hit counter script

مقالات مختارة - نجوى بركات

وسماحة يطلب البراءة، وسماحة ينال

الثلاثاء ١٥ أيار ٢٠١٥ - 07:17

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

وطلب ميشال سماحة البراءة، وقال "أنا أسير حرب سياسي بأدوات مخابراتية، وأطلب البراءة". ونالها، البراءة، بالرغم من اعترافه، ومن ثم ظهوره، بشكل واضح لا يقبل اللبس، في فيديو تم تسريبه، ويُظهره آمراً عميله المفترض، ميلاد الكفوري، ما يعدو 10 مرات، بالتفخيخ والتفجير والقتل، واستهداف مفتين وسياسيين، وكل ما قد يحول بينه وبين تنفيذ "الخطة"، على حد تعبيرهما.
أبقى أنظر إلى القناطر التي تعلو الرجل الجالس تحتها، وأكاد لا أستطيع أن أرفع عيني عنها. ولست أدري لمَ يخطر لي هذا الأمر الغريب، ضرورة تفكيكها وإخراجها من هذا المشهد الثقيل، أو ضرورة إخراجه هو من هذا الديكور، ليكون في الفيديو الذي أشاهده، مشدوهة، كالملايين غيري، اتساقٌ ما.
يجيب الرجل على أسئلة "عميله" بثقة مطلقة، فلا تتلاعب نبرة صوته، ولا ينشدّ جسده أو يتصلّب، بل يبقى مرتخياً مستنداً إلى ظهر الكنبة، كأنه جالس في زيارة، أو في استقبال زائر يتبادل وإياه أطراف أحاديث عامة، تافهة، تقتل الوقت لا أكثر، ثم تطفو عليه خفيفة، متطايرة، كالذباب. حتى إن الخادمة تدخل، فلا يعيرها الرجل أدنى انتباه، بل يرميها بكلمتين بالإنكليزية، ويواصل. في فمه، تتوالى كلمات عن "أسلحة وذخائر وتجمّعات لمواطنين ونواب المنطقة"، فلا ينقبض، أو يعرق، أو يتشردق، أو يتوتّر، أو يتحرّك مثلاً إلى الأمام، باتجاه ضيفه، كما يفعل، عادةً، من يبوح لمحدّثه بأمر ما، من يفشي سراً، أو يخوض حديثاً يستدعي حداً أدنى من الحذر والانتباه. لكن، لا. الحيطة ليست واجباً بالنسبة إلى ميشال سماحة، بل هي مبالغة وهدر أعصاب وإسراف، وإسباغ أهمية على أمر ليس بتلك الأهمية أو بذي بال. الحيطة ليست لأمثاله من الناس، هو من تجمعه بالرئيس، وبرجله الأمني الأول، مؤامراتٌ ودسائس لا يتشاطرها إلا من كانوا فوق القانون، وفوق كل اعتبار.
والرجل مرتاح، جد مرتاح، وإن كان منهمكاً على ما يبدو بأكل الصبّار، وبشرح ميزات هذه الثمرة التي تسهّل الهضم وتفيد المعدة. ففي مقطع آخر من الفيديو، نراه يدخل في الكادر وهو يرتدي روب حمّام، وخفّاً من القماش، فيجلس نظيفاً منتعشاً متابعاً الحديث. ما زال على الثبات والتماسك نفسيهما، مضافاً إليهما إحساس مستجدّ بالنظافة. ارتياح ونظافة وصبّار وكيس نيلون يحوي مائة وسبعين ألف دولار. في رؤيته هكذا، شيء من الأفلام. فالعرّاب، أو رئيس العصابة، لا يخضع لآداب السلوك الاجتماعي في حضرة رجاله، بل هم فقط المفروض عليهم اتباعها، وعدم التصرف بما يوحي بأنهم يظهرون حياله قلة احترام. لكن الرجل هذا وزير أسبق، ونائب في البرلمان، ونحن لسنا في فيلم سينمائي.
أنتبه إلى يده المرتفعة التي تومئ، أحياناً، متوّلية الكلام عنه. إنها يده اليمنى التي لا بد أنها حملت المال والسلاح والمتفجرات، والتي سلمت الحقائب والأكياس التي قبعت في صندوق سيارته في المرآب، وكانت تحتوي نحو سبعين كيلوغراماً من مادة تي إن تي، وقنابل يدوية لتفجير الأفراد، وصواعق، وساعات لتوقيت التفجيرات، وهي حتماً يده التي ارتفعت خلال محاكمته بيمين القسم، والتي وقّعت اعترافاته بارتكاب كل هذا، ثم صفّقت وهلّلت، بعد صدور الحكم عليه بعقوبةٍ لا تتعدّى سجنه أربع سنوات ونصف السنة.
شعور هائل بالراحة، ثم الاعتراف بالجرم، ثم الإفلات من العقاب. تلك هي معادلة النجاح، وذلك هو المسلسل المشوّق ذو النهاية الصادمة المفاجئة التي فاقت كل التوقعات، وأفرغت عباراتٍ، مثل دولة القانون والقضاء العادل والمحكمة العسكرية، من كل معنى أو محتوى، في بلد سائب مثل لبنان. فهنيئاً لنا، وشكراً لكل من ساهم في رفع سقف آمالنا عالياً، عالياً، حتى اختفى السقف هذا، وتبخّر وطار.
 

  • شارك الخبر