hit counter script
شريط الأحداث

- ميراي فغالي

دور الإغتصاب تشرّع أبواب الشارع... ولا من حسيب

الجمعة ١٥ نيسان ٢٠١٥ - 06:08

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

"لم أستطع السير حتى. ادّعيت أن رجلاي تؤلمانني. لم أقدر، ولم أكن أنوي أصلاً، خوفاً، أن أخبر أحداً ما حصل في تلك الليلة. لم أفهم حتى في حينها ما الذي يجري. 3 شبان وأنا... أنا أبن التسعة أعوام مع كل هذا الألم الجسدي والنفسي. أنا مع اليد التي كانت تغطي فمي وتمسك بيداي، والعيون التي كانت تراقب من بعيد، والوحش الذي كان يغتصب، لا طفولتي فقط، بل حياتي... والدماء التي غطّت سريري.
تلك الليلة سيئة الذكر تكرّرت. على مدى 5 سنوات. كنت أتعرّض للتحرّش والإغتصاب كل يوم. 3 وحوش ـــ أكبر مني ببضعة أعوام ـــ يتناوبون عليّ. وأنا أرضخ خائفاً، مذعوراً، لا حول لي ولا قوة... إلى حين استسلمت".
يودّ طارق ملاح لو يستطيع أن يروي مأساته بتلك البساطة. يودّ لو يستطيع أن ينمّق الكلمات ويضع الأحداث بتسلسل منطقي كي يفهم من يسمع. لكنه يتلعثم في الحديث عن تلك الليلة بالذات. يجد صعوبة في استدراجها إلى حاضره. لكنه اليوم يجد نفسه مضطراً لذلك. ففي الدار أولاد آخرون. ضحايا آخرون محتمَلون. مآسي جديدة... تتكرّر، كما يؤكد طارق لموقع "ليبانون فايلز".
وطارق الذي يأبى الصمت عن هذه القضية¬¬¬ ليس الصوت الوحيد الذي علا. صوت "هدى" يعلو... تحت إسم مستعار.
"في الدار تلك كنا نخبئ الخبز تحت ثيابنا جوعاً، كنا ننتظر في كل أسبوع يوم تُقدّم لنا الفواكه لنسرق منها البعض ونأكلها خفية في ساعات الجوع. لم يكن لدينا أي خيار، مرغمين نأكل ما لا نحبه، ومجبرين نكتفي بما لا يسّد جوعنا من الذي نحبه. حتى الإستحمام كان يتحوّل كابوساً. كنا نُضرب بلا رحمة".
كنا نتحرّك خوفاً: الشعور المحرّك لكل شيء. ندرس خوفاً، نأكل خوفاً، ننام خوفاً، نجوع خوفاً... نتعرّض للتحرّش ونسكت... خوفاً.
كانت الفتيات تقتربن مني بمنأى عن الأنظار. تحاولن ملامستي بطريقة لم أكن أفهمها. كنت طفلة أبلغ من العمر 10 أعوام. حتى سحاب بنطالي استغلتنّه. ففي أحد الأيام علق. وعلقت بين أيديهن. حاولت إحداهن ملامسة أعضائي التناسلية بحجة إصلاح السحاب. كنت أردعهن على قدر عمري وفهمي وخوفي... لكن الكيل طفح. هدّدتهن بجدية بفضحهنّ... فتوقّفن إلى الأبد. لكنهنّ لم يكفنّ شر أفعالهن عن نفسي ولو بعد 11 عاماً.
لا زلت أتذكّر كيف كنّ يخلعن ملابسهن ليلاً في السرير لتلامس إحداهما الأخرى. وتتقهقهان عالياً. الصدى لا يزال في أذني. لا زلت أتذكّر كيف أن أي مشرفة لم تكن تزور الغرف ليلاً... وكيف أن المشرفات تستّرن مرة على اغتصاب عامل النظافة السوري لإحدى فتيات الدار"... تكشف "هدى" لموقعنا.
طارق أيضاً يروي عن المشرفات الكثير مما لا يشرّفهنّ. يؤكد أنه، مع صباح الليلة المشؤومة تلك، رأت إحدى المشرفات بأم عينيها السرير ملطخاً بالدماء. فلم تكلّف خاطرها للسؤال حتى عن السبب. كنّ حاضرات، غائبات.
لا زال طارق يعتبر نفسه "شاباً لا كباقي الشباب". يشعر بالعجز عن بناء حياة سليمة، أو بناء علاقة سليمة مع فتاة، كأي شاب عادي. ولا زالت "هدى" تخاف الجلوس مع أي فتاة على انفراد. فانفرادهما يعود بها بالذاكرة إلى وقت شعرت فيه أنها مستضعفة وأن حرمة جسدها، الذي لم تكن تعرف عنه الكثير، انتهكت.
يرفض كل من طارق وهدى، في حال بناء أسرة في المستقبل وتعرّض عائلاتهما المفترضة لظروف معينة، أن تطأ رجل أحد أولادهما المفترضين داراً للرعاية. حتى مجرّد التفكير بذلك يستفزّهما: "الشارع أرحم".
ولا يزال المئات من الأطفال متروكين من دون حسيب ولا رقيب تحت رحمة مغتَصَب يمكن أن يتحوّل إلى مُغتَصِب. ولا يزال أولئك الذين هُرِّبوا من قساوة الحياة إلى دار للرعاية، يعانون ما هو أقصى من البرد والجوع واللا أمان. هم عرضة اليوم ليصبحوا شخصيات باثولوجية.
"العنف ولا سيما الجنسي منه، قد يولّد انحرافا"، تؤكد المعالجة النفسية ناتالي ديب، و"هو قد يكون سبباً لأمراض هستيرية، كما قد يكون سبباً للمثلية الجنسية أو قد يعرّض حياة الثنائي للتفكّك بسبب البرودة الجنسية الناتجة عما تعرّض له الشخص. الإتزان العاطفي يُفقد. الشعور باليأس والتفكير بالإنتحار كلها عوارض محتملة... واللائحة لا تنتهي. أما العلاج فيختلف بحسب كل حالة"، كما تؤكد ديب.
هل تستطيعون تخيّل أي أجيال تربي دور الرعاية؟ الأمر لا يقتصر على الدار. فالشهادات الحيّة كثيرة عن حالات مشابهة في دور أخرى. دور الرعاية تحتاج إلى مراقبة أكثر وعياً... إلى حملات توعية مختلفة للأطفال فيها كما العاملين، إلى دورات تدريبية للمشرفات والإدارات... إلى متابعة من وزارة الشؤون الإجتماعية أقلّه.
الصوت يعلو اليوم. لم يعد مقبولاً سكوت وزارة الشؤون الإجتماعية. ولم يعد طبيعياً نأي المجلس الأعلى للطفولة بنفسه عن الملف. الأسماء معروفة. والتهم واضحة. وقد آن الأوان ليتحرك مسؤولون أكد سكوتهم على مدى عقود أنه غير مسؤول.
 

  • شارك الخبر