hit counter script
شريط الأحداث

- زياد بارود

تأمّلات في شقاء الأرمن ومشهدية سلمى حايك

الخميس ١٥ نيسان ٢٠١٥ - 10:26

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أقتبس من سمير قصير في عنوان كتابه "تأملات في شقاء العرب"... الشقاء ذاته بين عربٍ وعجم، والجفاء ذاته بين ذاكرة الأمس ومسالك اليوم. كأنّها لعنة الجغرافيا العابرة للحدود تواطأت على حين حربٍ كونية مع لحظةٍ تاريخيةٍ مخزية ليُطيحا، معاً، حضارة وثقافة وإرثاً ومستقبلاً...

في المئوية الأولى لمحاولة الإبادة، وفيما حرب الأَعلام والبيارق مستعرة، استوقفني انقسام بعض اللبنانيين حيال مأساة بعضهم الآخر. لبنانيون ولبنانيات ذوو أصولٍ أرمنية، اندمج أجدادهم وآباؤهم في العمق اللبناني ولم ينسوا الجذور. حملوا هويتهم اللبنانية باعتزاز وباتوا جزءا من المكوّن السياسي والاقتصادي والاجتماعي في وطنٍ يفخر بتنوّعه ضمن وحدته. سقط منهم شهداء للبنان ولم ينسوا شهداء المجازر. لماذا يريد بعضنا لهم أن ينسوا؟ هل نحن نسينا؟ لماذا يريد بعضنا لهم أن يسامحوا حتى قبل المصالحة؟ هل لأننا سامحنا جلاّدينا في قانون العفو العظيم؟ ولماذا نخلط دوماً بين الموقف المبدئي و"التكتيك" الآني؟ كيف لنا كلبنانيين، وقد تعرّضنا لأبشع صور الجرائم والحروب، كيف لنا ألاّ نتضامن مع شعبٍ كان قاب قوسين من الإبادة الكليّة؟ ولماذا ننصّب أنفسنا قضاةً في محكمة عدلٍ مؤجّلة؟
إنّ شقاءَ الأرمن في ما تعرّضوا له هو شقاء كلّ جماعة يُنتهك حقّها في الوجود والحياة وتقرير المصير. إنما شقاؤنا نحن، في مئويتهم هم، هو شقاء كلّ إنسان يكيل بمكيالين وينظر بمنظارين ويدفن الرأس كالنعامة هربا من ضوء الحقيقة. شقاؤنا هو بسبب تبنّينا، من دون طلبٍ منه، قضايا الغير. شقاؤنا هو بسبب ضعف الرابط الوطني على حين استحقاق أجنبي. وشقاؤنا هو لأننا نقرأ التاريخ في كتبٍ مستعارة ونكتب تاريخ أيامنا الآتية بما تيسّر من هتافاتِ شارعٍ غالبا ما تُسقطها بعد حين مصالحُ الدول ومصالحاتُها... لذلك، أعذروا من لم يفهم العبرة من الاصطفاف المستجدّ، فالمجزرة والإبادة والجريمة لا تنتظر توصيفنا نحن و"جهبَذتنا" ولن تتوقّف أن تكون كذلك إذا نحن رفعنا علماً هنا أو أسقطنا آخر هناك. فلنترك الأمر للتاريخ ولسيف العدل إذا ما أتيح له يوما أن يُستلّ من غمده. وفي الانتظار، سيبقى شقاء الأرمن شقاءً وشقاء العرب كذلك. وسيبقى شقاؤنا مشتركا وكذلك واجب التضامن مع كل مظلوم وكل من انتُهكت كرامته الإنسانية... هذا هو معنى لبنان!
وبين الوافدين إلى لبنان مواطنين أرمناً مضطهدين، ومهاجريه من مواطنيه مغتربين، توازنٌ في المسبّبات والنتائج. إنتشارٌ لبناني واسع ومجزرة في الروابط الانسانية بين هنا وهناك. وبينهما مشهدية سلمى حايك اللبنانية، تأتيك على أجنحة جبران النبيّ غير المتكسرة، تحلّ مشرقةً في دمعةٍ وابتسامة. تأتيك بعد كل العواصف، مستعيدةً جنسيتها، متمسّكةً بلبنانيتها، هي التي احتضنتها عرائس المروج في مطارح أخرى تحت الشمس. وفي الموازاة، قانون استعادة الجنسية يقبع في أدراجٍ ما، ولا يحول دونه ودون إقراره "تشريع الضرورة"، بل رغبة دفينة في إبقاء مئات الآلاف من أمثال سلمى حايك من دون أرزةٍ تزيّن بطاقةً كُتب عليها... انتماء! "الإبادة"، مفهوم جديد بمفعول رجعي يتناول اغتراباً لبنانياً ممنوعاً من الانتماء! شقاء الأرمن وشقاء الاغتراب: محو الذاكرة وإحراق المراكب... أيضاً جريمة!

  • شارك الخبر