hit counter script

مقالات مختارة - عدلي صادق

مفارقات الاعتراض على العاصفة

الأربعاء ١٥ نيسان ٢٠١٥ - 06:59

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

كأنما "عاصفة الحزم" قد أضاعت بوصلة بعضٍ أعلن شجبه لها. وبدا أن موقفهم من المشاركين في تحالفها يؤثر عميقاً في رأيهم، على اعتبار أن دول التحالف هي، أولاً وأخيراً، حليفة للولايات المتحدة، راعية الظلم والاستلاب في فلسطين. علماً أن الأمور دلّت على أن الأميركيين ليسوا متطيرين من التمدد الإيراني في المشرق العربي، وفي اليمن، خصوصاً، كانوا يضربون "القاعدة" مع الحوثيين عن قوس واحدة. وقد وفرت الولايات المتحدة، لحركة الأخيرين على الأرض، غطاءً، بعمليات قصف من طائرات بلا طيارين. وربما يمضي وقت طويل، قبل أن تنكشف أسرار التساند الأميركي الإيراني في سورية والعراق واليمن، فالأميركيون لا يعملون استراتيجياً برؤية جامدة. هم يفصلون بين سياقات المواقف اللفظية والتعبوية ووقائع السلوك على الأرض. يعطون طرفاً هامشاً واسعاً يتسع لهجاء بليغ لسياساتهم، في وقت يديرون فيه، وراء الكواليس، خطط تعاون وتنسيق مع الطرف نفسه، على قاعدة ما تبقى من مشتركات. وبالنظر إلى أن معظم الأطراف في الشرق الأوسط مأزومة؛ فإنها تقبل خطط التعاون، إن لم تكن تستجديها. فرئيس النظام السوري، الذي قررت واشنطن القطيعة شبه التامة معه؛ لا ييأس من طلب الوئام مع الأميركيين،
ويتوخى، علناً، حواراً وتعاوناً، ويذكّر بوجود مشتركات، ويشترط نظرياً أن يكون التعاون على قاعدة الاحترام المتبادل، وكأن لدى الولايات المتحدة أي احترام مسبوق، مع أي طرف في المنطقة!
إخواننا الذين شجبوا الحملة العربية على الحوثيين وأتباع صالح في اليمن مخطئون جداً بالمنطق التاريخي، وإن كان في شجبهم نقطة تتبدى وجيهة، بصيغة السؤال عن فلسطين والعربدة الصهيونية التي تستوجب مائة حملة. وهذا سؤال يتحرّج المعنيون به من الإجابة عنه، كأن يجرؤوا على القول إن حملة ضد التمادي الصهيوني في العدوان والغطرسة لا تتيحها منظومة العلاقات الدولية، ولا تمتثل لها أميركا التي امتثلت للحملة العربية على الحوثيين، وتفهمت أسباب العرب الوجودية التي ذهبت بهم إلى اليمن، لأن أميركا هذه، ومهما كانت راضية عن وجهة الحوثيين، لا تعتبرهم من عظام رقبتها، وشتّان بينهم وبين إسرائيل.
كان في اعتراض بعضهم على الحملة العربية في اليمن مفارقات كثيرة. فتسمية الحملة بـ "العاصفة" ينكأ جراح حملات بأسماء مجاورة، لاقت رفضاً شعبياً عربياً واسعاً. لكن أطرف المفارقات، قاطبةً، أن يستهجن عراقيون، مفعمون بمزاج طائفي أعمى بصائرهم، حملة العرب وتدخلهم في اليمن، بينما هم أنفسهم منغمسون في نعيمٍ وفره لهم التدخل الصليبي والعجمي. ثم إن كان هؤلاء ينتسبون إلى أكثرية طائفية على صعيد مسلمي العراق، فإن الحوثيين في اليمن اختطفوا تمثيل طائفةٍ لا يزيد تعدادها على 5% من اليمنيين، ويريدون توسيع اختطاف التمثيل والحكم، ليشمل اليمن كله واليمنيين؛ فما وجه المقارنة بين التدخلات الأجنبية التي سلمتهم بغداد، والتدخل العربي لإنقاذ صنعاء وحاضر اليمن ومستقبله والأمن الإقليمي للدول المجاورة؟
يمكن التغاضي عن أن الرئيس اليمني، وهو رأس شرعية الحكم بالتوافق؛ هو الذي أطلق صرخة الاستغاثة، بينما صدام حسين لم يطلب تدخلاً، بل أرسل استغاثات مضادة لدفع الغزو، فاستجاب له عربياً، في جعجعة بلا طحن، بعض العرب، منهم علي عبد الله صالح الذي يتأسى عليه اليوم معارضو التدخل العربي في اليمن.
هناك فصائل يسارية فلسطينية، أخذتها سليقتها النظرية إلى إدانة التدخل العربي، وهذه تعتبر نفسها ضمن نادي القوى السياسية الديمقراطية، أو المطالبة بالإصلاح الديمقراطي. لكن السليقة النظرية وقوالبها التي لا تعرف مسالك القياس الصحيح للتطورات الإقليمية، وباتت أسيرة عناوين خياراتها، من دون تمحيص تفصيلاتها؛ أخطأت عندما رأت في الحوثيين وصالح، القمعيين بشراسة، مشروعاً تقدمياً وثورياً وديمقراطياً، على النحو الذي يرى، ضمناً، في الغالبية العظمى من اليمنيين الذين يتوخون دولة عصرية، مشروعاً مضاداً.
 

  • شارك الخبر