تشهده المنطقة العربية، وعاصفة الحزم، هي التي لم يكن لتلجأ إليها المملكة وحلفاؤها لو كان ثمة استراتيجية واضحة المعالم منذ البداية، عدا عن أن ثمة خللاً، كان وانتهى بمجيء الملك سلمان وطاقمه.
الآن، وفي خضم هذا الجو الملتهب في المنطقة، وفي اليمن تحديداً، فإن الحديث عن أي تراجع في مهمة التحالف العربي وعاصفة حزمه، أو إعادة أمله، سيعني أن المنطقة تعود، مجدداً إلى مربع الخوف والتشكك والقلق المترقب والخوف الكبير.
قطعت المملكة بتحالفها العربي في اليمن شوطاً كبيراً، ولا ينبغي لها أن تتراجع تحت أي مبرر، من دون إغفال أن الحديث عن أزمة إنسانية حقيقة، تفاقمها آلة القمع الطائفية المليشوية في الداخل اليمني من علي عبدالله صالح والحوثيين. وتزداد هذه الأزمة تفاقماً، ما دامت المليشيات، هي سيدة الموقف على الأرض، وما دام ليست هناك مناطق محررة كاملة من سطوتها وسلطتها القمعية، وأن المهمة، الآن، تقتضي الإسراع في البدء بتحرير مناطق السواحل على الأقل، كالحديدة وعدن، باعتبارها نقطة تواصل اليمن مع العالم من حوله، وهي مفتاح لحل الأزمة الإنسانية في اليمن، والتي ستستمر ويتم تخليقها من المليشيات، لتجعل منها فزاعة للمجتمع الدولي، الداعي إلى وقف إطلاق النار بمبررات إنسانية.
الأزمة الإنسانية، اليوم، التي يتم ترويجها في اليمن حقيقية، لكنها من صنع هذه المليشيات العنصرية الطائفية التي تجتاح المدن، وتدمرها على رؤوس سكانها المدنيين الآمنين في مناطقهم ومساكنهم، فثمة حرب إبادة منظمة من هذه المليشيات المدعومة إيرانياً، فيما تشتغل آلاتها الإعلامية والدبلوماسية على نغمة الأزمة الإنسانية التي يصورونها كذباً، أنها من فعل قوات التحالف.
"الحديث عن أي تراجع في مهمة التحالف العربي وعاصفة حزمه، أو إعادة أمله، سيعني أن المنطقة تعود، مجدداً إلى مربع الخوف والتشكك والقلق المترقب والخوف الكبير"
صحيح أن هناك ضغطاً دوليّاً على المملكة وحلفائها يتم تخليقه، بمبرر الأزمة الإنسانية، لكن هذا لا ينبغي أن يؤثر على القرار النهائي السعودي في اليمن، فاليمن جزء رئيسي من الجسد السعودي الذي يتهدده الخطر الإيراني من كل جهة، وأن البوابة اليمنية، هي التي ستحدد مصير هذا الخطر من عدمه، فاليمن لا تحتاج سوى إدارة جيدة للأزمة، لا تحتاج من المملكة سوى إدارة المشهد اليمني بحنكة واقتدار.
لا يعوز اليمن الرجال والجيش، فهناك الرجال الذين يفتقرون، اليوم، فقط لقيادة موحدة لتعيد تنظيمهم وترتيب صفوفهم وتسليحهم، فالمقاومة على الأرض انتصرت على المليشيات الطائفية المسلحة بأحدث أنواع الأسلحة والتدريب، وهي، باختصار، الحرس الجمهوري الذي ظل يدرب ويسلح ثلاثة عقود، وها هو اليوم يعيث فساداً ودماراً في اليمن.
على المملكة، هنا، أن تعيد ترتيب أولوياتها، فيما يتعلق بالمشهد الداخلي اليمني، والإسراع في ترتيب هذه الأولويات، فالخصم يشتغل على عامل الزمن جيداً، وما لم يتم الإسراع في حسم قائمة الأهداف والأولويات، فهذا لن يكون في صالح المقاومة وفي صالح قوات التحالف العربي.
لا معنى لأي تراجع تحت أي مبرر سوى فشل عاصفة الحزم، وفشل التحالف العربي، وتمكين المشروع الإيراني في اليمن، بالنظر إلى المعادلة الموجودة على الأرض، حيث لا تزال المليشيات الطائفية المسيطرة على مفاصل الدولة، في ظل عدم وجود استراتيجية واضحة للتحالف العربي، فيما يتعلق بالمعادلة العسكرية والأمنية على الأرض. وهذه هي نقطة الضعف التي تعتري التحالف، وحل هذا الإشكال مرهونٌ، أيضاً، بوجود قيادة يمنية للجيش الرافض سلطة المليشيات، وكذا وجود قيادة شبه مركزية لرجال المقاومة الذين يسطرون أروع البطولات بإمكاناتهم البسيطة والمتواضعة.
وبهذا الخصوص، أشير إلى أن مؤتمر الرياض الذي يضم جل الطيف السياسي اليمني ينبغي له أن لا يخرج عن كونه مؤتمراً مؤيداً لاستعادة الشرعية السياسية في اليمن الجمهوري الموحد أو الاتحادي، وأن الذهاب إلى أي مؤتمرات أخرى لا ينبغي أن يخرج عن هذا السياق، وهو الحوار تحت لافتة الشرعية السياسية للنظام السياسي الراهن، بقيادة عبد ربه منصور هادي ونائبه خالد بحاح.
باختصار، أي حديث عن تراجع سعودي في اليمن، يعني تسليم اليمن لإيران جاهزةً، وعلى طبق من ذهب. وبالتالي، ما ينبغي القيام به، اليوم، سعودياً هو الإسراع في وضع خطة استراتيجية، تعتمد على اليمنيين أنفسهم، وخصوصاً النخبة اليمنية الشابة والجديدة، وهي المعنية بالحلول اليوم، وليس تلك النخبة التي كانت جزءاً من المشكلة، ولم تعد قادرة على أن تكون جزءاً من الحل، باعتبارها مشدودة إلى تصفية حسابات الماضي، بعيداً عن حلول المستقبل.
 

  • شارك الخبر