hit counter script

أخبار محليّة

غريغوريوس الثالث: لنعمل على بناء ثقافة الحياة وليس آلية الموت والحرب والدمار

الأحد ١٥ آذار ٢٠١٥ - 18:55

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

وجه بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والاسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث رسالة عيد الفصح بعنوان "بشرى القيامة، بشرى الحياة"، وجاء فيها:

"بشرى نزفها إلى كل من يقرأ هذه الرسالة. بشرى نعبر عنها بتحية فصحية مقتضبة سحرية، عفوية، بهذه الآية: المسيح قام، حقا قام. إنها بشرى مشتركة بين الذي يحمل التحية ومن يجيب عليها. إنها بشرى إيمانية مفرحة. بشرى يقولها الصغير والكبير. بشرى نرددها مئات المرات يوم الفصح وفي المدة الفصحية. إنها بشرى الحياة. حاملات الطيب، النساء القديسات، اللواتي رافقن السيد المسيح في تجواله مبشرا بملكوت السماوات، ملكوت المحبة والحياة، حاملات الطيب كن أول من حمل بشرى القيامة إلى الرسل الخائفين المشككين. ولهذا تطلق عليهن عبارة رائعة: الحاملات الطيب، المعادلات الرسل.

بشرى الحياة جوهر المسيحية: هذا يعني أن لب وجوهر وأساس الإيمان المسيحي هي القيامة. وهذا يعني أن الحياة هي جوهر رسالة السيد المسيح، لأنه قال: "أتيت لكي تكون لهم (للناس) الحياة، وتكون لهم أفضل" (يوحنا 10:10). وهذا يعني أن من يؤمن بالمسيح يؤمن بالحياة. لأن بشرى القيامة هي بشرى الحياة. بشرى القيامة بعد أن حملتها حاملات الطيب، أصبحت البشرى الكبرى على شفاه الرسل، يحملونها الواحد للآخر. بطرس ومرقس، ولوقا وكلاوبا. والرسل الإثنا عشر والرسل السبعون. وامتاز بولس بأنه أصبح رسول القيامة، ومعلم القيامة الكبير. فلا تخلو رسالة من رسائله إلا ويأتي الكلام فيها عن القيامة. إنه رسول القيامة الكبير. بحيث أن القيامة في مفهوم ولاهوت بولس، هي واقع كل يوم في حياة المؤمن. فليست القيامة فقط بشرى الحياة الآتية، كما نقول في قانون الإيمان "وأترجى قيامة الموتى والحياة في الدهر الآتي"، بل القيامة حاصلة لنا على هذه الأرض، إذ إننا كما يقول بولس: "وكما أقيم المسيح من بين الأموات نسلك نحن أيضا في جدة الحياة" (رومة 4:6).

الحياة كلها عبور، ونقول إنها عابرة، والسنون عبرت بنا (مرت بنا) مرور الطير. ويسمى اليهود عبرانيين، لأنهم عبروا البحر الأحمر، وهو رمز عبور آخر: العبور إلى الحرية، إلى الكرامة، إلى الحياة الأفضل، العبور من الخطيئة إلى الفضيلة، العبور من الشر إلى الخير، العبور من الباطل إلى الحق. كل حياتنا هدفها الحياة والقيامة. نسعى لكي نتخلص من عوامل الموت. الطب، الاختراعات، كلها غايتها الحياة! بولس ينشد الغلبة على الموت: أين غلبتك يا موت (كورنثوس 15:1-55).

ويوحنا فم الذهب يردد هذه الآيات في عظة يوم الفصح والقيامة قائلا: "أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا جحيم؟ قام المسيح وأنت صرعت! قام المسيح والحياة انتظمت"، ولهذا فالعيد الكبير له اسمان وعبارتان: هو عيد القيامة، وهو عيد الفصح. وهو عيد الحياة. ولا يجوز أن نفصل العبارتين: فالفصح هو عبور ويعني الحركة التي بين هنا وهناك، بين حياة الدنيا وحياة الآخرة. وإلى هذا يشير قانون الفصح: "اليوم يوم القيامة، لأن المسيح إلهنا قد أجازنا من الموت إلى الحياة ومن الأرض إلى السماء نحن المرنمين نشيد الانتصار" (قانون الفصح الأودية الأولى). بأسف، الإنسان يخترع آلات الحرب والموت والدمار. الإنسان يدمر ما بناه الله. يدمر الحياة.

يسوع هو القيامة والحياة: يسوع يؤكد: "أنا القيامة والحياة" (يوحنا 25:11). ويؤكد "أنه خبز الحياة" (يوحنا 35:6). ويقول: "من يتبعني يكون له نور الحياة" (يوحنا 12:8). ويؤكد: "أنا الطريق والحق والحياة" (يوحنا 6:14). ويتكلم يوحنا الإنجيلي عن المسيح الحياة بهذه الآيات: "الحياة ظهرت وقد رأيناها" (1 يوحنا 2:1). "من له الابن فله الحياة" (1يوحنا 12:5). "أنتم ترونني لأني حي وأنتم ستحيون" (يوحنا 19:14). "بذل ذاته من أجل حياة العالم" (يوحنا 51:6). وفي رسالته الأولى يقول يوحنا الرسول: "إنتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الأخوة" (1 يوحنا 14:3). أما بولس فيتكلم عن علاقته بالسيد المسيح بهذه العبارات شارحا عمق هذه العلاقة بالمسيح الحياة: "الحياة لي هي المسيح" (فيليبي 21:1). "الحياة التي في يسوع المسيح" (2 تيموثاوس 1:1). "ما أحياه الآن إنما أحياه في الإيمان بابن الله الذي أحبني وبذل نفسه عني" (غلاطية 20:2).

نحن قياميون، نحن أبناء الحياة: التجسد قيامة وحياة. رسالة الإنسان: الحفاظ على الحياة. نحن قياميون. وكل إنسان قيامي. أعني أنه ابن الحياة وابن القيامة وحامل الحياة إلى الآخرين. ولقبنا في التاريخ المسيحي القديم هو: "أبناء القيامة" يعني أبناء الحياة، وحاملو حضارة القيامة والحياة.

عملنا الرعوي قيامة وحياة: التربية الجيدة هي عمل قيامة وحياة. الأعمال الخيرية قيامة وحياة. المؤسسات الخيرية قيامة وحياة. مؤسساتنا الكنسية على اختلافها، قيامة وحياة. المساعدات في الأزمة قيامة وحياة (يموت الأمل في قلب الإنسان، نحن ننعشه). عبارة غرفة الإنعاش: إعادة الحياة إلى الإنسان. الإنعاش الليترجي، أعني إحياء الليترجيا. المصالحة عمل قيامة وحياة: تعيد وتحيي الثقة والصداقة. التعزية عمل قيامة، تنعش الأمل في القلوب. تحييها. البسمة قيامة وحياة. سلام حار محب قيامة وحياة. أن تسلم على إنسان لا تعرفه، بمحبة، قيامة وحياة. الأمل هو فصل من فصول القيامة والحياة. أحداث القيامة نرويها على مدى 11 أسبوعا في سحر الآحا، وكلها فصول حياة جديدة. لذلك طقسنا الشرقي هو طقس القيامة والحياة. لهذا، كل أسبوع ينتهي بالاحتفال بالقيامة (صعودا) ويبدأ بالقيامة (نزولا). بحيث أن الأسبوع كله في حركة القيامة والحياة. وآخر المطاف في قانون الإيمان المسيحي هو: "أترجى قيامة الموتى والحياة في الدهر الآتي". نولد لنموت. ونموت لنحيا. الموت ليس مرحلة. بل هو لحظة الانتقال من حياة إلى حياة.

جسد الإنسان في خدمة الحياة: أعضاء الجسد هي أسلحة بر وحياة، وليس أسلحة شر وفساد. كما يقول بولس الرسول في رسالته إلى الرومانيين: "فلا تملك الخطيئة إذن بعد في جسدكم المائت، بحيث تخضعون لشهواته. لا تجعلوا أعضاءكم أسلحة إثم للخطيئة. بل اجعلوا أنفسكم لله، كأحياء غادروا الحياة، وأعضاءكم أسلحة بر لله" (رومانيون 12:6-13). ماذا نرى اليوم؟ الإنسان يستعمل أعضاءه، يديه، رجليه، عينيه، فكره، مخيلته، عبقريته، إختراعاته، ليقتل ويخترع آلات القتل والدمار والترويع والموت. الإنسان يدمر ما بناه الله. لا أريد أن أطبق ذلك فقط مثلا على الأعمال الإجرامية التي نراها في وسائل الإعلام في هذه الأيام، وفي السنوات الأخيرة في بلادنا من قبل الحروب والحركات الجهادية والتكفيرية الداعشية، بل أطبقها أيضا على التربية في البيت والمدرسة والشارع والمهنة. وهذا يعني أن على الأهل مسؤولية كبيرة أن يربوا الأطفال على أهمية التعامل مع أعضاء الجسد، مع اليدين والرجلين والنظر والسمع والشم والقلب والمخيلة والفكر وسائر أعضاء الجسد ووظائفه، بحيث تكون آلات محبة وعطف ومساعدة وشكر وتضامن وخدمة وعطاء وحياة. من الملفت الجميل أن صلواتنا الطقسية كثيرا ما تشير إلى تربية الحواس، وإلى الترشيد والتوجيه لجهة استعمالها وتنقيتها وحسن استعمالها، بحيث تكون أدوات للحياة وليس أدوات للموت. من ذلك صلاة نتلوها في قداس الأقداس السابق تقديسها، ذكرتها في رسالة الصوم. ويمكن أن تكون درسا تربويا إجتماعيا رائعا، وموضوع نصائح الآباء والأمهات لأولادهم لكي يستعملوا أعضاء جسدهم وحواسهم، لأجل الخير والبنيان والحياة.

هكذا نجد لكل حاسة إرشادا: للعين، لتبتعد عيوننا عن كل نظر شرير. السمع، لا تطرق مسامعنا الأقوال البطالة. اللسان: ولتتنزه ألسنتنا عن الأقوال غير اللائقة. الشفاه: نق شفاهنا التي تسبحك. اليدان: إجعل يدينا تمتنع عن الأفعال القبيحة. ولا تفعل إلا ما يرضيك. الأعضاء: وحصن بنعمتك كل أعضائنا وأذهاننا.

أمام ما نراه من مشاهد الموت والعنف والإرهاب والقتل والذبح وقطع الرؤوس وإحراق الأجساد وتقطيع الأعضاء، لنجدد إيماننا بالحياة، وبالمسيح غالب الموت ومانح الحياة والداعي إيانا لنكون أبناء القيامة والحياة، وحاملي بشرى الحياة، والعاملين لأجل انتصار الحياة على الموت، والمحبة على البغض والكراهية، والغفران والمصالحة على الحقد والثأر.

حاملو بشرى القيامة والحياة: اليوم وأمام تصاعد فداحة الأزمة والمأساة ومعاناة الناس، كل الناس، نحن بحاجة إلى أناس يحملون إلينا بشائر الفرح بقيامة المسيح، على مثال النسوة حاملات الطيب، وبطرس ولوقا وكلاوبا ومصف الرسل جميعا، وهم يهتفون داخل العلية، والأبواب المغلقة، وفي يأسهم، وفقدان أملهم ورجائهم بهذا المعلم الأكبر الذي أكد لهم ليلة آلامه أنه سيتألم كثيرا، ولكنه سيقوم من بين الأموات. وها هو اليوم الثالث، ولم يروه حتى الآن. ها هم الآن يهتفون بأعلى صوتهم: لقد قام الرب وظهر لسمعان بطرس. وكل واحد يخبر رفيقه بأحداث القيامة وظهورات المعلم الإلهي في أماكن شتى. وإذا بالسيد المسيح القائم من الموت هو نفسه يظهر لهم، ويدخل عليهم والأبواب مغلقة من الخوف والترقب واليأس. ويهتف بهم بفرح: السلام لكم، هلموا مسوني، ألمسوا جراحي، أنا هو لا تخافوا.

ويظهر لهم في القدس وفي عمواص وعلى جبل الزيتون وعلى ضفاف بحيرة طبريا وفي الحقل. تعبر الكنيسة عن فرحتها بالحياة الجديدة من خلال أناشيدها القيامية الفصحية التي تفيض بالبهجة. وهذا ما نلاحظه على وجوه المؤمنين، وهم يرنمون مع الجوق بأجمل أناشيد القيامة البهيجة، التي دبجها قلم وقلب وفكر الملهم القديس يوحنا الدمشقي إبن وزير الأمويين سرجون، الراهب المتنسك في براري فلسطين في دير القديس سابا قرب القدس.

القيامة بشرى الحياة لجميع المواطنين: أجل نحن بحاجة إلى هذه الدعوات إلى الفرح، وقد دخلنا العام الخامس من درب صليب جلجلة آلامنا كلنا. ونحتاج أن نفرح معا، ونعيد معا، وننشد ونشجع الواحد الآخر، ونتسامر وندخل الفرح الواحد إلى قلب الآخر، ونزور بعضنا بعضا، ونتضامن، ونساعد بعضنا بعضا، ونرقص ونغني، وننشد أناشيد القيامة في بيوتنا، وفي اجتماعاتنا ولقاءاتنا، وفي الأخويات، ومختلف النشاطات الرعوية، ولقاءات الشباب وفرق الكشاف والمراسم. إلى هذا الفرح أدعو جميع المؤمنين في رعايانا في كل مكان، في سورية، والعراق وفلسطين ولبنان ومصر. وليعط المسيحيون في عيد الفصح والقيامة المجيدة مثالا للفرح، ولتصل عدوى فرحهم بقيامة السيد المسيح إلى جيرانهم المواطنين الآخرين. وهكذا يشترك أبناؤنا وجميع مواطني مشرقنا بفرحة القيامة لدى الطوائف المسيحية مهما كان حسابها شرقيا أو غربيا، الحساب اليولي أو الغريغوري.

إنها لعمري رسالة جميلة أن نكون نحن المسيحيين حاملي بشرى القيامة والحياة والأمل والرجاء والبهجة إلى قلوب الجميع. وليكن عيد القيامة لهذا العام، الخامس من الحرب والمعاناة، حقا عيد بهجة لجميع أبناء وبنات مشرقنا المعذب. إن الفرح والبهجة والأمل والرجاء والتفاؤل والغناء وإقامة الحفلات والاجتماعات العائلية ولقاءات الأصدقاء والمعارف والجيران، ولاسيما المحزونين بفقد عزيز شهيد أو مفقود، هذا حقا ما نحتاج إليه اليوم، لكي نجابه ما نحن فيه من معاناة مأساوية. وقد أمضينا أربعين بل خمسين يوما في الصوم والصلاة، لكي يبعد الله عن بلادنا المشرقية كلها، ولاسيما عن سورية والعراق، هذا الجنس الشرير الذي لا يخرج إلا بالصوم والصلاة. الرب هو الله وقد ظهر لنا. أقيموا عيدا، وهلموا نستقبل المسيح القائم من بين الأموات بفرح، وندعوه مثل تلميذي عمواص، ليقيم في بيوتنا ومنازلنا وحاراتنا وقلوبنا ومؤسساتنا، قائلين مثلهما: "هلم، أقم عندنا، فقد مال النهار وقرب المساء، تعال بيننا، أقم عندنا، وخذ من قلوبنا لك مسكنا.

وكم تكون سعادتنا عندما يكون يسوع القائم من بين الأموات، يشاركنا طعام العيد ويجلس معنا وحيا على مائدة أسرنا، ويكسر الخبز معنا ويبعث في قلوبنا بهجة وفرح محبته. وإذ ذاك نحن أيضا تمتلئ قلوبنا فرحا وتعزية. ونشعر أن يسوع كان يرافقنا ونحن سائرون على دروب المأساة على مدى هذه السنوات الأربعة، ونحن لم نكن ندر أنه كان رفيق دربنا، وهو الذي حمانا بالرغم من القذائف والهاون. ونحن على مثال تلميذي عمواص لوقا وكلاوبا، نصبح بدورنا حاملين بشرى الفرح، ونخبر الآخرين بخبرتنا الروحية الإيمانية. إننا نشعر حقا بفرح القيامة، وأن يسوع رافقنا في هذه الأزمة. ومن مخاطر كثيرة حمانا.

الشهداء أبناء القيامة والحياة: لقد سقط كثيرون من رعايانا ومن جميع المواطنين، شهداء وضحايا الحرب الغاشمة. ونذكر هنا بنوع خاص ثلاث مجموعات هزت مشاعرنا، وحطت كثيرا من عزيمتنا، وبعثت الرعب في قلوبنا، وحملت الكثيرين على الهجرة بسبب الخوف وانعدام الأمان والاستقرار. وهي طرد وتهجير إخوتنا في الموصل وسهل نينوى، وذبح الواحد والعشرين قبطيا مسيحيا من أبناء مصر، وأخيرا تهجير وقتل وخطف عدد كبير من إخوتنا الأشوريين، أبناء وبنات ثلاث وثلاثين قرية على ضفاف نهر الخابور في شمالي سورية. نقدم تعازينا القلبية لجميع المحزونين. سنبقى متكلين على الرب المخلص المسيح القائم من بين الأموات وغالب الموت. ولا ننسى كما قلت آنفا أننا أبناء القيامة. ولا ننسى أن دمشق بالذات وضاحيتها، هي مكان ظهور المسيح القائم من الأموات لشاول المضطهد القادم إلى دمشق ليدمر الكنيسة المسيحية الدمشقية الأولى. وها هو وهو سائر على طريق دمشق للقتل والذبح والخطف والأسر. ها هو يرى المسيح القائم من بين الأموات يظهر له ويقول له: شاول شاول، لماذا تضطهدني؟ ويتابع طريقه إلى دمشق حملا وديعا. وفيها يرى نور الإيمان بالمعمودية المقدسة عن يد حنانيا أول أسقف على دمشق. وفي دمشق يصبح بولس حامل بشرى القيامة. ويذهب إلى محافظة درعا (إلى مسمية) وهناك يبشر بالمسيح القائم من بين الأموات. ومن الشرق يذهب إلى العالم يبشر بالقيامة والحياة التي في المسيح يسوع.

نداء القيامة والحياة: من دمشق، وفي عيد القيامة والفصح المجيد، عيد العبور من الموت إلى الحياة، ومن العبودية إلى الحرية، ومن الذل إلى الكرامة، ومن الحرب إلى السلام نطلق مع كل مؤمني كنائسنا المقدسة ورعايانا، نطلق صرخة النصر والحياة: المسيح قام.

من سورية المتألمة، من العراق، من لبنان، من فلسطين، ومن مشرقنا، لاسيما من القدس مدينة القيامة، نوجه نداء إلى العالم أجمع.

وبدل الانضمام إلى المنظمات التكفيرية والجهادية وسواها من منظمات الإرهاب والقتل والشنق والحرق والذبح، نقول: إنضموا إلى المليار ونصف مسيحي يعيدون عيد القيامة، عيد الحياة، عيد المحبة، عيد التضامن، عيد الغفران والمصالحة، عيد الفرح والأخوة الشاملة.

ونوجه النداء بنوع خاص إلى المنضوين تحت رايات هذه التنظيمات، ونناشدهم أن ينضموا إلينا نحن أبناء القيامة والحياة. وقول لهم: إننا نحب أن نشرككم في فرحة العيد، إننا نحبكم. ومع نشيد الكنيسة نتنادى كلنا ونقول: اليوم يوم القيامة، وليصافح بعضنا بعضا. ولنقل يا إخوة: لنصفح لمبغضينا عن كل شيء في القيامة، ولنهتف: المسيح قام.

الدعوة إلى المصافحة هي دعوة إلى المصالحة، التي ما زلنا ندعو إليها منذ الشهر الأولى من الأزمة في سورية. واليوم نجدد الدعوة إلى المصافحة والمصالحة، ونوجهها إلى جميع أبناء سورية وكل أطياف المعارضة أينما كانوا ومن كانوا، كلهم أبناء سورية. وإننا نفرح لتلك اللقاءات التي تمت في روسيا وسواها، والتي تهدف إلى تقريب وجهات النظر، لأجل الوصول إلى الحل السلمي المنشود لهذه الأزمة المأساوية، التي نحن كلنا ضحيتها. نحن في كل كنائسنا أياد ضارعة لأجل تحقيق هذا الهدف. ونقول للجميع بلغة القرآن الكريم: "تعالوا إلى كلمة سواء". وإن شاء الله يأتي نهار المصالحة والمصافحة. وإذ ذاك يكون العيد الكبير لسورية كلها، عيد القيامة والحياة. كم تكون فرحة العيد الكبير كبيرة، عندما تدخل هذه الفرحة إلى قلوب العدد الأكبر من سكان هذا العالم المليء بالحروب والنزاعات "الإنسانية" التي تتلون بلون الدين، وتلبس عمامة أو قلنسوة، وترفع رمزا أو علما بهذه أو تلك من الشعارات، ولكنها في آخر المطاف وباختصار، حروب الناس على الناس. وأقول للجميع في الشرق والغرب: أبعدوا فكرة الصراع الديني بالنسبة لأوضاع بلادنا، حتى داعش لا علاقة لها بالدين لا من قريب ولا من بعيد (حسب رأيي)، بل هي أداة تظهر للعيان وبغباء ووقاحة أنها دينية. وفي الواقع إنها تبرز الإسلام بهذه الطريقة الشنيعة، رئاء وكذبا.

والصراع السني الشيعي الذي يعتبر وكأنه العنصر الأكبر في الصراع في سورية، هو أيضا أصبح سلعة وتغطية لهذه الحروب بالوكالة في منطقتنا وعلى حساب مواطنيها جميعهم. وهذا يصب في ما قاله قداسة البابا فرنسيس في رسالة يوم السلام العالمي، وفي الرسالة عن الصوم، حيث يحذر قداسته بأن يصبح الإنسان سلعة. وهكذا يمكنني أن أجزم بأسف كبير بأن الدين أصبح سلعة والإنسان سلعة. والصراع الديني السني والشيعي أصبح سلعة. وقتل الأبرياء أصبح سلعة ومطية. وقتل المسيحيين أصبح سلعة. والأزمة السورية والحرب العالمية على سورية هي سلعة. والمستفيدون من هذه المأساة، مأساة عالمنا العربي ومجتمعاتنا، هم كثيرون، ومن صفوفنا، وهم عالميون ومحليون وإقليميون، يقومون بهذه الحرب على الإنسان، وعلينا جميعا.

حتى قتل المسيحيين وتهجيرهم من قراهم وأملاكهم ومقدساتهم هو أيضا سلعة السلع لأجل أهداف لا أعرف أن أحددها. قتل الأطفال وأولادنا المسيحيين هو أيضا سلعة ومطية لأسباب أخرى. الحرب على سورية هي أيضا سلعة. ويشتريها كل إنسان. كل مواطن بطريقة أو أخرى. ومنهم من يطيلها لكي يستفيد ما أمكن الإفادة منها. ونتساءل: هل دخلت داعش إلى إيديولوجية إنسان اليوم؟ وكم تكون فرحتنا كبيرة بالعيد الكبير أن تدخل فرحة العيد إلى قلوب جميع المحاربين في سورية، لكي يرموا السلاح، ونسير معا مسيرة النور والقيامة والحياة. كن رسول القيامة والحياة. أنت رسول: إذا كنت تؤمن بالقيامة، بالحياة، تبشر بالقيامة، بالحياة. أن نكون عاملي حياة وتقدم وازدهار، وأن نعمل على بناء ثقافة الحياة، وليس آلية الموت والحرب والدمار. هذا هو معنى الحياة. وهذا هو جمالها.

وفي الختام نقدم التهاني القلبية إلى جميع من يقرأ هذه الرسالة، ولاسيما جميع إخوتنا المطارنة الموقرين الأحباء، وإلى الرهبان والراهبات والمكرسين والمكرسات والشمامسة، وجميع العلمانيين المشاركين في العمل الرعوي وفي نشاطات كنائسنا ورعايانا. إنهم حقا خدام القيامة وخدام الحياة. وهم يحققون قول السيد المسيح: "إنما أتيت لكي تكون لهم الحياة وتكون لهم بوفرة" (يوحنا 10:10). المسيح قام، حقا قام".
 

  • شارك الخبر