hit counter script

الحدث - روبير فرنجية

العائلة المفجوعة بعيداً عن الكاميرا

الجمعة ١٥ نيسان ٢٠١٥ - 05:31

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

اليوم، وبعد أن انتهت مواعيد التعزية وانسحبت الكاميرات من بهو الكنيستين في فيطرون وبيروت، أصبح بإمكان السيدة جورجيت عساف القاعي أن تجهش بالبكاء كما ترغب، وأن تنهمر دموع الوالد نهاد ميشال بريدي بحرية دون أن تلتقط العدسة الفضولية محرمته المبلّلة بدمع الأب المفجوع، ودون أن تتلصّص الميكروفونات على رثاء "إم عصام" تتمتم حزناً أو تصلّي همساً.
اليوم الأول من دون كاميرا وباتت هذه العائلة التي لم تفرّط بإيمانها المسيحي وصبرها ورقيّها، أمام فسحة حرية لتحزن على طريقتها: لتبكي وترثي وتولول لأن الخسارة كبيرة.
تطفّلت العدسات كثيراً في هذه الجنازة إلى حد أنه عند إلقاء النظرة الأخيرة على الجثمان، عمد أحد المصورين إلى التقاط الصور لعصام ويديه تعانق أكثر من مسبحة صلاة وأيقونة. وقاحة المصوّر أفقدته إنسانيته واحترامه لحرمة الموت حتى لو أراده أهله زفافاً.
فالكاميرا المسلّطة على وجه الإعلامي وسام بريدي ترصد تنهداته وخفقات قلبه الحزينة، لم تترك له لحظة للتنفّس والبكاء. في المقابل، فإن فريقاً ثانياً من المصوّرين ارتجفت أيديهم، وكادت تسقط الكاميرا على الأرض من كثرة التأثّر. هم ذاتهم أخذوا له صوراً كثيرة في مناسبات درامية واجتماعية، كيف يصوّرونه اليوم في نعشه على الأكف، كأنه فروة بيضاء تحمي أيديهم من صقيع فيطرون.
وفيما كان معظم الفنانين يبكون عصام، كان هناك عشاق الكاميرا والضوء. واحدة تطلب من المصوّر إمهالها قبل "اللقطة" لكي تضع نظاراتها، وآخر لم يتعب من التصريح، وثالثة لم تكفّ عن الثرثرة مع المنتج إستدراجاً لدور ما.
هذه المشاهد النافرة رأيتها مرّة في مأتم الممثّل كمال حلو منذ سنوات على بعد مسافة جغرافية محدودة من فيطرون، أي في جعيتا. (ليبانون فايلز)
من لا يبكي فقيده، ومن لا يندب حبيبه ويكفر بالرحيل الموجع. ألم تبكِ الكبيرة والسفيرة إلى النجوم السيدة فيروز نجمتها ليال حين هَوَت من الحياة وتتمتم ما ترتله: أنا الأم الحزينة؟!
لماذا كل هذا الفضول، ولماذا كل هذا التأبين، وكلمة وسام بريدي وصدق الطفل المصري "مامادو" (كرم) والرقيم البطريركي اختصروا كل تأبين. ألم يكن الوقت مناسباً ليتلو كل منا فعل الندامة. كلنا قصّرنا مع عصام: المنتج الذي سحب منه دور العمر، والمنتج الذي لم يسدّد أتعابه. وزاد من قهره قهر، الكاتب الذي حرمه الدور الأول. والصحافة التي كان عليها الإهتمام به أكثر، والأعين الحاسدة التي استكثرت عليه جائزة "الموركس دور" حين نالها، وفرصة "علاقات خاصة" حين قطفها.
لا شك أن غياب عصام بريدي أحزننا جميعاً من كل المناطق والطوائف والتيارات والمجتمعات، ولا شك أننا مهما ادعينا أننا في حزن كبير، فإن أكثرنا حزناً هو الحزين الخامس بعد والديه ووسام وشقيقته ماريان، التي نعرف كم كان يحبها عصام، وكم كانت عائلته حبه وشغفه وهمه واهتمامه. وكلنا يذكر صوته الغاضب على مصير والده الوظائفي لا يزال راسخاً في البال قبل أيام وهو يشكو ويعترض.
بالإذن من الفنان الكبير مرسال خليفة: أجمل الأمهات هي والدة عصام التي انتظرته عائداً من غربته التي ستطول. دعونا نصلي لها لكي يمنحها المسيح الصبر ويخفّف من حزنها، لكن...بعيداً عن الكاميرا.
 
 جميع الحقوق محفوظة: إن نسخ هذا المقال كامل او مجتزءاً او محرفاً يعرض الفاعل الى الملاحقة القانونية - هذا حقوق هذا النص تعود الى موقع ليبانون فايلز.

 
  • شارك الخبر