hit counter script

أخبار محليّة

الراعي: الحوار الحقيقي لا يحتاج إلى وساطة ووسيط بل يحصل بالمواجهة الشخصية

السبت ١٥ آذار ٢٠١٥ - 18:46

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداسا احتفاليا لمناسبة المئوية الخامسة لولادة القديسة تريزا الافيلية، على مذبح الكنيسة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه الرئيس الاقليمي للاباء الكرملين الاب مخول فرحا والاباء: عبود عبود، ايلي برمو، وريمون عبدو، بمشاركة لفيف من المطارنة والرؤساء العامين والرئيسات العامات والرهبان والراهبات، وحضر القداس النائب هادي حبيش، الوزير السابق فوزي حبيش، سفيرة اسبانيا وحشود من الفاعليات والمؤمنين.

في بداية القداس، ألقى الأب فرحا كلمة قال فيها: "عشية دخول الكنيسة في اسبوع الالام، سيدخل غدا سيدنا يسوع المسيح الى اورشليم، على اصوات "التهليل والهوشعنا، للاتي باسم الرب"، وفي هذا اليوم المبارك ايضا، تحتفل الرهبانية الكرملية في العالم، بعيد المئوية الخامسة لولادة القديسة تريزا ليسوع الأفيلية".

أضاف: "ان القديسة تريزا ليسوع هي امرأة افيلية، كرملية، صوفية، وانسانية، وهي تأملية وعملية، وكاتبة عصامية، وقديسة ومعلمة وأم روحية منفتحة على الصداقة وعلى الشراكة مع الاخرين. تألت تريزا كثيرا في معنى حياتها والريشة في يدها، في ايام الصراعات والمعاكسات والازمات. لكن من دون ان تحيد عن وجهتها الوحيدة، المتماهية مع دعوتها الرهبانية: انها لمنة عظيمة ان تكون راهبة. ولكن ليس من دون علم ولا حياة صالحة". ولم تدرك معنى وجودها الا في مرحلة نضوجها، وجعلته متماهيا مع اختبارها الصوفي ورسالتها النبوية".

وختم "لندع كلمة الله فينا جميعا، ونحن نحتفل في ذبيحة الشكر هذه، كما فعلها بواسطة الروح القدس، في نفس تريزا ليسوع الافيلية، وقدمت لنا اختبارها الروحي للصلاة والتأمل في كتاباتها، كذخيرة حية لكل نفس تفتش عن اللقاء بالله، مصدر كل خير، لمن يحيا معه ولاجله. والله وحده يكفي".

وألقى الراعي عظة بعنوان "الماء الذي أعطيه أنا، يصير فيه عين ماء يتفجر حياة أبدية" (يو4: 14)، استهلها بالقول: "الرب يسوع على بئر يعقوب عطشان جسديا إلى ماء، ولكنه عطشان روحيا ليروي ظمأ المرأة السامرية والسامريين بمائه الإلهي الذي من يشرب منه، يصير فيه عين ماء يتفجر حياة أبدية" (يو4: 14). القديسة تريزا ليسوع الأفيلية شربت من هذا الماء الإلهي فتفجر فيها معينا روت منه رهبانيتها الكرملية بالإصلاح الرهباني الكبير، وروت بالروحانية أبناء الكنيسة وبناتها ومؤسساتها، على مدى خمسماية سنة، وما زالت. فكانت كوكبة من القديسين والقديسات الكرمليين".

أضاف "يسعدنا أن نحتفل، مع الأسرة الكرملية، بهذه الليتورجيا الإلهية، احتفاء باليوبيل المئوي الخامس لميلاد القديسة تريزا الأفيلية في 28 أذار 1515. بعد الاستعداد الروحي له في الأديار، الرجالية والنسائية، لمدة خمس سنوات، من سنة 2009 إلى 2015. فغرفتم، أيها الكرمليون والكرمليات، الروحانية من كتابات القديسة تريزا، سنة بعد سنة. وكانت الغاية من التحضير، على المستوى الشخصي والجماعي، تجديد الاتصال بينكم وبين أمكم القديسة تريزا، قبل أن تكون تنظيم احتفالات ليتورجية وثقافية ومبادرات روحية وراعوية، كما كتب رئيسكم العام في حينه".

وتابع "فإننا نهنئكم بهذا اليوبيل وبالثمار الروحية التي أفيضت عليكم، رهبانا وراهبات وكرمليين علمانيين، وعلى الكنيسة. ونحيي كل الجماعات في أدياركم ومؤسساتكم، وبخاصة في لبنان وسوريا ومصر. ونحمل في صلاتنا الراهبات الكرمليات التأمليات المحصنات في كل من دير كرمل والدة الإله والوحدة في حريصا، ودير كرمل والدة الإله والقديس يوسف في كفرمسحون، ودير جبل الكرمل في الأراضي المقدسة، ودير كرمل سيدة سوريا في حلب. إن الكنيسة في هذا المشرق تتكل على صلاتكم وشهادة حياتكم، وبالأخص على صلاة المتوحدات وإماتاتهن وتقشفاتهن في الأديار".

وأردف "أعطيني لأشرب"(يو4: 7). بهذا الطلب بدأ الرب يسوع حواره المحيي مع السامرية. فهو العطشان يلتمس ماء منها ليشرب، وهي ترفض لأن الشريعة والعادات تمنع التخالط بين اليهود والسامريين. هذا هو "الحرف الذي يقتل". أما يسوع فتخطى الرفض وتفهم المرأة، لكنه عرض عليها بالمقابل "الماء الذي إذا شرب منه أحد لن يعطش ثانية"(يو4: 13). وفي الواقع شربت منه وراحت تخبر أهل السامرة عن هذا "النبي" الذي يعرف كل مجرى حياتها المنحرفة، وهي "العطشانة" إلى الماء الإلهي ليغسلها من خطاياها، ويروي عقلها وقلبها. وبفضل شهادتها آمن بالمسيح الكثيرون من أهل السامرة".

واعتبر أن "هذا هو الحوار الحقيقي مع المسيح على المستوى الروحي، وبين الناس على المستوى الاجتماعي. إنه حوار من دون أفكار مسبقة، ومن دون التمسك برأي أو رؤية، مع الاستعداد لقبول الرفض والمعاكسة وإيجاد مخرج آخر أفضل. والحوار الحقيقي هو الذي لا يحتاج إلى وساطة ووسيط، بل يحصل بالمواجهة الشخصية واللقاء والاتصال وجها لوجه، ما يدل على حرية الإرادة والعقل والقلب. الحوار الحقيقي ينبع من الحب في القلب، الذي يرغب في الوصول إلى الحقيقة التي تجمع".

ورأى أن "القديسة تريزا دافيلا دخلت في مثل هذا الحوار الشخصي العميق الصافي بينها وبين المسيح، عبر الصلاة والتأمل النابعين من قلب يحب. وهي القائلة: لا تقوم الصلاة على كثرة التفكير، بل على وفرة الحب" (كتاب المنازل 4، 1، 7). "والصلاة نهل من الله وسكب على النفوس" (كتاب الأعمال الكاملة). وتعلمنا أن الحوار مع المسيح يبدأ بمبادرة منه، وهو يحييه ويوجهه، كما فعل مع المرأة السامرية، لكنه ينتظر منا فقط نظرة إليه (كتاب طريق الكمال، 25، 3). وكأننا بهذه النظرة نقول له بدورنا: "أعطني لأشرب" (يو4: 7). في كل ظرف صعب أو في أي حيرة وتردد، إذا نظرنا إلى يسوع، إذا قلنا له "أعطني لأشرب"، وجدناه حاضرا، لأنه لهذه الغاية أتى إلى العالم. فهو ليس بعيدا عن كل واحد وواحدة منا. وتقول قديستنا "إنه جالس على عرش قلوبنا، وهو عرش كثير الثمن" (كتاب طريق الكمال، 28، 9)".

ودعا الحضور "فلنتذكر تريزا عندما فقدت أمها، وهي في الثالثة عشرة من عمرها، وأحست بالضياع، كيف لجأت إلى السيدة العذراء ووقفت أمام تمثالها تصلي بدموع حارة، طالبة أن تكون هي أمها. ولنتذكرها عندما مرضت، بعد أن فقدت أعمال التقوى، كيف أنها رجعت تطالع الكتب الروحية، فنمت في قلبها رغبات قوية في القداسة والتكرس لله، ودخلت دير التجسد للراهبات الكرمليات بعمر عشرين سنة. وكان حوار المسيح معها لم ينته. وفي الواقع لن ينتهي مع أحد. وتتوالى الظروف من أجل هذه الغاية. تمرض تريزا من جديد مرضا خطيرا، ما اضطرها للخروج من دير التجسد للمعالجة. فعادت تتعمق في الشؤون الروحية، وتعلمت ممارسة التأمل الذي أفهمها ما يحدث في داخلها من رغبات وصراعات. فكان مرضها مناسبة لتبدأ مسيرة ارتداد روحي سيقودها إلى قمة الاختبار الصوفي".

وقال: "في مرحلة ثالثة حاسمة، بعد عشر سنوات متأرجحة بين الحرارة والفتور حدث التحول الجذري في حياتها، عندما وقفت بكل وجدانها أمام تمثال المسيح المصلوب المثخن جراحا، وهي بعمر تسع وثلاثين سنة. حصلت يومها من المسيح على نعمة الأمانة الكاملة له، وقرار عدم الإساءة إليه أبدا. عاشت تريزا في تلك المرحلة غمرة من الاختبارات الروحية السرية والصوفية، جعلتها تشعر أن الله يقود حياتها حقا ويجددها، وأنه حاضر في حياتها بشكل لا يقبل الشك".

أضاف "الماء الذي أعطيه إياه يصير فيه عين ماء يتفجر حياة أبدية" (يو4: 14) هذا الماء هو روح المسيح لحياتنا الأبدية، الروح القدس الذي يروي طبيعتنا البشرية الضعيفة (فم الذهب وكيرلس الاسكندري). ماء المسيح هو الإنجيل، قدرة الله الفاعلة، والذي فيه كلام الحياة يغذي العقول والقلوب، ويحرر الإرادات، وينقي الضمائر. وهو الكلمة الذي صار جسدا وذبيحة فداء ووليمة إلهية للنفوس".

وتابع "المرأة السامرية ارتوت من هذا الماء فتفجر فيها معين ماء. "تركت جرتها عند البئر"، ومضت إلى المدينة تحمل نعمة لا ماء. تلك التي أتت إلى البئر خاطئة، عادت إلى المدينة مبشرة. تركت جرتها ومضت حاملة ملء المسيح. عادت إلى المدينة من غير ماء، لكنها عادت بنبع الخلاص. في الواقع عندما نادت المرأة أهل السامرة: "هلموا انظروا رجلا قال لي كل ما فعلت! فلعله المسيح! خرجوا من المدينة وأقبلوا إليه... فآمن به عدد كبير جدا من السامريين...وطلبوا إليه أن يقيم معهم. فأقام هناك يومين"(يو 4: 29 و39و40-41). هكذا كسر يسوع الحاجز الذي كان قد أقيم بين اليهود والسامريين، والذي كان في الأساس سبب رفض المرأة إعطاء يسوع ليشرب. وهو يدعونا لنكسر بدورنا كل الحواجز العائلية والاجتماعية والسياسية التي نقيمها نحن، أو نرثها من غيرنا، لكي نكون مسيحيين حقا".

وأردف "والقديسة تريزا دافيلا عندما شربت من ماء المسيح، تفجر فيها معين ماء ارتوى منه الكثيرون. فحملت راية الإصلاح الكرملي سنة 1562، واشتهرت بأنها "معلمة الصلاة والتأمل، وأم الروحانيين"، وأصبحت المؤسسة للأديار، والملهمة لنوع جديد من الحياة الرهبانية، رجالا ونساء، والكاتبة الكبيرة، حتى أعلنها الطوباوي البابا بولس السادس "معلمة الكنيسة"، سنة 1970. أجل لقد روت منذ خمسماية سنة وما زالت تروي الأجيال الرهبانية والمسيحية بكتاباتها الصوفية كتبا روحانية رفيعة للغاية، ضمنتها اختباراتها الروحية العميقة مع المسيح، وتقارير ورسائل وأشعارا، نقلت كلها إلى اللغة العربية ونشرت في مجلد واحد بعنوان "القديسة تريزا الأفيلية: الأعمال الكاملة" بفضل رهبانية الآباء الكرمليين في لبنان، مشكورين".

وختم "هذه كلها مدرسة القديسة تريزا دافيلا، "معلمة الكنيسة" و"ابنة الكنيسة". وهذا هو معين الماء الحي الذي جرى من عمق قلبها وفكرها، بفضل ارتوائها من كلام الله، وتناولها جسد المسيح ودمه، وامتلائها من الروح القدس، وانخطافها الروحي في الصلاة والتأمل، واختباراتها الصوفية السامية. إننا ننظر إليها كمرآة تعكس وجه النفوس النقية والمنقاة بنور وجه المسيح، لكي نحن بدورنا، نسلك الطريق الملوكي الذي شقته لنا ومشته قبلنا، لمجد وتسبيح الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".
 

  • شارك الخبر