hit counter script

خاص - ابراهيم درويش

الطالبة دايان درويش...عصرت أحلامها على الورق وحلّت في المرتبة الثانية عالمياً

الأربعاء ١٥ نيسان ٢٠١٥ - 10:53

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لم أكن أعرف دايان درويش بنت السبعة عشرة عاماً من قرية جرجوع الجنوبية، على الرغم من القرابة التي تجمعنا حتى الأمس القريب، حين التقينا في إحدى المناسبات الاجتماعية. النظرة الأولى توحي أن للفتاة اهتمامات لا تختلف عن اهتمامات باقي الفتيات في عمر الورد، من تأنق ولبس، والركض خلف الاحلام البريئة في حقول الأيام العابرة.
في يوم من الأيام، تواصلت معي دايان بصفتي رئيساً لجمعية تقوم بجملة من النشاطات في القرية، سائلة "كيف يمكن أن تمر عطلة طويلة من دون أن يكون هناك نشاط يجمع الناس ويكسر حالة الروتين الموجودة في القرية؟".
أبلغتها حينها أننا بصدد التحضير لنشاط كبير يحتاج بعض الوقت... انتهت المحادثة وعلمت أن بنت السبعة عشر ربيعاً تسابق غدها، وقد تخلت عن مطاردات الفراشات في بساتين الحاضر، متعقبّة طموحاتها فوق سفوح المستقبل".
لم يفاجئني أن تكتب دايان قصة تتنقل عبر سطورها بين البلدان العربية الممزقة، لتنبش عن آمال مندثرة، بسلاسة وترابط وخوف من المجهول الآتي، لكن لا أخفي صدمتي الفرحة في أن تكون قصة دايان باللغة العربية، التي باتت موضة قديمة في مجتمعنا المتعولم، ليتكلل الفرح في أبهى حلته، بنجاح دايان في رفع اسم قريتها وبلدها، بنيلها المرتبة الثانية عالمياً في مسابقة القصة القصيرة للمدارس الفرنسية في العالم من تنظيم البعثة الفرنسية العلمانية "Mission Laïque Française. "

سألنا دايان عن تفاصيل كتابتها للقصة، ومتى اكتشفت ملكة الكتابة، وما الذي دفعها الى الاشتراك في المسابقة، وقالت لنا:
تربيّت في منزل كان للعلم فيه مذاق آخر، يبتعد عن الشعور بالإكراه على التعلّم ويقترب من حبّ اكتساب المعرفة و إرادة وإغنائها. كبرت وأنا أرى أمّي تحضّر حواراتها و نشراتها، في بيت يصدح دائماً بصدى الأخبار، خصوصاً أنّ أمي تعمل في هذا المجال. بدأت بالإهتمام بالأحوال الإجتماعية والسياسية المحيطة بي في سنّ الثانية عشر، برغبة ذاتية ومثابرة شخصية، وبدأ هنا حبّي وتعلّقي بأمور لم تكن كما يقول الكثيرون "من عمري".
هذا الإطلاع ساهم بشكل كبير بزيادة تعلّقي بهويّتي العربيّة، وزاد اهتمامي باللغة العربية، خصوصاً أنّ والداي كانا يصرّان على ضرورة التكلّم باللغة العربية بعد عودتنا من المدرسة".
وتابعت "أنا تلميذة مدرسة فرنسيّة، اهتمامها وتركيزها الأساسي على اللغة الفرنسية فكان عليّ أن أثابر بجهد ذاتي لتحسين مستوى اللغة العربيّة لديّ. كنت أكتب منذ هذا السنّ بالفرنسية والإنجليزية إلى أن وصلت إلى صفّ الأوّل الثانوي، حيث دخلت الشعبة الدولية للباكالوريا الفرنسية التي تركّز على الأدب و التاريخ العربي، وساهمت مدرّسة اللغة العربية بزيادة إندفاعي نحو الكتابة بالعربيّة".
واضافت دايان "ككل عام، كانت البعثة الفرنسيّة العلمانيّة تنظّم مسابقة للقصة القصيرة، يشارك فيها طلّاب المدارس الفرنسية حول العالم، إنما هذه السنة تم تخصيص باب من المسابقة للقصص المكتوبة بالعربية.علمت بالمسابقة في شهر نوفمبر وقررت المشاركة، وكان الموضوع يتمحور حول جملة شهيرة للشاعر الفرنسي شارل بودلير "مرّة هي المعرفة التي نجنيها من السفر".
وتابعت "لم أفكّر بالقصة قبل بدء كتابتها ولكنني كنت أعلم انه سيكون لها صلة مع العالم العربي. أتتني الأفكار تباعاً أثناء الكتابة فالسفر والإطلاع على التاريخ والأحداث لعبا دوراً مهماً في ولادة القصة وإعطائها حيوية وبعداً واقعياً.إخترت كل كلمة في قصتي بانتباه شديد ودقة وهذا ما انسحب أيضا على شخصيات الرواية. زرعت فيها بعضاً من احلامي وأوجاعي وأفراحي حتى أنني كل ما قرأتها شعرت بأنها بطاقة تعريف وتختصر شخصيتي بشكل كبير".

وقال "هي ليست المحاولة الأولى، ولكنها في الوقت ذاته المحاولة الثالثة فقط لكتابتي باللغة العربية وهذا ما يجعلني سعيدة جدا، لأنها حازت على هذا الكم من الاعجاب".
واضافت دايان "في قصتي القصيرة التي تدعى "ع" الشخصية ليست سوى أنا، فتاة عربية تبحث عن هوية عربية وعن سبب أوجاعنا وأحزاننا في العالم العربي وبشكل أساسي عن الانسان والانسانية في هذا الوطن.
في القصة أبعاد كثيرة قومية، وطنية، سياسية، اجتماعية، ثقافية و بالطبع انسانية. لا أعرف سبب كل هذا الاندفاع وهذا التعلق والتشدد بهويتي العربية، يمكنني تفسير ذلك بطرق مختلفة، و لكن ما أعلمه هو أن رسالتي واحدة: أحلم بالانسانية في وطني العربي و بوطن يعمّ فيه السلام والمحبّة".
وتابعت "نعيش أزمة انسان في أوطاننا العربية الى جانب ازمات كبيرة و كثيرة، خصوصا في ظلّ نظرة العالم الغربي الينا كعرب وخصوصا في ظل مشاهد التطرف والتكفير الذي كلّفنا غالياً والذي شوّه صورتنا كعرب ومسلمين، وهو بالتأكيد لا يعكس صورتنا الحقيقية. هذه العناوين حاولت أن أترجمها في قصتي حيث حاولت أن أرسخ قدرتنا على مقاومة هذه الافكار السوداء، وسأحاول قدر المستطاع أن أواجه كل هذه الصور البشعة التي اثّرت في وعينا الجماعي كي لا تصبح أمرا واقعاً يوسم عالمنا العربي" .
وختمت دايان "حازت قصتي على المرتبة الثانية عالميا وسيكون هناك تكريم من قبل البعثة الفرنسية في بيروت وفي فرنسا حيث ستتم طباعة هذه القصة و ترجمتها للغة الفرنسية عبر هذا البعثة"
فيما يلي بعد الأسطر التي اخترتها من القصة، وجاء فيها:
حلمت بزمان أدلّ فيه أولادي على ذلك المكان البعيد، ذلك المكان المقدّس. ها أنا أذكر البعد مجدّدا: البعد الذي فصلني عن حلم ما زلت أؤمن به. أعجز عن الكلام. أغمض عينيّ. أتلذّذ بصوت الهواء. هذا هو هواء الوطن المفقود الحاضر أمامي. هواء الأمل و الولاء. نحن في طبيعتنا متناقضين مع أنفسنا... فماذا إذا حلّ علينا الصمت والبلاء؟ ماذا إذا بدأت النهاية و ما زالت أرواحنا متعلّقة بأعماق القصّة؟
فبماذا أبدأ و ماذا أقول؟ و هل للكلمات حقّا قوّة نقل الفكرة كما نريد ترجمتها؟ بكلّ معانيها المختبئة فينا؟ هل يخرج الحلم من فمنا كما نحلمه حقّا؟ أوليست الروح هي مقرّ الحلم الذي لا مكان له غيرها؟
جميل هو الحلم والأجمل بعد أن أكون إمرأة عربيّة تجرؤ على الحلم.
أمّا أنا الممزّقة، أمّا أنا تلك الفتاة الممزّقة، بحجم الوطن الممزّق، أبحث عن وطن يحتضنني بعد أن خنقناه بإنقسامنا وتشرذمنا وجهلنا وسوادنا. 

  • شارك الخبر