hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - آلان سركيس

سيل بَشَري وصَلَ أنطلياس ببُرج حمّــود.. العدالة آتية

السبت ١٥ نيسان ٢٠١٥ - 06:21

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

رسَم الأرمن لوحةً بشَريّة واحدة موحَّدة، امتدَّت من أنطلياس إلى برج حمّود، مقدِّمين التحيّة لشهدائهم الذين سقطوا منذ 100 عام. وتخَطّوا في مسيرتهم الحاشدة التي قُدِّرت بعشرات الآلاف البُعدَ الآنيّ للّحظة، وأثبَتوا أنّهم أمَناء على دم شهدائهم، وأعطوا صورةً للعالم بأنّ هناك في لبنان فئةً مسيحيّة موجودة على الأرض تتظاهر، وقادرة على تنظيم الاحتفالات الشعبيّة، في وقتٍ يُضطهَد ويُهجَّر مسيحيّو الشرق. ونَجح أحزاب «الطاشناق» والهانشاك والرامغفار في تسليط الضوء على الوجه المسيحي والوطني لبَلد الأرز. وعلى رغم انتشار الأرمن في كلّ البلدان بعد التهجير، إلّا أنّ إحياءَ الذكرى في لبنان هذا العام، وازى بأهمّيته احتفالاتِ أرمينيا، وأثبَتَ أرمنُ لبنان أنّهم ليسوا أقلّية، بل هم ثروةٌ وطنيّة تَضجّ بالحياة والعطاء.
أبعدُ من إحياء ذكرى إبادة شعب منذ مئة عام، نجَح الأرمن في خطفِ المشهد اللبنانيّ، معتمِدين على أسلوبهم السِلميّ الحضاري في إقناع المكوّنات والعائلات اللبنانيّة باحتضان قضيتهم المحِقّة.

تَحَضَّر الخزّان البشَري للأرمن في برج حمّود ومعه بيروت وكلّ لبنان للانطلاق نحو أنطلياس صباحاً، من ثمّ التوجّه إلى برج حمّود للمشاركة في المهرجان الخطابي.

أمسِ وقفَ الأرمن صفّاً واحداً ومعهم لبنان ليصرخَ «بَدنا حَقّنا»، «لن ننسى وسنُطالب». لا يريدون الانتقامَ أو الثأر إنّما العدالة، التي وإنْ لم تتحقّق على الأرض إلّا أنّهم واثقون ومؤمِنون بعدالة الرب.

لم تمنَع الشيخوخة هافاك من المشاركة في اليوم الاحتفاليّ الطويل، والسَير من أنطلياس إلى برج حمّود، ولم يَحُل صِغَر سِنّ سيفاك دون رغبتِه في التعرّف إلى احتفالات شعبه، ليَنقلَها بدوره إلى أولاده بعد سنوات.

هذه العيِّنة من المشاركين تترك في النفس الأرمنية والمسيحيّة ارتياحاً بأنّ هناك شعباً مسيحيّاً حيّاً، يتحدّى مَن قَتله وهجَّره، على رغم الاختلال في موازين القوّة، مناضِلاً تحت شعار «العين تقاوم المخرَز»، والثقة كلّ الثقة بأنّ العَين الأرمنية ستنتصر على مخرَز الظلم.

بدأ الأرمن منذ الثامنة صباحاً بالتوافد إلى بطريركيتهم في أنطلياس، مشياً على الأقدام وبالسيارات والباصات والزوارق، فملأوا الكنيسة، ومعها الباحة الخارجيّة التي يَرتفع فيها نصبُ تمثال شهداء الأرمن، وانتشَروا على الطرُق الداخلية في محيط البطريركيّة.

واستمرّ توافدُهم حتى بَعدَ انطلاق القدّاس الإلهي، منهم مَن افترَش الأرض تحت ظلال الأشجار وآخرون جَلسوا تحت عين الشمس، وبعضُهم الآخر اهتمَّ بأولاده، في وقتٍ وَزَّع الشبّان المياه والقبّعات على الحضور، فيما ارتفعَت اليافطات المطالبة بالعدالة.

حضَر العنفوان في خطبة كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس آرام الأوّل كيشيشيان الذي ترَأسَ القدّاس، ودَشَّن النصبَ التذكاريّ تخليداً للمناسبة والذي يضمّ رفات بعض الشهداء الذين سقطوا ضحيّة الإبادة. وألقى كلمةً ركّزَ فيها على استمرار النضال الأرمني، وضرورة اعتراف تركيا بالإبادة. كلُّ ذلك وسط حماسةٍ أرمنيةٍ لافتةٍ لا تهدأ وصيحاتِ استنكارٍ نابعةٍ مِن جرحٍ تاريخيّ معَمَّد بالدماء.

أمس سارَ الأرمن موحَّدين وهاتفين للعدالة، خرَجوا من باحة البطريركيّة يَتقدّمهم رجال الدين والأحزاب الأرمنيّة والمسيحيّة، ووسطَ التدافع قَطعوا جسرَ أنطلياس وسَلكوا المسلك الغربي للأوتوستراد الساحلي. عشراتُ الآلاف يَسيرون بانتظام، حيث حرصَ حزب «الطاشناق» ومعه بقيّة الأحزاب على تنظيم المسيرة بدِقّة.

يافطات، أناشيد، هتافات، وفِرَق الموسيقى تعزف على وقع الطبول، وتمَنّيات بأن تُقرَع طبول العدالة أيضاً. قَسّموا أنفسَهم إلى مجموعات كبيرة، يرافق كلّ مجموعة كشّافةُ الأرمن والموسيقى.

مُسِنّون، أطفال، شباب، جميعُهم يدٌ واحدة، وقلبٌ واحد. منهم مَن سبقَ رفاقَه، وآخرون أتعَبَتهم الشيخوخة لكنّ عزيمتَهم دفعَتهم على متابعة المشوار، فقد مرَّت مئة عام على المجازر وليس اليوم وقتَ التعب. بعد ساعةٍ من السَير، وصلوا إلى نهر الموت حيث انتظرَهم أرمن آخرون حضَروا من مختلف المناطق وتَجَمهروا على جسر المشاة، مِن ثمّ أكملوا طريقَهم في اتّجاه أوتوستراد الجديدة - الاتّحاد ووَصَلوا إلى الملعب البلدي.

مسيرةُ الأرمن أضاءَتها شموعُ الأمل وطلبات الرجاء، فأكّدوا التمسّك بقضيتِهم وبلبنان بلداً نهائياً، حيث رَفعوا الأعلامَ اللبنانيّة بكثافة، فيما لبسَ بعضُ الأطفال بزّة الجيش اللبناني، وصرَخوا: كلّنا للوطن وللقضية الأرمنية المُحِقّة.

  • شارك الخبر