hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - البشير بمكدي

المشروع الأمازيغي يولد ميتاً

الثلاثاء ١٥ أيار ٢٠١٥ - 06:48

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

يُصاب المتتبع للمشروع الأمازيغي في المغرب بالهذيان، فقد عرف التقعيد لهذا المشروع تجاذبات ونقاشات وصلت حد التخوين ومحاولات لمصادرة كل رأي يخالف ما يذهب إليه كل طرف من الأطراف المعنية بالقضية الأمازيغية، من المساندين والمعارضين والمتحفظين.
ويصل هذا الهذيان إلى أوجه لدى فئة من الأمازيغوفونيين، من ذوي الطرح الراديكالي الإقصائي والاستئصالي الذي يرى في العنصر العربي، وبالتالي العربية والإسلام؛ مجرد جيش غاز ولغة وثقافة غازية. تتجسد الخطورة الكامنة في هذا التيار في الاختزال الصبياني لتاريخ يمتد أكثر من ثلاثة عشر قرنا من الوجود العربي والإسلامي في المغرب. هذا الابتسار هو الذي يفقد المشروع الأمازيغي مصداقيته.
فكرة الدعوة لإعادة ربط المغاربة بماضيهم، الأمازيغي، والمصالحة مع ذواتهم الأصيلة والقطع مع الاستلاب الفكري والثقافي والحضاري، لا يمكن أن تكون على حساب المخاصمة مع ذواتهم الأصيلة المتمثلة في الإسلام والثقافة العربية، وإلا كيف ُيسمح للمدافعين عن الطرح الأمازيغي بوصف خطابهم بأنه يضاهي الخطابات الأكثر ديمقراطية في العالم. إنه منطق عجيب، إلا إذا كانت هذه ديموقراطية جديدة، فليس لنا أن نعجب بعد الآن.
جينات الفناء كامنة في فكر الأمازيغوفونيين، ولا أقول الأمازيغيين، القائم على النزعة الشوفينية والتوتاليرية، ولا ننكر أنهم يتشاركون الفكر نفسه مع بعض القومجيين العرب.
لكن، قبل كل شيء، دعونا نشير إلى أن الموت السريري للمشروع الأمازيغي لن يأتي من الدولة، ولا من القوميين العرب، الآخر، ولا من الإسلاميين، بل سيأتي من داخل مكونات المشروع الأمازيغي نفسه. فالصراع حول الزعامة والتخوين ومحاولة احتكار الحقيقة والشرعية النضالية واتهام الآخرين، الأمازيغيين، بالتخاذل في نصرة المشروع الأمازيغي، كلها عوامل ستؤدي بهذا المشروع إلى الارتكاس.
من السذاجة أن يظن كل شخص يرفع العلم الثلاثي الألوان (الأخضر والأصفر والأزرق) في المظاهرات، وعلى مدرجات ملاعب كرة القدم، أو يضع قلادة أو يرتدي جلبابا يحملان حرف (زاي) بالأمازيغية، أو يدخل البرلمان بقفطان يحمل الرمز نفسه. إنه مناضل في صفوف الأمازيغية. وهي السذاجة نفسها التي يظن بها إسلاميون أن تقصير الثوب وإعفاء اللحية والاستياك ووضع بعض المسك الرخيص جداً علامة على التقوى.
ليس لدى الخطاب الأمازيغي استراتيجية محددة في العمل. بل نقول إنه لم يحدد المرامي التي يسعى إلى تحقيقها، فهو حينا يحارب العربية والإسلام والشرق العربي بأكمله، ومرة يدعو إلى ترسيم الأمازيغية في الدستور، ويساند الأقليات العرقية من الأكراد والأزواديين والأقباط والنوبيين، وصولاً إلى الصهاينة الإسرائيليين، ولعل التجاذبات التي عرفتها قضية الحرف المناسب لكتابة اللغة الأمازيغية المعيارية أكبر دليل على التخبط والعشوائية في المشروع الأمازيغي، بل كشف عن زيف نضال كثيرين ممن يدعون مناصرة الأمازيغية، من خلال دعوتهم إلى كتابة اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني، بدعوى الانتشار على الصعيد العالمي. وهل شفع الحرف اللاتيني للغة التركية واليونانية والرومانية والبلغارية والسويدية، فنحن نتداولها مع كل الملمين ببعض الحروف اللاتينية؟ ألا يحق لنا، بعد هذا، أن نشكك في مصداقية الخطاب الأمازيغي؟
وكانت اللغة الأمازيغية المعيارية العقبة الثانية التي أزمت المشروع الأمازيغي، فقد فطن الأمازيغيون في منطقة الريف (أمازيغ شمال المغرب) إلى أن (السوسيين)، أمازيغ جنوب المغرب، سيطروا على المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وبالتالي سيطرة المفردات السوسية في اللغة التي يسهر المعهد على تبنيها لغة معيارية، ما دفع أصواتاً ريفية إلى الدعوة إلى تبني اللهجة الريفية في منطقة الريف بدل اللغة الأمازيغية المعيارية. ثم إن اللغة المعيارية المغربية تختلف عن الأمازيغية في الجزائر ومالي وليبيا وسيوة المصرية. نحن، إذن، أمام لهجات أمازيغية، لا لغة موحدة.
ولعل تمسك بعضهم بنظام "الكوتا" في التمثيلية داخل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وبالتالي في التمثيلية اللغوية للهجات الثلاث في اللغة المعيارية، دليل آخر على التشرذم الذي يعرفه المشروع الأمازيغي، على الرغم من ادعاء بعضهم أن قوة تضحيات الأمازيغ رهينة بوحدة صفهم، وهذه الوحدة ضرب من المستحيل، لاعتبارات جغرافية وسياسية واقتصادية وعرقية، ولا نرجح أن أي طرف مستعد للتنازل لطرف آخر.
 

  • شارك الخبر