hit counter script

مقالات مختارة - رامي الريس

لبنان يرفض 166 مليون يورو!

الأربعاء ١٥ آذار ٢٠١٥ - 06:01

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الانباء الاشتراكية

كشفت وزيرة الدولة لشؤون التمنية والفرنكوفونية الفرنسية أنيك جيراردين اثناء زيارتها الى بيروت ان الشلل الدستوري والمؤسساتي والسياسي اللبناني تسبب بتعطيل الإستفادة من قروضٍ ميسرة قدمتها وكالة التنمية الفرنسية إلى لبنان بما يفوق 166 مليون يورو مخصصة لتمويل مشاريع انمائية في مناطق وقطاعات مختلفة.
بعيد إنتهاء الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990) كان لبنان بحاجة إلى كل شيء علمياً، فلقد أتت تلك الحرب العبثية على البنى التحتية والفوقية والمطارات والمرافىء وكل المرافق العامة. لم يكن مشروع النهوض الإقتصادي مسألة سهلة، ذلك أن الدولة اللبنانية بمؤسساتها وإداراتها تفككت وإنقسمت وتشرذمت، وقدرة اللبنانيين على إعادة “لملمة” الدويلات وجمعها في دولةٍ مركزية واحدة موحدة كانت محط إختبار من قبل المجتمع الدولي الذي أمضى سنوات يتفرج على الاحتراب الإقليمي في الساحة اللبنانية عبر الأدوات اللبنانية ولم يحرك ساكناً.
مع ذلك، نجح لبنان تدريجياً في الإنتقال من مرحلة الدويلات إلى مرحلة الدولة كما وصفها الرئيس الراحل الياس الهراوي في كتاب مذكراته الشهير الذي وضعه الإعلامي كميل منسى.
ولا شك أن المرحلة التي إنطلقت مع تولي الرئيس الشهيد رفيق الحريري رئاسة الوزراء سنة 1992 قد شهدت نهضة إعمارية غير مسبوقة ولو أن تلك الخطة لاقت بعض أصوات الإعتراض القليلة من كبار المعماريين كالمرحومين عاصم سلام وهنري إده حيث أتهم الحريري آنذاك بتضخيم الخطة الإعمارية واكلافها بما يتخطى قدرات لبنان الإقتصادية والمالية.
مهما يكن من أمر، فإن الخطة إنطلقت أنذاك وحققت نقلة نوعية في لبنان وساهمت في إنتقاله من حالة الدمار الشامل إلى النهوض والبناء والإعمار ولكن الأكلاف كانت باهظة مالياً وإقتصادياً لا سيما مع إرتفاع الدين العام وتنامي عجز الخزينة.
الهدف من إستعادة أبرز عناوين تلك الحقبة، هو القول أن نجاح لبنان في إعادة بناء سمعته المالية لم يكن أمراً يسيراً، وتحرك الدول والصناديق العربية والدولية لتقديم القروض الميسرة والمساعدات المالية تطلب التأكد من قدرة لبنان على إيفاء الديون التي ستترتب على تلك القروض. وحافظ لبنان على تلك السمعة الجيدة في تسديد الفوائد وأصول الدين في أحلك الظروف الإقتصادية والمالية.
أما اليوم، فإن ثمة وكالة دولية تمنح قروضاً ميسرةً تشكو من أنها قدمت أموالاً ولكن الخلافات اللبنانية تحول دون الإستفادة منها!. هل يجوز أن يكون هناك دولة في العالم تنال هذا التمويل الميسر (إضافةً إلى سواه) دون أن تستفيد منه؟
هذا واحد من الأسباب التي دفعت وتدفع الحزب التقدمي الاشتراكي للمطالبة مراراً وتكراراً بفصل التجاذبات السياسية عن الملفات الاقتصادية والإجتماعية، ولمقاربة تلك الملفات من حيث عناصر تكوينها التقني والعلمي وليس بالخلفيات العقائدية أو السياسية لأن في ذلك مصلحة لبنانية عامة وحتى مصلحة حزبية لمختلف مكونات المجتمع السياسي اللبناني.
لم يعد مقبولاً أن تكون القضايا الإجتماعية والإقتصادية رهينة الخلافات السياسية، وهذه مسؤولية كل الأطراف اللبنانية دون إستثناء. تحقيق الحصانة الإجتماعية يساهم في ترميم صورة الدولة المهشمة وفي ردم الهوة بين المواطن والدولة وهي هوّة سحيقة دون أدنى شك.
كلام كالذي أدلت به وزيرة التنمية الفرنسية كان يفترض أن يكون كفيلاً بإهتزاز الوضع الحكومي وأن يشكل جرس إنذار لكل الأطراف كي يتحركوا بدل الإستمرار في السجالات العقيمة حول كبريات الملفات الخلافية المحكمة الدولية وسلاح حزب الله والأزمة السورية.
قليلٌ من التواضع، فلقمة العيش أهم من كل تلك التحليلات الإستراتيجية إن لم نقل الخنفشارية!

  • شارك الخبر