hit counter script

- وسيم ابراهيم

قوة بحرية أوروبية لمكافحة تهريب البشر

الثلاثاء ١٥ أيار ٢٠١٥ - 10:06

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لو لم تكن كذلك لما سموها قوارب الموت. إنها ليست استعارة بقدر ما هي توصيف موضوعي لمدى هشاشة تلك المراكب، بعدما صارت وسيلة تمويل مهمة للميليشيات الليبية وشبكات المهربين. هي في الأصل مراكب مهلهلة، يقول من استقلها إنه كان يكفي تحرك كتلة منهم، من جانب إلى آخر، كي توشك على الغرق. تكرر هذا الأمر مرارا، وفقد المئات أرواحهم في حوادث مماثلة. لكن هذه الهشاشة ستصبح مضاعفة، بعدما تبنى الأوروبيون أمس عملية عسكرية لملاحقة وتدمير قوارب وسفن المهربين قبالة سواحل ليبيا.
رصد هذه الشبكات ومقدراتها انطلق مباشرة، لكن إعطاء الاشارة لبدء إطلاق النار ينتظر أحد أمرين: قرار من مجلس الأمن الدولي، أو حلاً ليبياً ينتج حكومة وحدة تطلب تدخل الأوروبيين مباشرة. الاحتمال الأمثل هو اجتماع الشرطين طبعا.
القرار تم اتخاذه بعد اجتماع في بروكسل، ضم وزراء خارجية ودفاع دول الاتحاد الأوروبي. مقر العملية سيكون في العاصمة الايطالية روما، كإشارة رمزية للتكاتف مع دولة هي الأكثر تعرضا لموجة الهجرة واللجوء. لذلك أيضا سيقود العملية الأدميرال انريكو كريدندينو، وهو ضابط في البحرية الايطالية حصّل خبرة جيدة في هذا المجال، حينما قاد في العام 2012، لمدة ستة أشهر، العملية الأوروبية «أتلانتا» المستمرة في محاربة عصابات القرصنة قبالة الصومال.
وبموجب القرار الأوروبي ستكون تحت تصرف كريدنديو بوارج حربية، تحمل طوافات حربية هجومية وزوارق ملاحقة سريعة، باشرت العديد من الدول الأوروبية الاعلان عن استعدادها لتحريكها.
لكن الأدميرال الإيطالي يعرف تماما أن مهمته أكثر تعقيدا بما لا يقاس مع ملاحقة القراصنة. فنظرا للمخاطر المحيطة بها، يمكن اعتبارها العملية العسكرية المشتركة الأهم التي يقودها الأوروبيون. إنها قبل كل شيء مهمة قتالية. عليهم محاربة شبكات تهريب لم تكن لتستطيع العمل لولا تسهيلات تقدمها ميليشيات ليبيا، لقاء نصيب مهم من الأرباح الكبيرة. كما أن استمرار عمل المهربين، من دون أن يرف جفنهم من الوعيد الأوروبي، يعكس مدى استقوائهم بالأسلحة المتطورة التي يمتلكها أمراء الحرب الليبيين.
القضية انتقلت من مرحلة التقدير السياسي إلى تهديد منظور، خصوصا بعدما وردت تقارير عدة عن تعاون «داعش» مع المهربين مقابل اقتسام الأرباح، آخرها تحقيق استقصائي نشرته هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي». التنظيم الارهابي يسيطر على جزء من الساحل الليبي، ويستخدم هذا التمويل لتوسيع منطقة نفوذه وسط فوضى بلا حدود. لكن المسألة تأخذ بعدا أكثر حساسية، حينما يسمع الأوروبيون من مسؤولين ليبيين أن «داعش» يقوم بإرسال مقاتلين إلى أوروبا، مستثمرا علاقاته القوية مع بعض شبكات التهريب في البحر.
هذه المسألة لا تعني فقط الأوروبيين، بل أيضا «حلف شمال الأطلسي» الذي تقع ضمن مهامه حراسة أمن هذه المنطقة الجغرافية. أمينه العام يانس شتولتنبرغ شارك في اجتماع الأوروبيين. سألته «السفير» إن كان يؤكد التقارير حول إرسال مقاتلي «داعش» عبر موجات المهاجرين، فشدد على أنهم يقظون لهذه المسألة، وقال إن «إحدى المشكلات أنه من الممكن لمقاتلين أجانب أو ارهابيين محاولة الاختباء والاندساس بين المهاجرين، وهذا يشدد على أهمية الاستجابة لهذه الفوضى وهذه التهديدات بطرق مختلفة».
تكتم «الناتو» يصطدم بخطورة إنكار المسألة، لكنه ليس مغرماً بالحديث عنها. سيكون ذلك بدوره إقرارا بمسؤولية الحلف عن تحويل ساحل ليبيا إلى منصة تصدّر الارهاب إلى أوروبا. لا يمكنه تجاهل أن كل الاحتراب والتمزق جاء نتيجة للتدخل العسكري الذي قاده في ليبيا. «الناتو» لا يملك إلا الإقرار بالفشل الذي جلبته تلك العملية، وهو فعل ذلك فعلا، لكنه ألقى باللوم على المجتمع الدولي لأنه لم «يفعل ما يكفي» لإكمال ما بدأته عمليته العسكرية.
حساسية الحلف من قضية ليبيا تجعله مترددا أيضا في دعم عملية الاوروبيين ضد المهربين، على الأقل في العلن. لكن من دون الحاجة إلى تصريحات وشروح، يمكن لـ «الناتو» دعم العملية مباشرة بتوفير معلومات الرصد والاستخبارات. هذا الجانب التحضيري شرع به الأوروبيون فعلا، فهم يراقبون خريطة تحرك شبكات المهربين لتحديد الطرق التي يسلكونها وأماكن محتملة لاستهداف قواربهم على الشاطئ الليبي.
في سياق الحديث عن تقليل المخاطر التي تحملها العملية على اللاجئين والمهاجرين، شدد بعض الوزراء على أهمية توقيت إطلاق النار ومكانه. وزير خارجية الدنمارك مارتن ليدغارد قال لـ «السفير» حاسما الكيفية المحتملة للتنفيذ «يجب أن نجعل من الواضح أننا لا نتحدث عن عملية ضد سفن فوقها مهاجرون، بل نحن نحاول إنشاء عملية ستعالج القضية قبل أن يوضع نساء وأطفال أبرياء على ظهر تلك السفن»، قبل أن يضيف «اعتقد أن هذا جزء ضروري من النهج الشامل الذي سنتخذه».
هذه الحيثية تثير خلافات عدة. التصدي للمهربين قبل إبحار قواربهم يعني القدرة على استهدافهم وهم في الساحل الليبي، أو على مقربة كيلومترات قليلة منه. أحد الديبلوماسيين المعنيين بالمسألة أكد لـ «السفير» أن دولا مثل المانيا «ترفض بشكل قاطع» إرسال قوات عمليات خاصة، أو أي نوع من القوات على الأرض، إلى ليبيا من دون طلب رسمي من سلطاتها الشرعية. لكن بعض الوزراء شددوا على أن استهداف المهربين وهم على الأرض لا يعني بالضرورة ارسالة قوات برية. ما يعني أن التفسير الوحيد هو قصفهم من الجو أو بصواريخ البوارج.
على أي حال، جوهر العملية هو توجيه رسالة أيضا لموجات المهاجرين واللاجئين: منفذكم الوحيد إلى أوروبا سيتم إغلاقه. هؤلاء الهاربون من الحروب والاقتصادات المتهالكة سيسد الطريق أمامهم حرب بين البحرية الأوروبية وشبكات التهريب. صحيح أن الأوروبيين يعدون بفتح طرق شرعية أمام الهجرة واللجوء، لكن كل خطاباتهم تتبخر أمام معارضة شديدة من دول مثل بريطانيا وفرنسا.
المخاطرة لن تقف عند ذلك، فهناك المجازفة بانتقام شبكات المهربين أو الميليشيات التي تقف خلفهم. هؤلاء إن لم يصلوا إلى ضرب القوات التي تحاربهم، فلا يمكن استبعاد استهدافهم قوارب المهاجرين، خصوصا إذا كان ذلك سيحدث ضجة تعيق عملية الأوروبيين.
كل هذا يجعل المساومات على أشدها الآن. حكومة ليبيا المعترف بها دوليا في طبرق تعلن أن العملية يجب أن تتم بالتشاور معها تحديدا، وتقول إنه من الأفضل أن يجري تسليحها لتنهض بها بنفسها، وفي المقابل هنالك اشتراطات غريمتها، حكومة تجمع «فجر ليبيا» غير المعترف بها من الغرب. هذه تقوم بابتزاز الأوروبيين عبر إرسال ممثلين عنها، يحملون رسالة واضحة: نتعاون معكم لتشريع العملية إذا اعتبرتم أننا أيضا طرف شرعي.
وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيدريكا موغريني تجنبت حساسية الشرعية هذه، وقالت «نحن نتطلع إلى شراكة مع السلطات الليبية، مع جميع السلطات الليبية المعنية». هذه الشراكة، في حال التسوية السياسية للصراع، ستخدم الأوروبيين كثيرا لأنه «يمكنها تسهيل قرار في مجلس الأمن».
المسألة الأخيرة حاسمة لتأمين مظلة الشرعية الدولية، خصوصا بقرار يفتح باب الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة. لذلك يأتي قرار إنشاء العملية العسكرية كرسالة لروسيا والصين، بأن المسألة تتعلق بخطوة استراتيجية لا رجوع عنها رغم ترددهما. ضمن هذه الشروط، يكفي الأوروبيين قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع، وحينها لا يمكن لأطراف الصراع الليبي، سواء وصلوا لتسوية أم لا، الحديث عن الافتقاد لشرعية دولية. لذلك تمارس بروكسل عليهم ضغوطا مكثفة ليخرجوا بحل سياسي، سيجعل الباب مشرعا للحرب على المهربين بدون أي منغص. لكن يبقى أن عدم حصول التسوية، وتجاهل شروط أطراف الصراع الليبي، يجعل عملية الأوروبيين أمام مخاطر مضاعفة سيفرضها انتقام رافضيها الكثر.
(السفير،19-05-2015، ص 11)

  • شارك الخبر