hit counter script

مقالات مختارة - دافيد عيسى

لبنان جزء من عالم عربي متغيّر... وحديث جنبلاط حول الطائف ليس "زلة لسان"

الإثنين ١٥ نيسان ٢٠١٥ - 08:14

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

من الصعب، ان لم يكن من المستحيل، عودة العالم العربي إلى ما كان عليه قبل الثورات والحروب. فما حدث فاق كل التصورات والتوقعات ولم يحسب له حساب وأدى إلى قلب المشهد العربي رأساً على عقب وإلى بعثرة الاوراق والمعطيات وإعادة رسم الخرائط والأدوار والاحجام.
ما حدث وما زال يحدث هو «زلزال» هزّ دعائم النظام العربي بقوة، ولا يمكن تقدير المسارات والنهايات في هذه الصراعات المتفجرة على الساحة العربية والمدى الزمني الذي تستلزمه هذه المرحلة الانتقالية، مرحلة المخاض وإعادة التكوين، وما سترسو عليه من معادلات وما ستفضي إليه من تحولات...
ولكن ما يمكن تأكيده والجزم به ان المنطقة العربية تغيّرت جذرياً ولن تعود كما كانت، وان الخارطة العربية يعاد رسمها بالحديد والدم والنار وستنبثق عنها حدود وكيانات جديدة.
العراق الذي كان موحداً يتحول بثبات إلى «عراق الأقاليم والدويلات» على أسس مذهبية وعرقية. ولم يعد بالامكان تصوّر عراق موحد بعد كل الذي جرى ويجري على أرض هذا البلد العربي بين ابناء الشعب الواحد.
سوريا التي كنا نعرفها لم تعد موجودة. وهذه الحرب التي تنهشها وتدمرها لن تنتهي في المدى المنظور وحتى الأبعد من المنظور. وهذا لا بد من ان يعكس واقع جديد على الأرض يعيد تظهير التناقضات والاختلافات النائمة والكامنة.
سوريا الجديدة لن تكون دولة واحدة موحدة في الشكل والحدود، بل هي مقبلة على متغيّرات جغرافية وسياسية واجتماعية عميقة...
ليبيا القابعة في نفق الفوضى، اصبح عليها التفكير في التقسيم اذا كانت تريد الاستقرار، وصار عليها الخيار بين وحدة قسرية لا تدوم الا بالقوة والقمع وبين تعددية واقعية تفرض توزيعاً عادلاً للمناطق والثروات. فإما ان تستمر ليبيا في حرب داخلية لا تنتهي وإما ان تنتهي هذه الحرب سريعاً إلى «ليبيا جديدة».
واليمن ايضاً المنضم حديثاً إلى نادي الدول العربية المتفجرة لم يعد » اليمن السعيد» وانما دخل نفق العذابات والمآسي ومرحلة المخاض العسير والنزاعات والصراعات القبلية والمذهبية والاجتماعية قبل الدخول إلى «يمن القبائل والمحافظات»، يمن الشمال والجنوب، يمن العاصمتين صنعاء وعدن، اليمن الفقير الممزق في شبه الجزيرة العربية الغنية.
لبنان لن يكون بعيداً عن المسار الجديد في المنطقة ولن يكون مستثنى من التغيير. لبنان الهادىء نسبياً وسط منطقة مضطربة متفجرة ستصيبه عاجلاً أم آجلاً عدوى الأنظمة الجديدة المفصّلة على قياس حروب داخلية سبق له ان عاشها وخبرها ودفع اثمانها الباهظة.
لبنان حالياً ليس على رأس لائحة الاهتمامات والأولويات الاقليمية والدولية وانما هو في أسفل اللائحة، قبله هناك سوريا والعراق وليبيا والآن اليمن ...
من حسن حظ لبنان انه ليس مدرجاً في خطط دولية واقليمية وعلى جدول اعمال هذه الحقبة الشرق أوسطية، وان الجميع يريدونه بلداً «مستقراً» ومحيداً وبمثابة رئة ومتنفس لأزمات المنطقة وحاجاتها. ولذلك لا خوف على حكومة لا يمكن ان تسقط لأنها حاجة ومصلحة للجميع، ولا خوف على حوار مطلوب ان يستمر حتى من دون نتائج وانجازات، ولا خوف على أمن واستقرار داخلي طالما انه مطلب لايران والسعودية اللتين تتصارعان في المنطقة وتلتقيان في لبنان عند مصلحة مشتركة.
ولكن لبنان المميّز في وضعه حيث تقف العواصف والمخاطر عند حدوده، سيصيبه ما يصيب الدول العربية من تغييرات وسيكون جزءاً من عالم عربي متحرك ومتغيّر ولكنه سيكون الدولة الأخيرة في الترتيب.
لبنان مصنف آخر دولة عربية يصعد إلى قطار الفدرلة والتقسيم، هذا القطار الذي وضعته حروب وثورات «الربيع العربي» على السكة السريعة.
فاذا كانت الحرب الأهلية وضعت نهاية للبنان ما قبل العام 1975 ولدولة ونظام الـ 43، فان حروب المنطقة ستضع نهاية للبنان ما قبل العام 2011 ولدولة ونظام «الطائف».
نظام الطائف صمّم على قياس مرحلة انتقالية انتهت على مرحلتين: عندما خرجت سوريا من لبنان وعندما انهار النظام العربي ولم يعد لنظام الطائف دولة مرجعية ورعاية، ولذلك من الصعب وغير المنطقي وغير الواقعي ان نتصور لبنان بلداً جامداً في منطقة متحركة، وان يظل نظامه السياسي قديماً في شرق أوسط جديد.
عندما دعا وليد جنبلاط قبل أيام إلى تعديل اتفاق الطائف، لم يتنبه كثيرون لتوقيت ودلالات هذه الدعوة معتبرين انها يمكن ان تكون واحدة من «نتعات» جنبلاط، أو ان جنبلاط يلهو ويشاغب للفت الانظار ولو عن طريق مقترحات ودعوات تطرح من خارج السياق العام للاحداث وفي توقيت لبناني واقليمي غير مناسب...
ولكن ما طرحه جنبلاط ليس نزوة ولا هفوة ولا زلة لسان. فهو يعي تماماً ماذا يقول عندما يضع الأصبع على الجرح والنقاط على الحروف ويتجرأ على كسر «تابو الطائف» الذي يجب وبنظر كثيرين ان يخضع لتعديلات إذا أريد له ان يبقى على قيد الحياة.
ثبت بالتجربة والأدلة والوقائع ان هناك ثغرات تطبيقية في الطائف ناجمة عن ضعف كبير لحق بموقع وصلاحيات رئيس الجمهورية التي لا تتناسب البتة مع مسؤولياته وناجمة عن خلل كبير في مبدأ الفصل والتوازن بين السلطات وعن صلاحيات استثنائية مضخمة معطاة للوزير وأدت إلى اختلال بنيوي ووظيفي في الادارات ولطالما عملنا على امتداد سنوات سابقة إلى لفت الانتباه إلى أهمية وضرورة تصحيح الخلل في عملية تطبيق الطائف قبل استفحاله وتحوله إلى أزمة حكم ونظام.
وما يدعو إليه جنبلاط لا يأتِ من فراغ وانما يستند إلى «عاصفة التغيير» التي تجتاح المنطقة العربية وتنقلها إلى انظمة سياسية مطابقة في كل بلد للواقع الاجتماعي والطائفي. وجنبلاط الذي اشتهر بامتلاكه «راداراً سياسياً » وبدقة وسرعة التقاطه للاشارات والمتغيرات، يتراءى له نظام لبناني جديد يكون اكثر استقراراً واكثر انسجاماً مع الواقع اللبناني المبني على توازنات دقيقة وتناقضات متكاملة. ولعلها المرة الأولى التي يحاكي فيها جنبلاط الهواجس والتطلعات المسيحية إلى استعادة الدور والحضور وصلاحيات الرئاسة، لأن جنبلاط مهتم فعلاً لدور ومستقبل المسيحيين في لبنان والمنطقة ويدرك انهم والدروز في سفينة واحدة ويتقاسمون ذات المصير والمستقبل ويواجهون خطراً مشتركاً هو خطر الصراع «السنّي - الشيعي»، وهو قلق من ان يصبحوا من وقوده وضحاياه...
وفي الختام وحتى انتهاء هذا «الشتاء العربي» «العاصف» ووصول «الربيع العربي» الحقيقي لماذا لا يتعلم السياسيون اللبنانيون ولو لمرة واحدة ان الخطابات السياسية العالية النبرة لا تقدم ولا تؤخر، وان لا أحد منهم قادر على تغيير حرف واحد مما هو مكتوب، وان الغرب أولويته في هذه المرحلة محاربة الارهاب وضمان تدفق النفط وأمن وحماية اسرائيل فقط، فلماذا لا ننتظر كراشدين ما ستأتي به الأيام على نار باردة... وليقل التاريخ ان اللبنانيين نجحوا ولو لمرة واحدة بتمرير هكذا مرحلة صعبة وقاسية بأقل أضرار ممكنة.
 

  • شارك الخبر