hit counter script

مقالات مختارة - مرلين وهبة

السوريون يَحتفلون في عيد العمل... واللبنانيّون «يتفرّجون»

الجمعة ١٥ أيار ٢٠١٥ - 06:46

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

يَحتفل اليوم العمّال السوريون في لبنان، فيما يقبَع آلاف اللبنانيّين في منازلهم بانتظار دَورهم للاحتفال بالعيد!

منهم مَن يترقّب ظهور زعيمه عبر الشاشة الكبيرة لإعطاء الإشارة إليه «بالعمل» عبر التظاهر في الساحات. ومنهم مَن يقبع في المنزل بانتظار قبول «الواسطة» التي «شَحَدها» من «ممثل الشعب» إبن بلدته، بعدما وعَده الأخير بالمساعدة للحصول على فرصة عمل. ومنهم مَن فضَّل أن يكون عاطلاً عن العمل اعتراضاً على الأجرِ الذي لا يتوافق مع نظام عيشِه ولا يسدّ ديونَه!

في المقلب الآخر، يراقب القِسم المتبقّي من اللبنانيين مشهدَ غزوةِ اليد العاملة السوريّة التي استفادت من الوضع، فحظِيَت بفرَص عملٍ وبوظائف شاغرة لم تَؤُل يوماً لغير اللبنانيين، وهي عديدة وتَشمل مختلف القطاعات، ربّما أحدثُها قطاع التمريض في المستشفيات الخاصّة والحكوميّة، والمؤسسات التسويقية اللبنانية، بالإضافة إلى قطاعات لم يَحدث أن آلت إليهم في الثمانينات والتسعينات.

إقصاء عمّال لبنانيّين

مِن الروايات المستهجَنة التي تسترعي المتابعة، قصّة اللبناني سليم ب. الذي يقول لـ»الجمهورية»: «مِن حقّ السوريين أن يَحتفلوا اليوم، أمّا اللبنانيون فلهم أن «يتفرّجوا» فقط ويتحَسّروا».

ويروي قصّة ابنِه بسّام مع ربّ عملِه الذي عملَ لديه «بعد واسطة» وهو مِن الجنسية السورية، وقد اشترى ملكيّة المطعم من المالك اللبناني الأساسي بعدما تخلّف الأخير عن تسديد ديونه الكثيرة، ويضيف ضاحكاً: «أصبحَ إبني يعمل لديه، وهذا ليس عيباً، بل مستغرَباً».

لكنّ المزعجَ، وفقَ سليم، أنّ «ربّ العمل الجديد يُحاول إقصاءَ العمّال اللبنانيين، واحداً تِلوَ الآخر بحجّة التوفير، ويستبدِلهم بعمّال سوريين، وذلك تضامُناً مع أبناء وطنه، على عكس بعض أرباب العمل والشركات اللبنانية التي تَستبدل عمّالها اللبنانيين بآخرين أجانب طمَعاً بالتوفير، غيرَ آبهةٍ بالتضامن ومبدأ المواطَنة اللبنانية».

يَعلم الجميع أنّ تصرّفَ المالك لا يحميه القانون ولسنا مِن مؤيّدي العنصرية، إنّما يحقّ لنا التنبيه مِن مخاطر النسبة المرتفِعة والتي ستتزايد في عدد العاطلين عن العمل، نتيجة إجراءات مماثلة. وهذه النسبة تخَطّت حتى اليوم 25 في المئة بعد النزوح السوري إلى لبنان، فيما لم يتجاوَز عدد العاطلين عن العمل قبل النزوح الـ11 في المئة.

مِن أجل حفنة من الدولارات!

قد تكون تجربة الطالبة فانيسا خيرَ دليل على ما نُنبّه إليه. فانيسا أنطون طالبة لبنانية تعمل «Promotrice» في شركة تسويق لبنانية، تتنقّل في المراكز التجارية بين مختلف المناطق اللبنانية. وتَروي لـ«الجمهورية» أنّ المسؤولة عنها طلبَت منها خلال التدريب لإطلاق منتَج لبناني، تدريبَ أحد المبتدئين، وهو سوري الجنسية، وبعدما اصطحبَته فانيسا معها في جولتين فوجِئت به يضحَك في اليوم الثالث قائلاً لها: «سأستلِم مكانك غداً».

وعندما استفسرَت مِن المسؤولة فوجِئت أكثر، إذ لم تنفِ الأخيرة أنّها ستستبدلها به لتوفير «حفنةٍ من الدولارات»، تقول فانيسا أنْ لا قيمة لها ولا تتساوى مع كرامة الإنسان، فكلّ ما جرى يخلو من أيّ احترام لقيمة أو مبدأ «المواطَنة» اللبنانية.

أمثلةٌ كثيرة صادفَتنا، إلّا أنّ الأبرز كان تهافُت اللبنانيين للمطالبة عبر «الجمهورية» بإيجاد وظيفةٍ لهم أو فرصة عمل، بعدما شعروا بأنّنا سنكون حتماً إحدى الوسائل التي سيحاولون اللجوءَ إليها يوماً لإيجاد فرَص عمل، رافعين الصوت «بَدنا شِغل يا ريت تكتبو هيك وبَس»... «الباقي ما بيطَعمي خبز».

وللأمانة، قد تكون المقولة الشائعة إنّ اللبنانيين يتذمَّرون دوماً من قبول العمل في بعض القطاعات، حقيقة، لكنّها اليوم لم تعُد حقيقة ثابتة، إذ إنّ انعدام فرَص العمل وتقلّصَ الوظائف، إضافةً إلى معطيات أخرى سياسية ومعيشية، كلّها أسباب بدَّلت هذه القاعدة الثابتة، فتنبَّه العديدُ من اللبنانيين إلى أنّهم إذا رفضوا الوظائف المتاحة، فإنّ المدَّ السوريّ نتيجة النزوح المليوني إلى لبنان سيقتنص الفرَص ويأخذ مكانَهم، خصوصاً أنّهم بدأوا يَحصلون على وظائف توازي بالقيمة المادّية والاجتماعية وظائفَ العمّال اللبنانيين على الصعيدَين المالي والاجتماعي.

قزّي

وفي هذا السياق، يقول وزير العمل سجعان قزّي لـ»الجمهورية»: «بعد جولات التفتيش التي قامت وما زالت تقوم بها وزارة العمل، تأكّدتُ من صوابية سياستي في إدارة هذا الملف، خصوصاً في ما يتعلق بضبطِ إجازات العمل»، مؤكّداً أنّه سيواصل حماية اليَد العاملة اللبنانية. لكنّه يقرّ في المقابل بأنّها «ستبقى ناقصةً وفاشلة إذا لم يبادر اللبنانيون إلى القبول بالعمل في لبنان وبتحَمُّل المسؤولية في مختلف المجالات والتوقّف عن الاعتقاد أنّ العملَ يبدأ مِن القمّة».

ويكشف قزّي أنّه وخلال جولتِه في إحدى المستشفيات الخاصة، فوجئ بعدد العاملين غيرِ اللبنانيين الذي تجاوَز عددَ العاملين اللبنانيين، موضِحاً أنّهم ليسوا أطبّاء إنّما يعملون ضمن الإطار الطبّي وليس في المجالات الأخرى، لافتاً إلى أنّ العاملين الأجانب ليسوا فقط من الجنسية السورية، بل من جنسيات أخرى مختلفة، إلّا أنّ غالبيتهم سوريّون».

وفي المعلومات أنّ الشباب يشَكّلون 35 في المئة من نسبة العاطلين عن العمل التي بلغَ معدّلها 25 في المئة، ومِن المهمّ دقُّ جرس الإنذار وتنبيهُ هؤلاء ليسرِعوا إلى المبادرة والقبول بالعمل في مختلف المجالات على أرض الوطن، عوَضَ السعي لاهثين إلى الخارج لقبول وظائف يرفضونها في لبنان بحجّة عِزّة النفس أو الخجَل مِن الغير، ومِن الضروري أيضاً تنبيه الشباب من أنّ العمل داخل الوطن ولو بأجرٍ زهيد، يبقى أغلى من العمل في الغربة التي لا تعوِّض الفرق والخسارة.

وعلى رغم تأييدنا واللبنانيين حقوقَ السوريين في العمل وكسبِ رزقِهم بعرَق جبينهم في لبنان عوَض التشبيح أو الترهيب أو تجاوُز القوانين اللبنانية، كما كان يحصل سابقاً، إلّا أنّه مِن المهِمّ أيضاً ألّا يتجاوزوا القوانين اللبنانية كما تجاوزَها بعضُهم في الأمس.

وعلى رغم إيماننا بقوميتنا العربية إلّا أنّنا لا نُخفي انحيازَنا إلى لبنانيتنا التي كلّفَتنا الكثير إبّان عهد الوصاية السورية، خوفاً من أن تُستبدَل اليوم بقوّات نزوح سوريّة تأكل ما تبقّى من الأخضر... ويبقى اليابس لأهل البلد.
 

  • شارك الخبر