hit counter script

مقالات مختارة - طارق الشيخ

السودان ولاية صينية؟

الخميس ١٥ آذار ٢٠١٥ - 07:31

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

تلفت أنظار زائر السودان كثرة السيارات التي تحمل كلمات صينية، على الحافلات والشاحنات خصوصاً. وقد سمع كاتب هذه السطور حكايات كثيرة عن الوجود الصيني في البلاد، وبمختلف أشكاله. مع أنه، طوال سنوات ما قبل الانقلاب العسكري الذي نظمته الحركة الإسلامية عام 1989، لم تكن للصين الشعبية إنجازات تذكر في السودان، إذا ما استثنينا مبنى قاعة الصداقة على ضفة النيل في الخرطوم، ومصنع الصداقة للنسيج في مدينة الحصاحيصا، والذي تحول إلى أطلال، تعكس ما آلت إليه صناعة النسيج في السودان، وهي تكاد تلفظ أنفاسها. والغريب أنه، ومع إطلاق حكومة الرئيس عمر البشير شعارها "نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع"، انهارت صناعة النسيج التي كانت من التجارب الرائدة في السودان. وطوال السنوات الماضية، اتبعت الحكومة سياسة خائبة، تتمثل في استسهال الاعتماد على القروض المالية، لتنفيذ مشاريع لبناء السدود أو تعليتها ونقل الكهرباء. ومن كثرتها وتشابهها وتجربتنا في السودان، تكاد تحس أن سياسة القروض المطبقة بشره في السودان هدف للمفسدين، أكثر منها مشاريع تتم وفقا لاستراتيجية مدروسة ونتائج مرتجاة. وهذا لأنه لا المدن، بما فيها العاصمة الخرطوم، نعمت بوفرة الماء، ولا الكهرباء أغنت الناس عن المعاناة اليومية والمزمنة معها في مدن السودان. وقد كان غياب الكهرباء عن معاقل الصناعة من أهم أسباب توقف عدة مصانع. لكن، أكثر ما يلفت في شأن القروض والمشاريع تلك المبرمة مع الصين. ويلفت النظر أن الصين، ربما لحرصها على توطيد مواقعها في السودان، أرفقت القروض بمنَح لها رمزيتها ودلالتها كبناء جسور للصداقة، على طريقة التنزيلات الشائعة في المتاجر الكبرى. ويلفت النظر أن أكثر من نصف المشاريع المنفذة في السودان، تقريباً، جاءت من قروض صينية. ومن ذلك مشاريع كهرباء المدن ومشاريع المياه ومشاريع لبناء الجسور شيدتها وتشيدها الصين، إلى درجة يحار فيها المرء عن الفكرة والهدف، فأي من هذه المشاريع التي تتم بقروض، ستحكم طوق القروض القاتل على رقبة المواطن السوداني، لا تتعلق بإقامة مشاريع في قضايا رئيسية، تؤلم المواطن السوداني وبشدة، في التعليم والصحة والغذاء. فمقابل صورة بناء الجسور يزداد الفقراء فقراً وتتسع دائرة الفقر. وتنهار صحة الاقتصاد، ومعها صحة المواطن، وتتفكك جسور التعليم في السودان. ولم نسمع عن اختفاء معاناة السودانيين مع قطع الكهرباء، وكأنما هو تطبيق جديد ومبتكر لفكرة الفساد التي طالما راجت في عهد جعفر النميري، في مشاريع التنمية وصناعة السكر التي أخذت منا وقتاً كثيراً، ونحن نحشو بها الذاكرة، ضمن مقرر الجغرافيا في المدرسة، ولم ينفذ منها إلا القليل جداً، على الرغم من ملايين صرفت عليها.
نعم، استفاد كبار المسؤولين، وقتها، من الأموال المجنبة (عمولات)، ونجد اليوم محصلة كل ما تنتجه صناعة السكر في السودان تقل كثيراً عن حجم استهلاك السودان من السكر، والمقدرة عام 1978 بحوالي 475 ألف طن في السنة. وقتها، كان تعداد السكان رسمياً 15 مليوناً، واليوم وقد تضاعف العدد، فإن ما تنتجه مصانع السودان لا يتعدى 400 ألف طن. والسؤال الذي يهمنا، أيهما كان مقدماً، التعليم والزراعة والصحة، أم الجسور التي لم تضف ولن تضيف شيئاً لصحة الإنسان. ألم يكن الأولى إعادة الحياة إلى أهم ناقل، والأرخص والأكثر فاعلية، السكة الحديد بدلا عن قروض الجسور؟ ألم يكن الأجدى إعادة الحياة إلى المشاريع الزراعية الكبرى في الجزيرة والرهد وغيرها، بدلاً عن استسهال القروض، في ما لا يمثل حاجة ماسة وعاجلة.
من واقع تجربة كاتب هذه السطور في الصحافة في السودان، فإنه لا يشم في كل هذه القروض شيئاً سوى رائحة الفساد النتنة إياها، كما التي كانت أيام النميري، والبؤس نفسه الذي تصنعه قلة فاسدة، ويدفع ثمنه المواطن الذي يزداد بؤسا وفقراً. والسؤال الأهم: هل باتت حقيقية النكتة الشائعة أن السودان أصبح ولاية صينية؟ فيما تتراكم ديون السودان، لتصبح جسرا نحو مزيد من الإفقار في بلد غني لا يستحق ما يجري له.
 

  • شارك الخبر