hit counter script

مقالات مختارة - ناصر زيدان

الجيوبوليتيك اليمني و"عاصفة الحزم"

الخميس ١٥ نيسان ٢٠١٥ - 06:48

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الخليج الامارتية

لم يَكُن مُفاجيءً ما حصل في اليمن من تطورات عسكرية مُتسارعة، دخلت على خط الانفلات الامني والسياسي المُتفاقم في البلاد منذ بدايات العام 2011، ذلك ان الاعتبارات السياسية الموضوعية تستوجِب النظر الى اليمن من زاوية بالغة الاهمية، يتداخل فيها العامل المحلي مع العامل الاقليمي مع العامل الدولي. كما ان الصراع في اليمن له خصوصية مُعقدة، تتشارك فيه العوامل الجغرافية مع التاريخ، وتمتزِج التنوعات السكانية المُتعددة ضمن سياقٍ عربيٍ واحد، وفي اليمن ايضاً تعددية مذهبية وقبلية .
الجمهورية العربية اليمنية التي توحدت في 22 مايو/ايار 1990، بعد ان كانت دولتين – شمالية وجنوبية – عضو في الامم المتحدة، وفي الجامعة العربية، ومساحتها تصل الة 528 الف كلمتر مربع، وعدد سكانها يتجاوز ال25 مليون نسمة، وهي من افقر بلدان المنطقة على الاطلاق، وتنتشر فيها الامية على شاكلةٍ واسعة، وناتج البلاد الاجمالي لا يتجاوز ال 36 مليار دولار اميركي. ولسكان البلاد خصائص قبلية ومناطقية وتقاليد مُتجذِّرة لم تقوى على محوها السنون.
اليزيديون اليمنيون الذين يشكلون حوالي 30% من سكان اليمن، عرب مسلمون من اتباع الامام يحيى بن الحسين بن علي، ولكنهم لا يتبعون المذهب الشيعي الاثني عشري. تزعَّم عبد الملك الحوثي على مُعظم هؤلاء بدعم من الجمهورية الاسلامية الايرانية، وقاموا بمجموعة من الاعمال التمرُّدية في السنوات الماضية - منها ست حروب ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح - احتجاجاً على ما يقولون انه تهميش لمكانتهم، بعد ان كانوا مرجعية ايام دولة الإمامة، وعلى علاقة وطيدة مع جيرانهم الخليجيين – لاسيما مع المملكة العربية السعودية.
بعد خلع الرئيس السابق لليمن علي عبدالله صالح، إثر انتفاضة شعبية قامت في العام 2011، بدأ عبد الملك الحوثي يتطلَّع الى زيادة نفوذه في مناطق أُخرى من اليمن، بعد ان كان هذا النفوذ مُقتصراً على محافظة صعدة ومحيطها في الشمال. وتنامت الآلة العسكرية لميليشياته المُسماة " انصار الله " ووصل بهم الامر الى الاستيلاء على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ايلول 2014، مما خلق اجواء ارتباك كبيرة، افقدت السلطة المُنتخبة برئاسة عبد ربه محفوظ هادي كل مُقومات السيادة. وقد هاجم الحوثيون قصر الرئاسة في صنعاء في 6 فبراير/شباط 2015، وحاصروا الرئيس الذي غادر مُتخفياً الى مدينة عدن الجنوبية، واعلنها عاصمة مؤقتة للدولة.
الانفلاش الحوثي استغلَّ رغبة الرئيس السابق علي عبدالله صالح بالعودة الى الحكم، وتعاونوا معه - لأن ابنه مازال يتمتع بنفوذ واسع داخل صفوف الجيش - بهدف الإنقضاض على المبادرة الخليجية. هذه المبادرة التي انطلقت قي نوفبر/كانون الاول 2011 انتجت تسوية قضت بتنحية صالح وانتخاب هادي رئيساً، وإطلاق طاولة حوار وطني، صدر عنها وثيقة الوفاق الوطني في 25/1/2014، لم ترضي عبد الملك الحوثي، رغم مُشاركة مندوبين عنه في طاولة الحوار، ورغم تبنِّي الوثيقة لتقسيم اليمن الى ست محافظات وفقاً لرغبة الحوثي، واطلاق لامركزية ادارية واسعة تُرضيه ايضاً.
الاندفاعة الحوثية تجاوزت كل الحدود عندما حاصرت العاصمة المؤقته عدن، وضربت المقر الرئاسي هناك، والاخطر من ذلك، ان الميليشيات الحوثية وصلت الى مدينة تعز، ثالث اكبر مدن اليمن، ودخلت الى بعض احيائها في 22 مارس/آذار 2015.
محافظة تعز الجنوبية لها مكانة استراتيجية وجيوبوليتيكية مُتقدمة في الحسابات اليمنية، وفي الاعتبارات الخليجية، وعلى مستوى المصالح العربية والدولية بشكلٍ عام. فلهذه المحافظة تتبع عشرات الجُزر في البحر الاحمر، وعلى حدودها الجنوبية الغربية يقع باب المندب الذي يُعتبر من اهم الممرات المائية في العالم، وعبره تمرُّ معظم الصادرات النفطية السعودية.
في الاعتبارات الاستراتيجية، لا يمكن تسليم باب المندب لقوة مُتمرِّدة عن الارادة الخليجية، وليست على وفاق مع الدول الاساسية في المنطقة، فكيف اذا كان الامر يتعلق بسيطرة الحوثيين الذين لا يخفون علاقتهم المُميزة مع ايران. وايران لها نفوذ كبير على المعبر المائي الاستراتيجي الثاني الى الشرق - عنيت مضيق هرمز - والعلاقة بين الاطراف الخليجية – والعربية اجمالاً- وايران ليست على ما يرام، رغم حديث الطرفين عن عدم وجود نوايا عدوانية من احداهما اتجاه الآخر.
بعيداً عن الولاءات، او الاصطفافات الاقليمية، لا يمكن في حسابات المصالح الدولية تسليم مُقدرات اليمن وحماية المصالح الدولية الواسعة الى قوى تتمرَّد على الشرعية المُنتخبة، لاسيما ممر باب المندِب. كما لا يمكن التسليم بالإنفلاش المُخيف جنوب الجزيرة العربية، والذي يُبشر بصراع طويلٍ وخطير بين المنظمات الارهابية للقاعدة وبين الميليشيات الحوثية المُتمرِّدة، ناهيك عن التهديد الذي يطال مصالح الدول المجاورة لليمن، وليس اقلُّ تلك الاخطار، ما يمكن ان يُصيب المصالح العُليا لمصر من جراء الاضطراب في البحر الاحمر ومضيق باب المندب، لكون قناة السويس المصرية، تُعتبرُ " النيل الثاني " وثاني اهم مصدر للإقتصاد المصري، وبالتالي لا يمكن للقاهرة ان تتهاون مع الاحداث الجارية هناك.
عاصفة الحزم في اليمن تستند الى المكانة الجيوبوليتيكية الاستراتيجية المُتقدِمة لليمن، والتي لا يمكن التساهل، او التفريط بها.
 

  • شارك الخبر