hit counter script

- زياد بارود

ليس من أجل عصام فقط...

الخميس ١٥ نيسان ٢٠١٥ - 10:38

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ليس من أجل عصام فقط... ليس من أجل من يستحق الدمعة وقد عانق الابتسامة... ليس من أجله فقط، وهو مستحق، ولا من أجل هادي وطلال وتوفيق وليليان ولائحة طويلة من ضحايا الموت المجنون، وهم كلّهم مستحقّون... بل من أجل مشاريع الضحايا من شبابنا الذين لا شيء يحول – سوى العناية الإلهية – دون أن يكونوا، هم أيضا، في عتمةٍ ما، وعلى حين غفلة، هم أيضا عصام! من أجل الضحايا الأحياء، معوّقين. من أجل آباء وأمهات وعائلات تبكي رحيلاً مبكراً وموتاً صاعقاً. من أجلهم جميعا، ومعهم جميعاً، لنتوقّف قليلا عند تقاطعات حياتنا العامة وتقاطعات تشريعاتنا وتقاطعات تطبيقها المأزوم دوماً. لنتوقّف قليلا عند ضوء أحمر أضاءه عصام كما العلامة التي فيها إلى الطريق إشارة. كأنه بموته المدوّي يشير إلى حيث يجب، إلى طرق آمنة، وقد اختبر، هو، طريق الموت... مهما تعدّدت ظروفه وأسبابه...

في جنازة عصام – العرس، وقف شقيقه وسام يقول، بلسان المؤمن، إن عصام تلقّى من الربّ... عرض عمل! عرضٌ لا يمكن رفضه، وقد انتقل إليه فاعلا في كرم الربّ. هكذا أبلغنا وسام. أما من وقع عليهم الخبر، فقد فهموا أن عصام منهمك الآن في تحويل وفاته الصاعقة إلى صفّارة إنذار. هو الذي أحبّ البدايات ولم يأبه بالنهايات، كأنّه يريد أن يطرح بدايات أسئلة برسم الدولة والناس، وكلاهما يتشاركان في المسؤولية ولو بدرجات متفاوتة. كأنه يود كثيراً أن يكون موته بدايةً لمقاربات عامة في السلامة المرورية، لا نهايةً لمسيرة فرد في سلامته الشخصية. كأنه يريد أن يطرح الآتي:
1 - في الأولويات (إحصائيا): عام 2014، سقط في حوادث السير المجنونة 657 قتيلا (هذا، عدا الجرحى). سقط في العام ذاته، في المقابل، 177 قتيلا في حوادث جنائية مختلفة. أي أن 78% من القتلى سقطوا في حوادث مرورية! في منطق الأرقام، ألا يبدو واضحاً أن ثمة أولوية يجب أن تعطى لخفض هذا المعدّل ليقترب من المعدّلات العالمية، نسبة الى عدد السكان؟ خصوصا أنه آخذ في التزايد لا التناقص نتيجة غياب الإرادة السياسية (نعم، السياسية!) التي تعطي هذه المسألة حقّها وحيّزها.
2- قانون السير الجديد: وبمعزل عن النقاش حول تفاصيله وثغراته، ألم تكن الفترة الفاصلة بين إقراره (في تشرين الأول 2012) وبدء تطبيقه (في 22 نيسان 2014)، كافيةً لتعميمه على مستخدمي الطرق، ليعلموا ما ينتظرهم من تدابير رادعة؟ ألم تكن سنتان ونصف السنة كافية لتستعدّ الإدارات المعنية به لتطبيقه؟ من المسؤول عن تغييبه عن علم الناس؟ ولماذا التركيز، اليوم، على حال الطرق، في حين أنها تفصيل نسبةً إلى مخالفات السرعة الزائدة، مثلاً؟ ليس قانون السير قانوناً شعبياً، ولا يفترض فيه أن يكون كذلك. هو قانون رادع ينبغي أن يحمي الناس من أنفسهم أحيانا! لكنّ السير عندنا في التشريع حاله حال التدخين... في التطبيق.
3 - في المسؤوليات: طبعاً هي مشتركة بين السائق والسلطة المكلفة الردع. لكن السؤال يبقى: هل ثمة جينات وراثية خاصة بالشعب اللبناني تجعله عصيّاً على التزام قواعد القيادة السليمة؟! ولماذا يلتزم اللبناني ذاته، وبالجينات ذاتها، قوانين السير في دولة الإمارات وفي فرنسا والولايات المتحدة وأوستراليا والمغرب؟ الجواب واضح: إبحثوا عن الرادع! إبحثوا عن القانون! إبحثوا عن الحزم! يوم انتشرت رادارات السرعة قبل بضعة أعوام، انخفض معدّل ضحايا حوادث السير في أشهر قليلة بنسبة 57%. تغيّر المشهد. نزع اللبناني جيناته المضادة لسلامته والتزم. إلتزم حزام الأمان ولو في غياب أحزمة الأمان السياسية والاقتصادية والأمنية. ميّز بين هذه الأحزمة وتلك. اللبنانيون واللبنانيات يتوقون إلى "طرق للحياة"...
يذكر متابعو الراحل الكبير ريمون جبارة فقرته الصباحية الساخرة المحبّبة عبر أثير "صوت لبنان" وكانت بعنوان "ألو ستّي". كان جبارة يحاكي هاتفياً جدّته المنتقلة إلى جوار ربّها، يجيب عن أسئلتها المفترضة ويخبرها عن حال البلاد منذ غادرتها... ومذذاك، بعد الجدّة وبعد ريمون وبعد عصام وبعد آخرين لا نعرف أسماءهم بعد، لا تزال الأسئلة المشروعة ترتطم بصخور اللامسؤولية واللامبالاة والإهمال والتأجيل والتسويف وغيرها وغيرها من مفردات الدولة الفاشلة...

  • شارك الخبر