hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - فؤاد ابو ناضر

الامر لهم

الثلاثاء ١٥ نيسان ٢٠١٥ - 12:42

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أربعون عامًا مضى على الحرب على المسيحيين ولبنان، ولا تزال معاناة شعبنا إلى تفاقم. لكأن مبدأ الحرب هو المبدأ الثابت، لا مبدأ السلام. ولكأن العبرة لم تؤخَذْ، ولا الذاكرة حفظت، ولا المصالحة الحقيقية يمكن أن تتم، ويجب أن تتم.
ما من أحدٍ يملك حق التساؤل عن أسباب هذه المعاناة المُتمادِية، ولا عن مُسبِّبيها، ولا عن سبل الخروج منها، أكثر ممَّنْ كانوا ولا يزالون ضمير هذا الوطن، عنيت بهم الذين قاتلوا من أجل إنقاذه من تآمر الخارج عليه، وانجراف بعض الداخل معه.
فهؤلاء هم حراس الذاكرة، وهؤلاء هم ضمير القضية اللبنانية، وحملة لوائها، والصامدون دفاعًا عنها فوق كلّ الساحات.
فماذا تعلّم الشهداء الراحلون، والشهداء الأحياء، ومَنْ بهم جرحٌ مفتوحٌ من آثار حرب الآخرين على أرضنا؟
تعلّموا أن ما من تضحيةٍ لا يستحقها لبنان من بنيه وبناته، ليبقى وتنتصر قضيته.
تعلّموا أن قضية لبنان هي قضية الحرية والسلام والإنسان، وأن لا معنى له خارجها.
تعلّموا أن لهذه القضية دورًا ورسالة في منطقةٍ لم تعرِفْ منذ مئات السنين الراحة، ولا إنسانها حظي بفرصة الإحساس بكرامته وبقدراته على الترقي الحضاري الخيِّر.
تعلّموا أن مسيحيي لبنان والمنطقة مُهدِّدون دومًا بالتعرُّض لحياتهم، والتعريض بشخصيتهم، والاستيلاء على أرزاقهم، وأن وجودهم في الشرق الأوسط عرضة للزوال وسط إهمال العالم كلّه وعدم مبالاته.
تعلّموا أن بلوغ لبنان مرفأ الأمان لا ولن يكون باستتباعه للسياسات الدولية والإقليمية، بحيث يُشارِك ممثلوه وممثلو المسيحيين عمدًا أو قسرًا في طعن مقاومته في القلب، بدلاً من استلهام روحها والبناء على تجلياته.
تعلّموا أن سلام لبنان يمرّ أولاً بتلاقي أهله، واعترافهم بأخطائهم، وتصالحهم، وحوارهم، وقرارهم العمل معًا تحت سقفِ دولةٍ تُمثِّل جماعاتهم الروحية والسياسية أصدق تمثيل، وتُجري بينهم سنن الحق والعدل والمساواة، بما هم مواطنون كاملو الحريات والحقوق، التي نصّ عليها دستورهم ورسم إطارها العريض ميثاقهم الوطني.
تعلّموا أن الأجيال الجديدة يجب أن تُربّى على قِيَم السلام، لا النزاع والعنف، وأن لبنان لكلّ أبنائه وبناته، يصون تعدُّديتهم، ويصونون حدوده، وأن ما من جماعةٍ فيه تعلو دولته، بل الجميع عاملون لبنائه تحت سقف قوانينها.
تعلّموا أن هذه القوانين، بما فيها الأساسية، ليست نصوصًا جامدة، بل واجبة التطوُّر بفعل تطوُّر الحياة، وأن تطويرها يقي لبنان معاثر الخلل في حكم ذاته، وفي حسن سير عدالته.
تعلّموا أن الإفادة من دروس الحرب أمرٌ حيوي لنمو المجتمع اللبناني وامتلاكه القدرة على تجاوز الوقوع في الأخطاء التي قادت إلى هذه الحرب.
تعلّموا أن التغيير في البنى المجتمعية والسياسية واجب العاملين في الشأن العام، وأن عهد السلام يتطلّب الإقبال عليه بأدوات السلام لا الحرب.
تعلّموا أن إحياء التراثات الخاصة والتراث المُشترَك في لبنان، وتجديد الارتباط بالأرض، والإدارة الجيدة للحكم، والإيمان والعمل من أجل فصل لبنان عن نزاعات المنطقة والإبقاء على التزامه بقضايا الحرية والسلام والإنسان، هي أبجدية دور لبنان ورسالته.
هذا قليلٌ من كثيرٍ يُقدِّمه المقاومون، حراس الذاكرة وضمير القضية، مادة استلهامٍ وعناصرَ تحرُّكٍ للمجتمع المدني بقواه التغييرية والحيّة.
فالدور لهم في خلاص لبنان، بعدما تهاوت الأسماء، والمقاعد، والسلطات، وبات الأمر بهذا الخلاص لهم وحدهم.
 

  • شارك الخبر