hit counter script

مقالات مختارة - ناصر زيدان

اوباما وكاسترو: صراع بين المصالح والمباديء

الخميس ١٥ نيسان ٢٠١٥ - 06:57

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الخليج الاماراتية

تدلُّ القمة التاريخية التي عُقدت في بنما بين الرئيس الاميركي باراك اوباما والرئيس الكوبي راؤول كاسترو، ان مقاربات سياسية خارجية جديدة، وغريبة، اعتمدها اوباما في ولايته الرئاسية الثانية، تغلبُ على عناوينها سمات المُبالغة البرغماتية، وفيها شيء من التهميش المُتعمَّد للمباديء.
 لا ينطبق الشعار الشهير لرئيس وزراء بريطانيا الاسبق ونستون تشرشل -" ليس هناك عدوات دائمة ولا صداقات دائمة بين الدول، بل هناك مصلحة دائمة "- على الحراك الاميركي، ذلك ان جزء كبير من بعض العداوات الاميركية السابقة، لم تُفهم اسبابه الموضوعية، كما ان بعض صداقات واشنطن المُبالغ فيها، لا يعتقد كثيرون انها تستند الى مصلحة للدولة، بقدر ما تحمُل الكيدية، وخصوصاً عندما يؤكد اوباما ان صداقة اميركا " واسرائيل " ثابتة ولا تتأثر بأي مُتغيرات سياسية.
لم يتغير شيء في اعتبارات المصالح المُتداخلة بين الدولة العظمى الاميركية والدولة الصُغرى الجارة لها كوبا، وعادةً ما كانت الثانية ملجأ للسائحين الاميركيين، وسوقاً لمُنتجاتهم قبل العام 1961، كما ان الجارة الكُبرى كانت مصدر عيش لعشرات اللآلاف من الكوبيين. ما تغير بعد ثورة تشيكيفارا وفيدال كاسترو ( الرئيس المؤسس للنظام الشيوعي الكوبي ) كانت المباديء، والعداوة كانت عداوة عقائدية، بين نزعة السيطرة والهيمنة الاميركية، وبين مبدأي الاستقلال وحق تقرير المصير الذين تمسكت بهما الثورة الكوبية، قبل ان تدخُل على العداء الكوبي – الاميركي عوامل الانقسام الدولي، والصراع بين اليمين واليسار الذي شغل العالم ما يُقارب النصف قرن.
ما تسرَّب عن مضمون القمة التي عُقدت بين اوباما وكاسترو، في بنما على هامش قمة دول القارة الاميركية التي انقعدت في 10و11/4/2015، يؤكد ان المصالحة التي جرت بعد اكثر من ستين عاماً من العداء، لا تستندُ الى اعتبارات المصلحة فقط، ولم تتخلَّى عن اعتبارات المباديء بالمُطلق.
الرئيس راؤول كاسترو اكد بعد الاجتماع: ان كوبا مُتمسِّكة بالنظام الشيوعي، ولن تتخلَّى عن مباديء الثورة، والرئيس اوباما ودَّع كاسترو وانتقل للإجتماع مع مجموعة من المُعارضين الكوبيين الذين حضروا الى بنما من عدة دول، وفي مُقدمتهم الناشط مانويل مورو، واكد امامهم ان واشنطن لن تتساهل مع انتهاكات حقوق الانسان التي تحصل في كوبا.
ملامح المصالحة الاميركية – الكوبية التي جرت في بنما - وكان قد بدأ التحضير لها منذ المصافحة بين الرئيسين في العام 2013 في جنوب افريقيا - تنطبق عليها مواصفات الحوار، اكثر مما هي مصالحة كاملة. وتراجُع واشنطن عن بعض الاجراءات العقابية الاقتصادية التي تفرضها على هافانا، لا يعني اعادة الامور الى مجراها الطبيعي الذي كان قائماً قبل الثورة.
صحيح ان الظروف الدولية اليوم ليست في مصلحة كوبا، والصحيح ايضاً ان الوضع الاقتصادي المُتردي في الجزيرة يحتاج الى رفع العقوبات الاميركية، والى إزالة اسم كوبا من اللائحة الاميركية للدول التي تتهمها واشنطن بمساندة الارهاب، ولاحقاً قد تستفيد هافانا من اعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لفرض قيود على حركة الدخول والخروج للمواطنيين الكوبيين اللاجئين الى الولايات المُتحدة الاميركية، او لوقف الهجرة غير الشرعية من كوبا الى ولاية ميامي الاميركية. ولكن الصحيح ايضاً وايضاً ان كوبا لا تستطيع بأيِ حالٍ من الاحوال اعادة الدوران في فلك السياسة الاميركية، ولا يستطيع الرئيس كاسترو الذي ورِث الحكم عن اخوه فيدال ان يُعيد النظر جذرياً بتركيبة النظام الشيوعي، لأن ذلك سيؤدي حُكماً الى تغييره.
اما الدبلوماسية الاميركية التي يعتمدها اوباما في تهديم الجدران، فهي مقاربة قد تكون جديدة في سياق العلاقات الدولية، وهي في الوقت ذاته ربما تكون برغماتية مُتهورة، او غير محسوبة، وقد تؤدي الى نتائج عكسية، وبدل ان تُقلِّص من عدد الاعداء قد تُزيد من عدد هؤلاء، او قد تضطر واشنطن في نهاية المطاف، الى اجراء تعديلات جذرية على ركائز سياستها الخارجية تحت وقع الانفلاش الدبوماسي الواسع.
سبق ان فشلت نظرية " صفر مشاكل " التي تبناها رئيس وزراء تركيا دواوود اوغلو، وكادت ان تُوصِل تركيا الى " صفر اصدقاء "
على غير ما يتوقع اوباما، قد تستقوي الدول الصغيرة على واشنطن، وتفرض شروطها، وقد ترفض بعض هذه الدول المُصالحات المجانية مع الولايات المُتحدة الاميركية، ذلك ان الاعتبارات التي تحكُم سياسة الدول ليست فقط مبنية على القوة او الضعف، فالمباديء لها مكانة في مصالح الدول وسياستها، كما ان ثقافة الشعوب غالباً ما يكون لها اثر واسع في تحديد علاقات الدول الخارجية.
الامثلة على الإخفاقات التي قد يصطدم بها اوباما في سياسته الجديد كبيرة، وربما يكون احد هذه الامثلة: موقف المرجع الايراني الاعلى المُتشدد ضد واشنطن بعد نجاح مفاوضات لوزان النووية بين البلدين مطلع الشهر الحالي. وكذلك فإن تصريحات الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في قمة بنما، والذي وضع شروط على العروض الاميركية بإعادة العلاقات مع بلاده، تأتي في ذات السياق من الامثلة.
حسابات زمن المصالحات الاميركية قد لا ينطبِق مع حسابات بيدر الاختلاف في المباديء.
 

  • شارك الخبر