hit counter script

بعد قتل زوجته وابنته «راهب» الدالية وحيداً

الثلاثاء ١٥ نيسان ٢٠١٥ - 07:52

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لا يكفي شاطئ الدالية سياجاً يخنقها، ومكعبات باطونية تستبيح بيئتها الأيكولوجية الفريدة، حيث فجعت أمس بقتل فقمة الراهب المتوسطية التي كانت حاملاً بفقمة أنثى، الأمر الذي يعدّ مؤشراً خطيراً على إمكان اختفاء هذا الحيوان المهدّد بالانقراض من الشاطئ اللبناني


قبل يومين، فجع العديد من المتابعين للحياة البحرية في لبنان بخبر مقتل فقمة أنثى من نوع «فقمة الراهب المتوسطية» النادرة التي وجدت، بحسب رواية الصيادين، عائمة على سطح المياه بالقرب من شاطئ الدالية، ليتبين لاحقاً أنها تحمل جنيناً.
وتعدّ الدالية من الرؤوس الساحلية النادرة نظراً إلى ما تضمه من ثروة غنية بالأنواع النباتية والحيوانية، وهي تجاور صخرة الروشة التي تشكل مغاورها التاريخية موئلاً لفقمة الراهب المتوسطية، وهي من الثدييات البحرية المهددة بالانقراض، حيث تعيش هناك عائلة مؤلفة من ثلاث فقمات.
وتصنف فقمة الراهب المتوسطية من قبل الاتحاد العالمي لصون الطبيعية بأنها مهددة بالانقراض، ويوجد منها في البحر حوالى ٥٠٠ فقمة، بينها ٣٠٠ في اليونان والباقي موزعة في مختلف دول المتوسط.
وتقول الحملة الأهلية للحفاظ على الدالية إنه حتى عهد قريب لم يدرك سوى قلّة من الذين يرتادون الدالية أنها ملكية خاصة. ولقد ترددت الأجيال على المنطقة وانتفعت بها من دون أي اعتبار لملكية العقار أو حق إدارته. لكن، منذ صيف عام 2014، بدأت تطرأ تحوّلات سريعة عطّلت فجأةً وتيرة الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة، فطُرد منها الصيادون، وهُدمت أكشاكهم ومطاعمهم، واستحدث سياج يحد من الدخول إلى المنطقة والوصول إلى البحر، كما يحجب الرؤية. وتشير أدلّة عديدة إلى تهديد يلوح في الأفق، يتمثّل في مشروع استثماري لتطوير المنطقة على طراز فاخر، يلحقها بمشروعات أخرى مشابِهة تكاثرت في العقد الأخير على طول ساحل المدينة.
رئيسة جمعية سيدرز للعناية، عفّت أدريس، أكدت في اتصال مع «الأخبار» أن الصيادين في الدالية تلقوا اتصالاً من عمال في إحدى الورش المجاورة، يبلغونهم أنهم رأوا سمكة كبيرة جداً تعوم على سطح المياه. فسارع الصيادون، بالتعاون مع أفراد من الجمعية، الى رصد الجسم العائم ليتبيّن أنه الفقمة التي كانت على امتداد السنوات الماضية موضع اهتمام ومتابعة من جميع الصيادين، وهم يعطفون عليها ويقدمون لها الأسماك، وينظمون رحلات سياحية بقواربهم الى المغاور التي تعيش فيها طمعاً بالتقاط صورة لها.
وتضيف ادريس «قمنا بسحب الفقمة الى الشاطئ بعد ربطها بحبال ورافعة، كانت عيناها مليئتين بالدم وتنزف من فمها، فبادرنا الى الاتصال بمركز علوم البحار ووزارتي البيئة والزراعة، وطلبنا أن يقوم فريق متخصص بتشريح جثتها لمعرفة سبب الوفاة، لكن أياً من الجهات الرسمية لم يستجب لطلبنا.
عندها، اتخذ عضو الجمعية نزيه الريس قراراً بتشريحها لمعرفة سبب الوفاة، وخصوصاً إذا ما كانت قد ابتلعت جسماً غريباً، أو التهمت سمكة النفيخة السامة التي تسببت بمقتل عدد من القطط بسبب إفرازاتها السامة.
“يا ليتني لم أقم بعملية التشريح، ويا ليتني لم أخرج الفقمة الجنين النافقة من بطن أمها»، هذا ما كتبه الريس على حسابه في موقع فيسبوك. ويضيف «غداً، يقولون لنا هناك اهتمامات وطنية أهم من فقمة حامل، وأنا أقول لهم نحن المواطنين أدرى بما هو الأهم. ولو كنتم على دراية بأهمية الفقمة في لبنان لكنتم سخّرتم جميع أجهزة الدولة لحمايتها، يضيف الريس.
وبحسب رواية ادريس، فإن الخلاصة التي توصلت إليها بعد استشارة طبيب بيطري ومعاينة الفقمة بعد تشريحها، أن وفاتها كانت طبيعية ولم تقتل، وأن من المؤكد أنها عانت من نزف داخلي أدى الى موتها، وهي بطول حوالى ٢.٥ متر، أما الفقمة الجنين وهي أنثى فلم تكن مكتملة النمو وهي بطول حوالى ٤٥ سنتم. ونفت ادريس الشائعة التي تناقلتها وسائل الإعلام بأن الفقمة علقت بشباك أحد الصيادين وأنه بادر الى قتلها، مؤكدة أن جميع الصيادين على طول المرافئ المنتشرة في بيروت يحبون هذه الفقمة، وهي تشكل مصدر رزق لهم من خلال الرحلات السياحية التي يسيرونها الى المغاور حيث تقيم.
وتلفت ادريس الى أن الجماعات المتخصصة رفضت تسلّم الفقمة وجنينها لإجراء دراسات علمية عليها، عندها بادرنا الى الاتصال بمدير متحف الحياة البحرية جمال يونس، الذي سيتولى تحنيطها مع جنينها لتنضم الى قائمة الحيوانات الموجودة في المتحف.
يونس أكد في اتصال مع «الأخبار» أن الفقمة المحنطة وجنينها ستنضمان الى المتحف الذي انتقل من صور الى جعيتا وسيفتتح في ١٥ نيسان الجاري، ويضم آلاف المحنطات من الكائنات البحرية والبرية والحشرات والزواحف.
«نريدها أن تكون نموذجاً لحيوان مهدد بالانقراض يصارع من أجل البقاء في البحر المتوسط، ولعل ذلك يشكل حافزاً للأجيال من أجل الانتباه الى أهميتها وحمايتها والمحافظة عليها”، يختم يونس.
هل يمكن الجزم بأن الفقمة ماتت نتيجة عامل طبيعي؟ سألت «الأخبار» د. ميشال باريش، عالم البحار في الجامعة الأميركية في بيروت، فأجاب برسالة عبر البريد الإلكتروني يؤكد فيها أن الحديث عن موت الفقمة بشكل طبيعي لا يقارب الوقائع العلمية بالاستناد الى الصور التي نشرت لها بعد مقتلها.
ويعد باريش واحداً من أبرز الاختصاصيين في الحياة البحرية وهو أعدّ دراسة علمية لصالح جمعية «السلام الأخضر» من أجل إنشاء «شبكة المحميات البحرية المقترحة في المياه اللبنانية».
يقول باريش إنه بالاستناد الى ١١ صورة نشرت للفقمة بعد مقتلها، فإن بقع الدم الخارجة من فمها وعينيها وفتحات الأنف، ترجح أنها قد ماتت نتيجة صدمة قوية على رأسها. وإن التفسير الوحيد لحدوث ذلك أن أحد الأشخاص قام بضربها على رأسها، بعدما حاصرها بالشباك أو بأي طريقة أخرى. ويضيف باريش «وجود الجثة عائمة على سطح المياه يشير الى أن الشخص الذي قتلها قد تركها هناك بعدما تأكد من مقتلها أو تركها تنازع الموت». لا يمكن أن تكون قد ماتت نتيجة حادث طبيعي وبقيت في المياه، فهي إذا شعرت بقرب أجلها تسارع الى مغارتها لتموت هناك بسلام».
ويلفت باريش الى أن هذا النوع النادر من الثدييات البحرية يمكن أن يعيش لغاية ٥٠ عاماً، وهي اعتبرت من الحيوانات الشائعة على الشاطئ اللبناني الصخري حتى أوائل الثلاثينيات، وصنفت بأنها منقرضة في لبنان منذ أوائل الستينيات، لكن لاحقاً تم تسجيل وجودها في بيروت، كما وجدت فقمة من هذا النوع ميتة في طرابلس بعدما علقت في شباك الصيادين.
بدوره، يقول أسعد سرحال، رئيس جمعية حماية الطبيعة في لبنان، إن فقمة الراهب المتوسطية مهددة بالانقراض وموجودة فقط في البحر الأبيض المتوسط، وتوجد جماعة صغيرة بالقرب من سواحل شمال غرب أفريقيا. شوهدت عام 2014 عائلة صغيرة مكونة من بالغ ويافع مقابل صخرة الروشة في رأس بيروت في لبنان. وتعيش في السواحل الرملية أو الصخرية القريبة من الكهوف البحرية النائية والهادئة التي تلجأ إليها.
وسيصدر سرحال قريباً كتاباً بعنوان «الثدييات في منطقة الشرق الأوسط» تَشارك في تأليفه مع الكاتب البحريني سعيد الله الخزاعي يتضمن توثيقاً لأكثر من ٥٠٠ نوع من الثدييات في المنطقة.
ويصل طول فقمة الراهب المتوسطية الى 2.4 متر والوزن الى 320 كلغ. لون الجسم من الأعلى أسود لدى الذكور، وبنّي أو رمادي قاتم لدى الإناث، أما في أسفل الجسم ففاتح للإناث وقريب من الأبيض في حالة الذكور. وهي حيوانات نشطة أثناء النهار وتعيش في حالة انفرادية، هادئة في معظم الأوقات ولا تصدر الأصوات إلا مع بداية فترة التزاوج. وقد تشكل مستعمرات في المناطق النائية، إلا أنها تبقي على فرديتها. يمكنها الغوص لمسافات تصل الى 100 متر أثناء بحثها عن الطعام. وتصل إلى مرحلة النضج بعد 4 سنوات. تلجأ الفقمة الحامل إلى الكهوف التي يصعب الوصول إليها حتى تلد. ولادة الصغار تكون عادة في فصل الخريف. وتتغذى من الأسماك ورأسية الأقدام وبالذات الأخطبوط.
يؤكد سرحال أن المطلوب الآن حماية ذكر الفقمة الذي شوهد مع عائلته من قبل في الروشة، وهو حالياً يعيش حالة مضطربة لأنه يبحث عن زوجته التي تحمل طفله، آملاً أن يتمكن الذكر من العثور على شريكة جديدة وإلا فإنه سيغادر بحر بيروت نهائياً، إذا ما استطاع النجاة. وطالب السلطات المعنية بفتح تحقيق في الحادث للتأكد من سبب وفاة الفقمة وما إذا كانت بالفعل قد تعرضت للقتل.

بسام القنطار- الاخبار
 

  • شارك الخبر