hit counter script

مأساة في مياه البحر الأبيض المتوسط

الإثنين ١٥ نيسان ٢٠١٥ - 15:12

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

بالنسبة إلى الأزمات المتعددة التي تواجهها أوروبا، فإن مشكلة الهجرة غير الشرعية هي الآن في سبيلها لأن تتحول إلى المشكلة الأولى. هذه المشكلة ارتدت حجماً كارثياً، قياساً إلى عدد الأشخاص الهاربين من بلدانهم إليها، وإلى ضخامة المأساة الإنسانية التي تترتّب عليها. ما يحصل الآن في البحر الأبيض المتوسط، ذاك البحر الذي تحول إلى حفار قبور المهاجرين السريين، هو تحدٍ، ليس فقط للكرامة الإنسانية، ولكن ايضا للقيم وللعقلانية الاقتصادية التي تأسست عليها المجموعة الأوروبية.

فأوروبا التي تحولت إلى القارة الأولى الجاذبة لهكذا نوع من الهجرة، تواجه حركة هجرة جماهيرية، لم تشهد مثلها منذ الحرب العالمية الثانية. فانعدام الاستقرار السياسي، والحروب الجارية في القارة الأفريقية ومنطقة الشرق الاوسط تدفع بسكانها لأخذ طريق الهجرة من دولها الآيلة إلى الانهيار. ومعظم هذا النزوح الجماعي يحصل من الجنوب إلى الشمال، عبر البحار، وبتنظيم من شبكات مافيوية، تأخذ على عاتقها نقل آلاف الهاربين من بلادهم، في ظروف دراماتيكية، وبعدما يكونوا قد انتزعوا منهم مبالغ هائلة، توقع عائلاتهم تحت ثقل الديون.

تجار العبيد المعاصرين هؤلاء، ليس لديهم أي وازع من ضمير. فهم يكدّسون حمولتهم بالرجال والنساء والأطفال، فوق زوارق غير ملائمة، تتسبّب في غالبية الأحيان بغرق ركابها وسط البحر. وقد بلغ عدد ضحايا تلك الرحلات المأسوية المئات، يقعون دورياً تقريباً، في المياه المتوسطية. فخلال الأسبوعين الأخيرين، غرق مركبان محملان بالمهاجرين غير الشرعيين، فتسبّبا بمقتل مئتي وخمسين شخصاً على الأقل. واحد من الفصول الرهيبة لهذه المأساة، ما قام به مؤخراً ركاب مسلمون بحق رفاقهم في المأساة من المسيحيين، وقد رموهم في البحر...

المجموعة الأوروبية، حتى الآن، عالجت هذه المشكلة العويصة، ليس بصفتها ظاهرة قائمة بذاتها، إنما بصفتها مشكلة ثانوية، موسمية، متأرجحة مع تقلبات الطقس، وناجمة عن عجزنا، نحن الأوروبيين، أمام الحرب في سوريا، واضطرابات ليبيا وتوتراتها الأمنية. المجموعة الأوروبية تركت إيطاليا لوحدها تتخبط في إدارة تلك التراجيديا الجارية فصولها على شواطئها. وعندما أعلنت إيطاليا عدم قدرتها على تحمّل تكاليف عمليات الإنقاذ على شواطئها، والمسماة «بحارنا» (mare nostrum)، قامت المجموعة الأوروبية في بروكسل، في خريف 2014، بوضع خطة أكثر تواضعا، وأقل كلفة، لمراقبة الشواطئ الأوروبية، اسمتها «تريتون» (triton)، من إسم إله بحري يوناني، برأس إنسان، وذنَب سمكة.

كل هذا لم يعد لا مفيداً ولا مرْضياً. الحرب في سوريا ما زالت تقذف بملايين من السوريين خارج بلادهم، والمنظمات الإسلامية الإرهابية ما زالت تزرع الفوضى، وليبيا مستمرة في انفجارها الداخلي، ومنظمو الهجرات السرية المافياويون ما زالوا يزرعون الموت. ان تدفق اللاجئين لن يتوقف بمعجزة. فالأزمة السورية مستمرة، وهي ستطول. وصار من الضروري، بل من الملحّ، أن تعي الدول الأوروبية، مجتمعة، حجم هذه الظاهرة، أن ترفع مسألة الهجرة السرية إلى مصاف الأولوية المشتركة، لأنها تعني بلدان الشمال كما بلدان الجنوب. وفي مناخ سياسي يسيطر عليه صعود الشعوبية والعداء للهجرة، سوف يكون من الصعب بلورة الحلول السياسية المناسبة. وبالمقابل، كلما تأخرت المجموعة الأوروبية في مواجهة هذه المشكلة، تباطأت في وضع سياسة حقيقية للهجرة، وغرق الأوروبيون في الأزمة... فطالتهم الانفجارات.
 

  • شارك الخبر