hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - عقل العويط

سليمان القانوني

الخميس ١٥ نيسان ٢٠١٥ - 07:05

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

النهار

يليق بقلم من طراز سليمان تقي الدين، أن يكون موضع احتفاء. ليس لأنه أصبح منذ قليل في دنيا الحقّ، وليس لأنه قلمٌ فحسب، بل لأنه خصوصاً صاحب رأي، وموقف، وقضية، أياً كان رأيه، وموقفه، وأياً كانت قضيته. ففي زمن انهيار الكثير الكثير من الأقلام، وتكسّرها، ظلّت أقلامٌ نيّرة، متنوعة، متعددة، مختلفة، وأحياناً متناقضة، لكنْ جريئة، حكيمة، عاقلة، ورؤيوية، منها قلم سليمان العزيز، ترفض الانهيار والتكسر، مواصِلةً بحبرها الأنيق، كتابة ما تراه لازماً، في مواجهة حال الاستنقاع والتفتت والتأكل والتخلف والظلامية والهزيمة التي تجتاح الحياة العربية، وتدمّر قيمها، وأحلامها، وطموحاتها، ومؤسساتها، ومفاهيمها، في الدولة والقانون والتقدم والتنوير والحرية والديموقراطية والعدالة والحق والأنسنة.

لا يهمّني أن أمدح سليمان تقي الدين. كما لا يهمّني أن أرثيه. جلّ ما أريده في هذه اللحظة الأليمة، أن أستخلص من غيابه المبكر سبباً إضافياً من الأسباب التي تدفعني إلى حضّ المواطنين، والقرّاء، وخصوصاً الكتّاب والمثقفين، الذين يغالون في التعامي عن الوقائع التاريخية والسياسية الموضوعية، على استعادة سليمان تقي الدين، استعادةً مقروءةً، بتأنٍّ واجتهاد وبصيرة وحكمة. فليس ثمة ما يماثل هذا النوع من القراءة، يجعلنا قادرين على ترتيب المناخ الذي من شأنه إتاحة الفرصة أمام العقل ليتولى دوره الكامل والمطلق في الزمن الوطني الخطير هذا. وإذ أسمّي العقل، كحصنٍ منيع، وكبيتٍ ذي سقفٍ عالٍ، بجدرانٍ متينة، فلكي يكون مأوانا الوحيد، في الخضمّ اللبناني والعربي والإسلامي الأهوج، حيث يستولي تطرّف الطائفيات والمذهبيات والشروخات والظلاميات الدينية والديكتاتوريات العسكرية والعائلية والأمنية على الأحلام التي يتوق أصحابها إلى الحرية والتنوع والحقّ والمدنية. وإذ أنحاز إلى هذا العقل دون سواه، وخصوصاً في لحظة غياب سليمان تقي الدين، فلأن هذا الرجل اعتبره وحده، مرجعيته القانونية والفكرية والثقافية والإنسانية.
قد يتفق كثيرون مع سليمان تقي الدين في آرائه ومواقفه، وفي ما انطوت عليه كتبه، وفي المسؤوليات التي أحبّ أن يتولاها. كثيرون في المقابل، رأوا فيها ما لا يحملهم على موافقته الرأي والموقف. هذا وذاك، على أهميتهما، وضرورتهما، يشكّلان الأرض الخصبة لحوار العقل النقدي مع ذاته، ومع الآخر.
يهمّني أن ألفت إلى أهمية أن يكون الكاتب، والمثقف، بل المواطن عموماً، مدنياً، في حياته العامة، وفي أشغاله، وفي كتاباته، فيتعامل مع الواقع من هذا المنطلق بالذات، باعتباره الجوهر الحقيقي للكائن البشري. هذا البعد المدني، العلماني، كان خلاصة شخصية سليمان تقي الدين، وهو البعد الوحيد الذي من شأنه أن ينجّي حياتنا الوطنية المشتركة، وبلادنا، من أهوال الاستحقاقات الخطيرة التي تواجه لبنان والمنطقة العربية، والعالم الإسلامي برمته.
كتبه في المشكلة اللبنانية، والعرب والمسألة السياسية، والمسألة الطائفية في لبنان، وتحولات المجتمع والسياسة، وإشكاليات الديموقراطية في العالم العربي، والمشروع اللبناني الصعب، والعرب في مخاض التغيير، والقضاء في لبنان، مراجع ينبغي العودة إليها.
شخصياً، لم أحبب لسليمان تقي الدين أن يتولى رئاسة اتحاد الكتّاب اللبنانيين، في لحظة من لحظات الهيمنة العسكرية، المخابراتية والأمنية، السورية، على لبنان. إلاّ أن كتبه وأبحاثه ومقالاته ومواقفه، تظلّ، أكثر من غيرها، وجهه الثقافي والفكري المتألق في حياتنا.
أحبّ أن أسمّيه سليمان القانوني، تيمناً بشخصه القانوني، الديموقراطي والانساني.
 

  • شارك الخبر