hit counter script

المواقع الرسمية التي يُهدر فيها المال العام

الثلاثاء ١٥ نيسان ٢٠١٥ - 07:24

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لا يخلو مكان في الدولة من مزاريب الهدر والفساد. وقد تبين من خلال بعض الأرقام ان خفض سرقة المال العام، أو تحسين الاداء الى مستويات مقبولة، يؤدي عمليا الى توفير ما لا يقل عن مليار دولار سنويا، بالاضافة الى المكاسب التي تتأمّن في هذا الوضع جراء ارتفاع حجم الاستثمارات.

في كل زاوية من زوايا الوزارات، حكايات فساد يتم تناقلها بين الموظفين همساً، وبصوت مرتفع أحياناً. ومجالات سرقة المال العام، أوهدره بسبب سوء الادارة، وصلت الى مستويات غير مسبوقة، رغم شح الاموال في الدولة.

ويبدو ان قانون الاثراء غير المشروع القائم والنافذ نظرياً، مُصاب بالعمى الى درجة انه منذ إقراره قبل سنوات حتى الآن، لم تتم محاكمة أي موظف وفق مندرجات هذا القانون. في المقابل، فان الموظفين «الاثرياء»، يُمكن أن يُشار اليهم بالاصبع، والكل يعرفهم ويعرف قصصهم.

في كل الاحوال، آلية رفع دعوى اثراء غير مشروع وفق القانون النافذ، حُبكت بشطارة على الطريقة اللبنانية، لكي لا يتمكن اي مواطن من رفع دعوى ضد موظف اومسؤول في الدولة. في حين، ان قوانين من هذا النوع، في بلدان ترغب حكوماتها في مكافحة الفساد فعلاً، لا تحمي من يتقدم باخبار حول اثراء غير مشروع فحسب، بل تقدم له حوافز مالية مغرية، تجعل المواطن متحمساً وصاحب مصلحة شخصية في كشف الفساد ونقله الى القضاء المختص.

في لبنان، حيث مزاريب الهدر على «مد عينك والنظر»، برزت في الفترة الأخيرة ملفات عديدة جرى التوقف عندها، وهي قد تعطي فكرة عن حجم المال المتسرّب من خزينة الدولة، الى الجيوب أو الى «البحر» بسبب الاهمال والاستهتار.

في زيارته الى «الريجي»، كشف وزير المال علي حسن خليل، ان منع تهريب التبغ، وضبط حصرية السوق، يمكن ان يوفر على الخزينة 200 مليون دولار سنويا. هذا الكلام يعني، اذا عكسناه، ان حجم الاعمال السنوي للمهربين هو 200 مليون دولار، وهو رقم كبير جدا، في ظل المعابر البرية المقفلة والمضبوطة نظريا.

فمن أين يتم التهريب؟ في السابق، كان يُقال ان حدود السلسلة الشرقية للبنان تحوي مئات معابر التهريب المعروفة، والتي يستخدمها المهربون بالتجارة غير المشروعة في الاتجاهين. اليوم، أُغلقت هذه المعابر عمليا بفعل الحرب، وبواسطة حزب الله في الجبهات الامامية. والسؤال، من اين تدخل منتجات تبغية مهرّبة بقيمة 200 مليون دولار سنويا الى البلد؟

ملف آخر، عن الفساد والاهمال، يمكن تقديمه كنموذج، يتعلق بادارة الدولة للاملاك العامة، حيث يتبين ان الدولة تملك مساحات شاسعة من العقارات المهملة غير المستغلة. في المقابل، يجري استئجار الابنية والشقق والقصور لاشغالها بالوزارات والادارات العامة، ويتم دفع حوالي 150 مليار ليرة سنويا بدل ايجارات. ولا تنتهي القضية عند هذا الحد، بل أن الأدهى ان ادارة الايجارات تتضمّن اهمالا يؤدي الى خسارة الدولة لعقود الايجارات القديمة.

وهذا ما جرى، على سبيل المثال مع وزارة الخارجية التي تشغل قصر بسترس، والتي تخوض نزاعا قضائيا مح اصحاب القصر لاسترداده بسبب التأخير في تجديد العقد ودفع بدلات الايجار. وقد كسب المدّعون، وبينهم السيد فادي خوري، صاحب فندق سان جورج، الدعوى، وبات خروج وزارة الخارجية من قصر بسترس مسألة وقت، الا اذا أدّت المفاوضات الحُبية القائمة اليوم الى تفاهم على حل القضية.

وفي هذا السياق، يمكن القول ان الدولة التي تملك آلاف الامتار المربعة في مشاريع لم تعد قائمة منذ عشرات السنين، مثل أراضي سكك الحديد، ومحطة الباصات، وسواها، دفعت في السنوات العشر الأخيرة، ما لا يقل عن 2500 مليار ليرة بدل ايجارات لمقراتها الرسمية.

وأهملت اراضيها التي يمكن تشييد مبان حكومية عليها، ليس لتوفير الايجارات فحسب، بل أيضا لتأمين مداخيل جيدة من أبنية تستطيع ان تشيدها وتؤجرها، او تؤجر قسما من الارض لشركات خاصة لكي تبني بطريقة الـBOT .

في نموذج آخر، يتم تتبعه اليوم، تبرز قضية السيارات التي تملكها الوزارات والادارات الرسمية. اذ تبين ان هناك 3200 سيارة مسجّلة باسم ادارات تابعة للدولة، وهذا العدد لا يشمل طبعا الادارات العسكرية والامنية. هذه السيارات بعضها قديم جدا.

وهناك سيارات خرجت من الخدمة وتم ايداعها المستودعات، ومع ذلك، لا تزال فواتير تصليحها على اساس انها في الخدمة تتوالى الى وزراة المالية، ويتم تسجيل مصاريف سنوية في سجلها، ولكنها غير صالحة للسير، ولا يمكن بيعها الا كخردة. وبالتالي، فان فواتير تصليحها وهمية.

كما ان فواتير تصليح وصيانة السيارات الشغّالة باهظة، وهي مُضخّمة وتحتاج الى من يضبطها، وتشبه الى حد بعيد، فواتير بعض المستشفيات التي اكتشفتها وزارة الصحة، واستردت على أساسها بعض الاموال الى الخزينة.

طبعا، هذه النماذج لا تعكس سوى جزء بسيط من الصورة القاتمة للهدر والفساد في الدولة. وقد وصلت الامور الى حد أن بعض المواقع الوظيفية الصغيرة في الدولة يتم دفع ثمن باهظ للحصول عليها، لأن من يشغلها يستطيع ان يسترد المبلغ الذي دفعه كرشوة لقاء تعيينه في هذا الموقع
او ذاك، بسرعة قياسية، ليتفرّغ بعدها الى تجميع ثروة، من المال العام.

هذا الوضع الشاذ، لن تتم معالجته، بصحوة وزير من هنا، او تمثيلية وزير من هناك. انه مشروع متكامل، يبدأ من أعلى الدرج، وحتى الان لا يوجد قرار بذلك، وسوف تبقى «التنظيفات» محصورة في أسفل الدرج، لكن الاوساخ في الأعلى باقية، وتنهمر من وقت الى آخر الى الاسفل، حيث يتلهى بعض الوزراء في تنظيفها امام عدسات الاعلام.

أنطوان فرح- الجمهورية
 

  • شارك الخبر