hit counter script
شريط الأحداث

أخبار اقتصادية ومالية

بعلبك ـ الهرمل: محافظة على الورق

الإثنين ١٥ نيسان ٢٠١٥ - 08:53

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

بابتسامة ساخرة ونظرات استغراب، تحاول السيدة الخمسينية أن تجد إجابة على سؤالها. أمام إحدى دوائر الأحوال الشخصية في البقاع الشمالي تقف هذه المرأة حائرة: «كيف بقولوا إنو بعلبك الهرمل صارت محافظة، وتعيّن إلها محافظ، ولليوم ما فيني صدّق على إخراج قيد بأي مكان بهالمحافظة... يعني دخلكن شو تغيّر؟ بدّي أطرق مشوار على زحلة حتى صدّق إخراج القيد!».

من دون جدوى تسأل السيدة البقاعية، فكل من كان حولها من مخاتير وموظفين وأصحاب معاملات لا يملكون الإجابة، وإنما يشاركونها تساؤلاتها. أحد مخاتير الهرمل اشار الى أن الإفادات التربوية، والسجل العدلي، والمعاينة الميكانيكية وغيرها من المعاملات، «ما فيك تحصل عليها إلا من زحلة، ويمكن نبقى هيك سنين طويلة قبل ما نحصل على اللامركزية الإدارية في محافظة بعلبك ـ الهرمل».
تتواصل الأحاديث بشأن المحافظة في الوقت الذي تأفل فيه السيدة عائدة إلى منزلها، تفكر في كيفية تخصيص يوم آخر لتصديق إخراج القيد لابنها، خصوصاً أن «السفر» من القاع إلى زحلة «يحتاج إلى يوم كامل، نظراً إلى المسافة الطويلة (200 كلم) وزحمة السير الخانقة في محلة الفرزل ـ الكرك، وصولاً حتى دائرة الأحوال الشخصية في المدينة.
العبء المالي والجسدي، نصيب كل صاحب معاملة إدارية من قرى البقاع الشمالي. فالمحافظة المترامية على مساحة جغرافية كبيرة (أكبر المحافظات اللبنانية)، من القاع والقصر والشواغير إلى الهرمل وجرودها إلى رأس بعلبك واللبوة وبعض قرى غرب بعلبك وشرقها، يحتاج أهلها إلى التخطيط «ألف مرّة» قبل الشروع في أية معاملة، إدارية او أمنية أو عقارية أو حتى لإجراء معاينة ميكانيكية للسيارة وتسجيلها. لا ينكر ابناء البقاع الشمالي استحداث مكاتب إدارية خدماتية في الهرمل وبعض القرى المجاورة لها، إلا أن تلك المكاتب، بحسب ما يشرح المهندس محمود شمص لـ»الأخبار»، لا تتعدى صلاحياتها دور «ساعي بريد» بين الهرمل وبعلبك وزحلة، كما هي حال مكتب الضمان الاجتماعي في سراي الهرمل، ومكتب معاون أمين السجل العقاري.
يصرّ رئيس بلدية الهرمل صبحي صقر على «إيلاء الهرمل الاهتمام الكافي، وإنصافها في توزيع الإدارات في مناطق وسطية في المحافظة بهدف التخفيف عن كاهل أبناء المنطقة»، مشدداً على أن الهرمل تحتاج إلى استحداث «قلم شكوى نيابة عامة (نائب عام استئنافي)، وسرية درك (بما فيها مفارز سير وطوارئ)، ومكتب إرشاد تربوي، ومتابعة العمل في مشروعي سد العاصي والضم والفرز اللذين ينعشان المنطقة اقتصادياً وسياحياً».

في عام 2003 وبموجب المرسوم رقم 522 تم استحداث محافظة بعلبك ـ الهرمل. منذ ذلك التاريخ والحلم يراود أبناء بلاد بعلبك ـ الهرمل بتعيين محافظ وفصل الملفات عن محافظة البقاع، ووضع الأطر القانونية لاستكمال هيكلة سائر الدوائر بهدف الانتقال نحو اللامركزية الإدارية. بعض الإدارات افتتحت مكاتب لها، كالمال والعمل والزراعة والشؤون الاجتماعية. وبعد 11 سنة تم تعيين بشير خضر محافظاً لبعلبك ـ الهرمل. وبما أنه طوال تلك السنوات لم يتم توفير «عمارة» للمحافظة، كان لزاماً على المحافظ أن «ينحشر» في مبنى سراي بعلبك، الذي أكل عليه الدهر وشرب من أيام العثمانيين وتعرّض لاحتراق والترميم أكثر من مرّة. حلّ المحافظ في مكتب قائمقام بعلبك سابقاً (انتهت صلاحياته حكماً بعد تعيين المحافظ)، إلى جانب سجن بعلبك «غير المستوفي للشروط القانونية والصحية»، ومكاتب المالية والعقارية والأحوال الشخصية والوكالة الوطنية للإعلام، وجهاز أمن الدولة وغرفة حرس السراي.

علماً أن قرار استحداث محافظة بعلبك ـ الهرمل ترافق مع الإشارة إلى أن مبنى ثكنة غورو المجاور لقلعة بعلبك، سيتم ترميمه وتأهيله بعد دفع تعويضات للعائلات التي نزحت اليه من تل الزعتر في الحرب الأهلية. اليوم يبدو أن موضوع مبنى ثكنة غورو قد «صرف النظر عنه»، بحسب ما يوضح محافظ بعلبك ـ الهرمل لـ»الأخبار»، اذ يعتبر أن الوصول إلى الثكنة «صعب»، ناهيك عن أن الملف «شائك»، والتعويضات التي خصصت للإخلاء لا تكفي بعدما ارتفع عدد العائلات بداخله من 80 عائلة إلى 300، وتم تأجير غرف في المبنى للنازحين السوريين، بحسب خضر.
خصص مجلس الوزراء 10 مليارات ليرة لتشييد سراي محافظة بعلبك ـ الهرمل، بحسب خضر، إلا أن المشكلة تكمن حالياً في المكان الذي سيتم تشييد السراي عليه. رئيس بلدية بعلبك الدكتور حمد حسن أوضح لـ»الأخبار» أن المساعي القديمة بشأن المقايضة مع وزارة الدفاع بشأن أحد العقارات في محلة عين بورضاي، من أجل تشييد سراي للمحافظة عليها، «باءت بالفشل»، الأمر الذي دفع بلدية بعلبك ووزير الصناعة حسين الحاج حسن منذ اسابيع إلى زيارة وزير التربية الياس بو صعب من أجل المقايضة على عقار كانت بلدية بعلبك قد وهبته للوزارة في سبعينيات القرن الماضي، والذي استغلت منه الوزارة 15 دونماً، وبقي ما يقارب 8 دونمات يمكن اعتمادها لإنشاء سراي ضخم للمحافظة يضم مجمعاً أمنياً ومكاتب لسائر الإدارات العامة». الرد من وزير التربية «لم يأت بعد»، ما يعني أن المحافظة ستبقى خلال هذه الفترة من دون سراي، في الوقت الذي تنتظر فيه بلدية بعلبك انتقال الإدارات إلى مبنى السراي، ومن ضمنها نقل سجن بعلبك إلى سيّار الدرك عند مدخل المدينة (نال اقتراح نقل سجن بعلبك إلى سيار درك بعلبك موافقة مبدئية من وزير الداخلية نهاد المشنوق)، كي تشرع في تأهيل مبنى السراي الحالي وتعتمده مبنى للبلدية خصوصاً وأن التمويل متوافر كهبة بقيمة مليون يورو من مكتب التعاون الإيطالي.

تعيين محافظ لبعلبك ـ الهرمل انعكس ارتياحاً لدى رؤوساء بلديات المنطقة لجهة «التعاطي على المستوى البلدي والسرعة في إنجاز المعاملات البلدية، بدلاً من المراسلات التي كانت تنقل إلى مركز محافظة البقاع في زحلة والتأخير الذي كان يطاولها» بحسب رئيس بلدية بعلبك. لكن الرجل لا يخفي أن الإدارات الحكومية في المحافظة «ما زالت قليلة»، مشيراً في الوقت عينه إلى «المساعي الحثيثة من قبل المحافظ ونواب المنطقة من أجل نقل المحافظة فعلاً إلى كنف اللامركزية الإدارية».
في مدينة الشمس، مركز المحافظة المستحدثة ثمة نواقص عديدة على مستوى الإدارات الحكومية المطلوبة لبلورة اللامركزية الإدارية فيها. قيادة منطقة لقوى الأمن الداخلي، وسرية درك للهرمل، في مقدمة ما يطالب فيه أبناء المحافظة، فضلاً عن مكتب للسجل العدلي ودوائر إقليمية للأحوال الشخصية والأشغال العامة والبيئة والتربية ومصلحة تسجيل للسيارات ومركز للمعاينة الميكانيكية ومكاتب للاقتصاد والتجارة، فضلاً عن تفعيل مكاتب موجودة لكنها تعاني النقص أيضاً في مواردها البشرية.
في سراي بعلبك مكتب صغير للسجل العقاري، وحتى اليوم تحتاج أصغر معاملة للانتقال إلى زحلة حيث يداوم أمين السجل العقاري لمحافظة بعلبك ـ الهرمل في مدينة زحلة إلى جانب أمين السجل العقاري لمحافظة البقاع. المحامون في قصر عدل بعلبك ما انفكوا يطالبون بأمين صندوق لقصر العدل تابع لمحتسبية بعلبك في وزارة المالية والتي لا يوجد فيها سوى ثلاثة موظفين، بحسب ما يشرح أحد المحامين في المنطقة لـ»الأخبار».
يشدد خضر على التواصل الدائم مع سياسيي المنطقة وسائر الوزارات من أجل الإسراع في فصل ملفات محافظة بعلبك ـ الهرمل عن محافظة البقاع، واستكمال خطوات استحداث الإدارات، وقد «أثمرت الاتصالات منذ أيام عن استحداث فرع لتعاونية موظفي الدولة في بعلبك ـ الهرمل». لكنه في المقابل يرى أن استحداث كل تلك الإدارات «يلزمها وقت للإعداد والتحضير، فقيادة قوى أمن داخلي للمحافظة ورغم تجاوب وزير الداخلية وحماسة المدير العام لقوى الامن الداخلي فهي تحتاج إلى ما يقارب السنة للبت في أمرها» بحسب خضر.
يوضح المحافظ أنه منذ تاريخ استحداث المحافظة «لم ينفّذ الكثير فيها»، ليأتي التعيين المحافظ في ظروف تعتبر «استثنائية» من الجهة الأمنية، بدءاً من أزمة عرسال وخطف العسكريين اللبنانيين، وما تشهده السلسلة الشرقية، والفراغ السياسي الذي يعم البلد، وأن عوائق لوجستية عديدة ومنها مبنى السراي وموازنتنا الضعيفة جداً، تدفعنا نحو حلول موقتة».
(رامح حمية_الأخبار)
 

  • شارك الخبر