hit counter script

مقالات مختارة - الدكتور نسيم الخوري

سؤآل يقرع الأبواب

السبت ١٥ آذار ٢٠١٥ - 10:41

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

في رحلة متابعة المشاهد بل الحقائق الخطيرة التي تحوق بنا جميعاً، يحقّ لكلّ منّا في هذا المحيط العربي الذي تتوسّع فيه الحرائق وأصناف الذبح والحرق، وفي ظلّ تباطؤ وغموض دولي أن يطرح على نفسه السؤال التالي: أين أذهب إن قرع التهجيريين بابي أو تخوم مدينتي؟ قبل الإجابة أتصوّر أنّ سؤالي ، على رغم خطورته وواقعيته، لم يعد سؤالاً محتملاً أو خيالياً لطالما هو يطرح في كلّ يوم في سوريا والعراق ولبنان واليمن ولربّما في العواصم الكثيرة الخائفة أو المصرّة على الصراع والتي يضيع أهلوها.

إنّه سؤال يقرع الأبواب لكنّه يداهم الأوطان التي لا أبواب فيها كما لبنان. هناك من سيقاتل حتّى الموت الذي بات يسمّى شهادة مهما كان شكله وظروفه. وفي هذا المجال نرى بأنّ الموت كاد أو أفرغ من معانيه وأحزانه لدى بعض الفئات وصار أزهى من الحياة وأبلغ، أو صار، بالمعنى الطقوسي، معادلاً للفرح والسعادة حيث لا دموع ولا آهات ولا صرخات وأوجاع، بل تبريك وشكر الخالق أن منح الشهداء الشهادة. من يتصوّر أمّاً "تزلغط" وتوزّع الحلوى شاكرة الله على شهادة إبنها وإعلانها بأنها على استعداد لتقديم من تبقّى من أولادها الى الشهادة؟ بصراحة أكاديمية نحن بحاجة الى أطروحات دكتوراه لإستيعاب كامل لتلك الأمور. السبب أن القول غير الفعل. تلك مسألة تذكّرني بما أبسط منها بكثير من حيث المنزلة، حيث كان يقول أحد كبار القضاة أنّ العربي يبقى يرفع صوته ويشتم ويهدد حتى يقرع شرطي بابه ليستدعيه الى قاعة المحكمة للدفاع عمّا ارتكبه.
 وهناك من يقتل نفسه وعائلته كي لا يدخل قفصاً من حديد مشرّط يحرقه داعشيون ملثّمون، وهناك من يستسلم بحجج وصلوات قدرية تجعل من قومه خرافاً للذبح، وهناك من يقوّي قلبه بالغرب أو بالقوى الخارجية التي لا يمكنها أن تترك لجحافل التكفيريين الحبال على مشارقهم ومغاربهم، فنراهم يتوزّعون على أبواب السفارات بالألوف بحثاً عن إمكانيات الهجرة الى أرصفة الدنيا وأرجائها الواسعة، أو الى أقاربهم الذين بالكاد كانوا يعرفونهم أو يراسلونهم. طبعاً المسألة على إرتباط بالوضع المالي والإجتماعي للسائل، لكنّ السؤال نفسه قد يطرح بحدّة ولجاجة أكثر على الموفورين في عواصم العرب. والسبب أنّ العبسة والسلوك الغربي بشكلً عام حيال المسلمين في العواصم الأوروبية والغربية، بعدما تداخلت الأمور بين المسلمين والغربيين بات العربي أو المسلم بشكلً عام مسكوناً بنتيجة واحدة منذ أن يخطو في مطارات العالم بأنّه شخص إرهابي غير مرغوب فيه ولو كان حاملاً لتأشيرات الدخول وحتى للأموال اللازمة لإقامته في الغرب.
ليس الطريق إذاً سهلاً ولا معبداً للذهاب الى الغرب. أيذهبون لملاقاة أخوة لهم عبّدوا دروب الولايات المتحدة الأميركية و"إسرائيل" الى الشرق الأوسط وكنوزه المتفجّرة منذ العام 1920 أم أنهم يتصورون ولو بالخيال أنهم قادرون على وضع الحد لتلك الفوضى الهائلة وحكم بلادهم العربية الأصلية بأيدٍ غربية أوعقل غربي وبمعزل عن إرادات شعوبهم التي يفتك بها فيروس التعصب والإرهاب والرفض المستورد من مقالع الغرب الأميركية والأوروبية؟
يعيدني هذا السؤال الى العام 1979 منذ أن تعرّض له شاه إيران محمد رضا بهلوي قبل تركه لطهران؟. نحن اليوم نعيد طرح السؤال نفسه بعدما تجرجر منذ ذلك التاريخ، لكنّ كمية الفوضى والحروب تتجاوز بكثير ما كنّا فيه منذ 35 سنة.
كان العديد من زعماء العرب الكبار الذين كنّا نلتقيهم في العواصم الأوروبية يطرحون السؤال نفسه فيجيبون: نذهب الى بيروت. وبيروت عاصمة عربية غربية يختلط فيها الغرب بالشرق والإسلام بالمسيحية. وهي بهذا المعنى السياسي جزيرة دولية لا يحق كما ينطق التاريخ، بل لا قدرة لدى أهلها على التسويات ولا على السلام، بل هي ملجأ عريق متجدد للكثير من الأثرياء والسياسيين العرب والقناصل والسفراء الأجانب، وهي ولو أنّها عاصمة مهددة على الدوام لا يمكنها أن تتحمل بأن تكون أو تبقى خطوط تماس بين الشرق والغرب.
إستغرق العقل الدولي منذ إسقاط الشاه وقيام الثورة الإسلامية في طهران بحثاً عن زعزعة العالم العربي والإسلامي من داخل. وكان يجهد في اختراق مختلف المجتمعات وبمختلف الأساليب لتذكية صراعاتها في المجتمعات العربية تحت عناوين شتى آخرها "صراع الحضارات". وكانت القاعدة الذهبية الشقراء تسكونة بأطروحة تقول بأن المسيحية قد حققت ثورتها الكبرى وتخلّصت من الميراث الديني ومستلزماته منذ أيام نابليون بونابرت الذي حصّن خطاه العسكرية في التاريخ المعاصر بفكر فلاسفة كبار من أمثال روسو ومونتسكيو وديديرو وفولتير..الخ، وقعد في فتوحاته فوق ما عرف ب: عصر الأنوار محدثاً الفصل التام بين شؤون الدين وشؤون الدنيا. المطلوب إذن ثورة من المسلمين على ذواتهم وإسلامهم كنا نراها تعد بحروب لا نهاية لها ودماء قد لا تعرف النضوب. أين المفرّ؟
لم يتغيّر السؤال فبيروت ما زالت عاصمة الكوزموبوليتية. لكنّ الجواب ضائع وقد يتغيّر كثيراً لعجزٍ عن وقف هذا المحيط من الفوضى العارمة التي لن يعرف أيّ عربي متى يركد ماؤها ويبين مستقبلها.


 

  • شارك الخبر