hit counter script

مقالات مختارة - كلوفيس مقصود

القوة العربية تستوجب دبلوماسية وقائية

الثلاثاء ١٥ آذار ٢٠١٥ - 06:51

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

على وقع عملية عاصفة الحزم العسكرية في اليمن، عُقدت القمة العربية السادسة والعشرون في شرم الشيخ. ولعله من الطبيعي أن يتصدر الملف اليمني مباحثات القادة العرب فيها، لا سيما مع اقتراب الحوثيين من مدينة عدن التي كان قد لجأ إليها الرئيس عبد ربه منصور هادي. ولا بد لهذه الحملة العسكرية التي تقودها المملكة العربية السعودية، بمشاركة دول عربية أخرى، أن تؤدي إلى استعادة الحكومة اليمنية سلطتها الشرعية، وبدء حوار جدي مع الحوثيين، لطي صفحة الانقلاب.
والتأم المؤتمر مع استمرار الحروب الأهلية الضارية في سورية وليبيا والعراق، وتمدد نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية الذي تشن الحكومة العراقية، حالياً، عملية عسكرية، بهدف استعادة سيطرتها على المناطق الخاضعة له. وقد نجحت القوات العراقية والبشمركة ومتطوعو الحشد الشعبي وأبناء العشائر في تحرير عدد من المدن، على أمل أن يتم القضاء على الإرهابيين قريباً. ولا يخفى على أحد أيضاً أن "عاصفة الحزم" تأتي في ظل محادثات أميركية إيرانية حول ملف طهران النووي، يضع إطار اتفاق دولي بهذا الشأن، ويخشى بعضهم أن يكون على حساب أطراف إقليمية أخرى.
"من نافل القول إن انقلاب الحوثيين في اليمن يشكل منعطفاً خطيراً في تاريخ المنطقة العربية، لا سيما مع ما يرافقه من تدخل إيراني مباشر، يشكل عاملاً أساسياً في إضفاء الصبغة الطائفية على هذا النزاع"
لكن النزاعات التي تدور في المنطقة العربية اليوم هي، إلى حد كبير، أحد تجليات وباء الانقسام الطائفي السني الشيعي. فمن نافل القول إن انقلاب الحوثيين في اليمن يشكل منعطفاً خطيراً في تاريخ المنطقة العربية، لا سيما مع ما يرافقه من تدخل إيراني مباشر، يشكل عاملاً أساسياً في إضفاء الصبغة الطائفية على هذا النزاع. كذلك إن انتشار الأيديولوجيات المتطرفة والمنحرفة التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، يغذي الولاءات المذهبية.
ويحتم هذا الواقع المرير على القادة العرب تغيير المعادلة القائمة حالياً، وهي أن لب الصراع طائفي، ويجب اقتلاع الانقسام المذهبي من جذوره. ولا يمكن أن يتم هذا التغيير إلا بالتمسك بالهوية العربية التي تحتفي بتنوع الأديان والمذاهب والأعراق فيها، وحيث يتمتع المواطنون العرب بحقوق متساوية، عوضاً عن التعددية التي تكرس التمييز والولاءات الضيقة. فالمواطنة هي الدواء الوحيد لهذا المرض الذي يفتك بالجسم العربي.
لذا، لا بد من أن يكون الدافع وراء الحملة العسكرية العربية في اليمن هو إعادة تمكين الدولة وإرساء الشرعية، وليس لسبب كامن آخر، يتعلق بحسابات سياسية إقليمية، أو أهداف طائفية بحتة. فالحوثيون، أولاً وأخيراً، يمنيون، غير أن محاولتهم الاستئثار بالسلطة بالقوة لا يمكن قبوله بأي شكل. كما أن العملية العسكرية العراقية ضد تنظيم الدولة لا بد أن يرافقها بناء دولةٍ ترعى مصالح جميع مكوناتها، وتضمن مشاركة جميع أبنائها.
وقد شكل قرار القمة إنشاء قوة عسكرية عربية لمواجهة التهديدات الأمنية والحفاظ على الأمن والاستقرار العربي خطوة حميدة، لعلها تكون باكورة العودة إلى الهوية العربية الجامعة التي تضع نصب أعينها مصلحة المواطن، بغض النظر عن دينه أو مذهبه أو عرقه. في هذا الإطار، على جامعة الدول العربية أن تضطلع بمسؤولياتها، وأن تكون مساحة ترعى المصلحة العربية العامة، وتجنب العالم العربي الويلات التي نشهدها اليوم.
ولدرء مخاطر التشرذم، لا بد من إجراء إصلاحات داخل الجامعة، لتمكينها من لعب دور أكبر في حل النزاعات. ولعل الإصلاح يبدأ بتطوير آليات عمل الجامعة، من خلال تعزيز "الدبلوماسية الوقائية" التي تستبق اندلاع الأزمات، وتنزع فتيل الحرب. فالمطلوب من جامعة الدول العربية، اليوم، أكثر من أي وقت مضى أن تتدخل دبلوماسياً لرأب الصدع بين الأطراف العربية قبل وقوع الكارثة، وليس فقط بعده. لذا، لا بد أن يكون هناك ضمن الجامعة دائرة الإنذار المسبق للنزاعات التي تدق ناقوس الخطر، وتحذر من تفاقم النزاعات، في حال لم يتم أخذ الإجراءات اللازمة. وفي حال استنفاد جميع الحلول الدبلوماسية، لا بد أن تكون هناك آلية عسكرية تقوم بمهمات ردع للنزاعات الأهلية، أو بين الدول.
فلو تم تعزيز مثل هذه الدائرة الدبلوماسية في الجامعة سابقاً، لربما كنا جنبنا سورية الحرب الأهلية. لكن، نظراً إلى ما آلت إليه الأمور هناك من قتل ودمار، لا بد من وضع خطة عربية شاملة، تعيد بناء البنية التحتية في سورية ومؤسسات الدولة، وضمان سواسية جميع السوريين في الحقوق والواجبات.
يقف العالم العربي، اليوم، أمام مفترق طرق، الغرق التام في غياهب الطائفية والمذهبية والتفكك، أو استعادة الهوية العربية التي تعيد زرع بذور الانتماء العربي السليم، وتجمع بين جميع أطيافه ومكوناته، وتحتفي بالتنوع، عوضاً عن الوقوع في التمييز والتعددية.
 

  • شارك الخبر