hit counter script

أخبار محليّة

الراعي افتتح سلسلة ندوات "على مشارف المئوية الاولى للبنان الكبير"

الخميس ١٥ آذار ٢٠١٥ - 20:11

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

افتتح البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، عند الرابعة والنصف من مساء اليوم، سلسلة ندوات "على مشارف المئوية الاولى للبنان الكبير"، في الجامعة اللبنانية - الألمانية LGU، في حرم الجامعة - ساحل علما.

وألقى الراعي كلمة بعنوان "جولة أفق تاريخية ودور البطريركية في قيامة لبنان" قال فيها: "يسعدني أن أشارك في الندوة التي تنظمها الجامعة اللبنانية - الألمانية LGU، فأحيي رئيسها الدكتور فوزي عضيمي وعمداء الكليات وهيئة الأساتذة والطلاب. ويطيب لي أن أشارك في المحور الأول من الموضوع العام، من بين المحاور الثمانية. فأتناول موضوع: جولة أفق تاريخية ودور البطريركية في قيامة لبنان".

أضاف: "تميز الموارنة منذ القرن السابع بتكوين ما سمي رسميا "الأمة المارونية". وعناصرها الأساسية أنها جماعة أشخاص تنظموا في جبل لبنان بقيادة بطاركتهم، بدءا من البطريرك الأول القديس يوحنا مارون؛ وحافظوا على تراثهم الأنطاكي وتقليدهم السرياني وعقيدتهم الكاثوليكية بصفتها المزدوجة: المريمية مع مجمع أفسس (سنة 431) الذي أعلن مريم العذراء أما للاله المتجسد، والمسيحانية التجسدية مع مجمع خلقيدونية (سنة 451) الذي أعلن أن المسيح ذو طبيعتين إلهية وإنسانية؛ وعاشوا ضمن حكم ذاتي وسط أنظمة تيوقراطية للبيزنطيين وللمسلمين؛ وتوحدوا حول الأغليين: إيمانهم الكاثوليكي وحريتهم".

وتابع: "وكان البطريرك محور الأمة المارونية وحامي وحدتها، وكان الرئيس الوحيد للشعب والمسؤول السياسي والديني على السواء، متعاونا كنسيا مع الأساقفة كنواب مقيمين معه وممثلين في المناطق، ومدنيا مع المقدمين كذراعه الزمنية، مما جعل منه بعد قيام الدولة اللبنانية المستقلة مرجعية وطنية وملتقى القادة السياسيين، حيث يلتئمون ويحسمون شؤونهم الوطنية".

وأردف: "في جولة الأفق التاريخية المطلوبة كموضوع لهذا المحور الأول، سآخذ محطات أساسية مع بعض البطاركة، تبين دور البطريركية في مسيرة قيامة لبنان. كان الخط الأساسي الذي سار عليه الموارنة بقيادة بطاركتهم السعي والحفاظ على ثلاثة: الوحدة في الإيمان، الاستقلالية الحرة في جبل لبنان، والانفتاح على الآخر المختلف أو التعددية الثقافية الدينية".

وقال: "بدأ الموارنة ككنيسة بطريركية مسيرتهم بقيادة البطريرك يوحنا مارون في عهد الأمويين (661-750)، فأبرم الموارنة والمردة، بمباركة البطريرك وخلفائه، مع الخلفاء الأمويين معاهدات مكنتهم من العيش مع المسلمين العرب بتفاهم وسلام، بعد أن ناضلوا محافظين على كيانهم. ثم بدأت العلاقات الصعبة في عهد العباسيين (750-970). وفيما اشتدت الوطأة على المسيحيين في العراق وبلاد الشام، وهدمت كنائسهم المبنية بعد نشأة الإسلام، عرف الموارنة بقيادة بطاركتهم كيف يحافظون على استقلاليتهم النوعية في جبل لبنان، لكي لا يصبحوا ذميين مثل غيرهم المعروفين "بأهل الكتاب". فدفعوا الجزية المعروفة "بضريبة الرأس" لقاء المحافظة على استقلاليتهم وكيانهم وإيمانهم الكاثوليكي".

أضاف: "أنتقل إلى محطة ثانية مهمة هي عهد الفرنج (1089-1291)، هو عهد الصليبيين الذي بدأ بالحملة الأولى، في عهد البابا أوربانوس الثاني (1088-1099)، وقد تقررت في مجمع Clermont، وسببها: اضطهاد المسيحيين وهدم كنائسهم، والتعدي على زائري الأراضي المقدسة. ففي تلك الحقبة كان الموارنة يناضلون ويحاربون من أجل حماية الإيمان الكاثوليكي والحرية والاستقلالية. وكانوا متمرسين على القتال. فارتاحوا بمجيء الفرنج، شركاؤهم في الإيمان، فعزز البطريرك يوسف الجرجسي (1100) العلاقة مع الغرب ومع روما التي تفاجأت بوجودهم، وكانت تظنهم قد انتهوا بسبب الفتح الإسلامي والانقسامات في الكنيسة. أرسل البطريرك، بواسطة الفرنج، وفدا مع رسائل إلى البابا أربانوس، لكنه توفي قبل وصول الوفد، فاستقبله خليفته البابا باسكال الثاني، وسر برسائل البطريرك وبالوفد. ثم توطدت العلاقة مع روما في عهد البطريرك إرميا العمشيتي (1199-1230)، وحضر المجمع المسكوني اللاتراني الرابع سنة 1215. وكانت مناسبة لتفعيل الانفتاح والتعاون مع الدول الأوروبية. وتمكن الموارنة من الانتشار في المناطق اللبنانية وفي جزيرة قبرس، وحصنوا استقلاليتهم وحريتهم في جبل لبنان.
وختمت هذه المحطة من التعاون مع الفرنج في عهد ملك فرنسا القديس لويس التاسع وقد ساعد البطريرك والموارنة بخمسة وعشرين ألف مقاتل، فكتب في 21 أيار 1250 رسالة إلى أمير الموارنة في جبل لبنان وبطريرك وأساقفة الأمة، عبر فيها عن الالتزام بحمايتهم واعتبارهم جزءا من الأمة الفرنسية بسبب مساعدتهم له، وتعلقهم الثابت بالإيمان الكاثوليكي".

وتابع: "ننتقل إلى محطة ثالثة في عهد المماليك (1291-1515)، الذي شكل للموارنة مأساتهم الكبرى، فانكفأوا على ذواتهم، محافظين على وحدتهم وصمودهم، حول بطاركتهم، رغم الاضطهاد والقتل والتنكيل. فكان لهم بطاركة شهداء مثل دانيال الحدشيتي الذي قاد سنة 1283 رجاله للدفاع عن عرينه في جبة بشري ضد جيش المماليك، فصمدوا أربعين يوما أمام إهدن. ثم قبض المماليك على البطريرك بالحيلة بحجة المفاوضة فخطفوه وقتلوه. والبطريرك لوقا البنهراني أسره المماليك واعتبروا امساكه فتحا عظيما، أعظم من افتتاح حصن أو قلعة، بعد معركة الفيدار (1291) التي أسهم فيها الموارنة إلى جانب الفرنج بوجه المماليك، وقتلوه. والبطريرك جبرايل حجولا (1357-1367) الذي أحرقه بالنار والي طرابلس المملوكي، عندما سلم نفسه من أجل تحرير الأساقفة والرهبان المعتقلين رهائن، لكن البطاركة الذين تعاقبوا طيلة عهد المماليك، على مدى 224 سنة، فتحملوا بصبر جور المماليك: التنكيل والاضطهاد والتعدي على الكنائس وإحراقها وتهجير السكان الآمنين. وظلوا على اتصال دائم مع روما. وكان همهم المحافظة على الوحدة الداخلية والاستقلالية. وفيما كان بطاركة الكنائس الأخرى يحتاجون إلى تثبيت مدني من السلطان المملوكي ب"فرمان"، كان البطاركة الموارنة معفيين منه. وفي هذا العهد المملوكي، عرف الموارنة حكم "المقدمين" الذين كانوا حكام مقاطعات في جبل لبنان، ويخضعون مباشرة للبطريرك. وكانوا همزة وصل بين البطريركية ونيابة طرابلس المملوكية".

ولفت إلى أن "في المحطة الرابعة في عهد العثمانيين (1516-1918)، تبدل الوضع نوعا ما"، وقال: "إن السلطان سليم الأول الذي بدأ معه هذا العهد بعد انتصاره على المماليك في معركة مرج دابق قرب حلب سنة 1516، تميز بكثرة حلمه، وأمر بإعادة إعمار البلاد. وفيما ظلت معاملة المسيحيين كأهل ذمة، نعم الموارنة بنوع من الاستقلالية بفضل البطاركة الموارنة الذين تعاقبوا، وقد أعفوا من طلب "الفرمان" من السلطان لتثبيت انتخابهم. كان يتولى شؤونهم العامة أمير وطني معروف "بالحاكم الكبير"، وكانت سيادة الدولة العثمانية عليه اسمية. لم يكونوا أهل ذمة تحت حماية الدولة التركية، بل كانوا يحمون أنفسهم بأنفسهم، ولم يكونوا يدفعون إلا المال الأميري. ولكن لم يخل عهده من المضايقات والمصاعب، لكن البطريرك موسى العكاري (1524-1567) الذي دامت حبريته 43 سنة، قام بحركة متعددة الاتجاهات: مع روما وحاكم البندقية (Venise) في إيطاليا، والأمبراطور الألماني شارل كان، ووالي حلب ووالي الشام، من أجل حماية الإيمان الكاثوليكي ورفع الظلم عن الموارنة وحفظ استقلاليتهم. وفي عهده كان انتشار ماروني واسع في كسروان والجنوب".

أضاف: "مع البطريرك سركيس الرزي، تم تأسيس المدرسة المارونية في روما بمرسوم من البابا غريغوريوس الثالث عشر في 13 كانون الأول 1583، ففتحت أبوابها في بداية سنة 1584. خرجت هذه المدرسة الحبرية ملافنة وعلماء موارنة مشهورين علموا في جامعات أوروبا، وشكلوا حجر الزاوية في النهضة المشرقية، وبنوا جسر تواصل ثقافي بين الشرق والغرب. ونذكر من بين هؤلاء البطريرك يوحنا مخلوف (1609-1633) في عهد إمارة المعنيين (1572-1697). تعاون معه الأمير فخر الدين الثاني الكبير، في انفتاحه على الغرب، بفضل ما كان للبطريرك من علاقات ودية مع ملوك الغرب، ومع البابوات، ولدى الباب العالي. في هذا التعاون والعمل الداخلي على ازدهار البلاد ونموها، كان تكوين نواة الدولة اللبنانية، وفكرة "الكيان اللبناني" القائم على الروابط الموضوعية والتعاون المنسجم بين الديانات والثقافات المختلفة. وبفضل هذا التعاون، كانت النهضة العمرانية والزراعية والتجارية والثقافية على يد مهندسين ومرسلين استقدموا من أوروبا. وواصل البطاركة هذا التعاون مع الأمراء المعنيين، وثبتوا وحدتهم واستقلاليتهم وحضورهم الفاعل في حكم جبل لبنان، وفقا "للكيان" الذي التقى حوله الموارنة والدروز".

وتابع: "ثم كان العهد الشهابي (1698-1842)، فنذكر في أولى سنواته البطريرك الكبير المكرم اسطفان الدويهي (1670-1704)، تلميذ مدرسة روما، الملقب "بأبي التاريخ الماروني واللبناني" و"بأعظم شخصية مارونية" علما وعملا. في عهده تأسست الرهبانيات المارونية: اللبنانية والمريمية والأنطونية. واصل العهد الشهابي فكرة "الكيان اللبناني"، وتواصل التعاون بين الأمراء الشهابيين والموارنة على مستوى تحقيق هذا الكيان، ولكن عندما مر العهد بانقسامات داخلية ونزاعات وبحال تمزق، وكان استغلال العائلات الإقطاعية وثقل الضرائب، والانقسام المذهبي، فعقدت عامية لحفد سنة 1821، وعامية انطلياس سنة 1840. وانطوى عهد الإمارة اللبنانية سنة 1842 بنظام القائمقاميتين وتقسيم الجبل إلى إدارتين: مسيحية ودرزية، لكن هذه الصيغة استغلت سياسيا لضرب الوحدة الداخلية، بضغوط دينية مذهبية، فكانت أحداث 1845 الدامية وأحداث 1860 التي ذبح فيها آلاف الموارنة وغيرهم من المسيحيين. وعبثا حاول البطاركة تجنب هذه الأحداث. نذكر من بينهم البطريرك يوسف التيان (1796 - 1809) الذي سعى لدى الأمير بشير الشهابي الكبير لتخفيف الضرائب التي كان قد رفعها من قرش ميري إلى ستة قروش والشعب جائع، ولمصالحته مع أبناء عمه الأمير يوسف الشهابي من حفظ الوحدة السياسية في الجبل. ولما عجز عن ذلك، قدم استقالته من البطريركية، وهو بعمر 48 سنة، وتنسك. والبطريرك يوسف حبيش (1823-1845)، باعث النهضة الثقافية، الذي بذل جهودا سياسية وإنسانية من أجل حفظ الوحدة الداخلية مع قيام القائمقاميتين، وتضميد جراح أحداث 1845. وأكمل عمله البطريرك يوسف راجي الخازن (1845-1854) الذي جنب القتال في الجبل بين القوة العسكرية العثمانية والمقاتلين الموارنة بالطرق السلمية، وحصل من الدولة العثمانية على التعويض على المتضررين في أحداث 1845، ونادى بالمساواة بين المسيحيين وغير المسيحيين".

وأردف: "وجاء البطريرك بولس مسعد (1854 - 1890) الذي قاد بحكمة كنيسته والحال الوطنية على مدى 36 سنة. يقال عنه أنه مناضل عنيد، نقل القضية اللبنانية إلى مرتبتها الأولى. قام بدور كبير في أشد الأخطار التي هددت الوجود المسيحي والوحدة المسيحية واستقلال الجبل. قام بأسفار التقى فيها البابا الطوباوي بيوس التاسع في روما، ونابوليون الثالث في باريس والسلطان الغازي عبد العزيز في الاستانة. عالج بحكمة وحنكة ثورة الفلاحين المعروفة "بثورة طانيوس شاهين"، ساعيا إلى السلام وتوحيد أواصر الشعب الماروني. وكانت فتنة سنة 1860 فأسقطت الضحايا في كل من دير القمر وجزين وحاصبيا وراشيا وسواها من المناطق، بتحريض من الأتراك لفئة على فئة. فبذل البطريرك جهودا مضنية لتلطيف الأوضاع والحد من البؤس والشقاء بمساعدات مالية، ولإعادة السلام في المناطق المتوترة. وفي عهده وضع نظام المتصرفية في لبنان سنة 1861، فكان نقلة نوعية بالاستقلالية الذاتية المحمية، التي ناضل في سبيلها البطريرك والموارنة والأمراء المعنيون والشهابيون، إلى استقلالية مثبتة شرعيا من السلطان العثماني. أرسى هذا النظام مبدأ المساواة بين المواطنين والتمثيل الشعبي، وأنشأ هيئة تمثيلية قائمة على أساس تمثيل الطوائف الست في الجبل ومبدأ انتخاب أعضاء المجلس ومشايخ القرى. وكرس الأرجحية المسيحية في السلطة بإعادة الوحدة الجغرافية - السياسية إلى الجبل، ووحدة السلطة فيه بقيادة متصرف أجنبي واسع الصلاحية، وإعطاء أكثرية تمثيلية للمسيحيين في مجلس الإدارة".

وقال: "اعترض البطريرك مسعد مطالبا بأمرين: تأليف هيئة تشريعية وطنية في نظام المتصرفية، لكن المتصرف احتفظ لنفسه بالسلطة التشريعية. والأمر الثاني بمتصرف وطني مسيحي يكون حاكما للبلاد، لكن الباب العالي عين متصرفا داود باشا، فامتعض اللبنانيون عليه لكونه حاكما أجنبيا. فكانت ثورة يوسف بك كرم الإهدني".

أضاف: "بعد انهيار السلطة العثمانية، راحت القوى الحليفة المنتصرة في الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، تعمل على إيجاد تسويات في المنطقة. وهنا، برز دور البطريرك الياس الحويك (1899-1931)، فكان رجل العناية الذي احتضن ضحايا الحرب العالمية الأولى، وكان في أساس قيام لبنان الكبير والمستقل، وحماية بداياته بوجه الرافضين، والمطالبين بضمه إلى مشروع سوريا الكبرى. فدامت حبريته 32 سنة".

وتابع: "هي الذاتية اللبنانية التي بدأت تتكون منذ بداية القرن السادس عشر، كما رأينا، راحت تتبلور حتى أصبحت فكرة لبنان الكبير المستقل في حدوده التاريخية بإعادة الأراضي التي سلختها عنه الدولة العثمانية. في 16 حزيران 1919، أصدر مجلس الإدارة اللبناني قرارا بتشكيل وفد برئاسة البطريرك الياس الحويك إلى مؤتمر الصلح في فرساي - باريس. قدم البطريرك "مذكرة الوفد اللبناني إلى مؤتمر السلام"، موقعة منه بتاريخ 25 تشرين الاول 1919 (راجع النص الفرنسي في وثائق البطريرك...، ص120-130)، وفيها أربع نقاط:
1- إقرار استقلال لبنان عن أي دولة أخرى، الذي أعلنته الإدارة اللبنانية والشعب في 20 ايار 1919، لاعتبارات تاريخية وسياسية وثقافية وحقوقية.
2- إعادة لبنان إلى حدوده التاريخية والطبيعية، باستعادة الأراضي التي سلختها عنه تركيا (لبنان الكبير)، عند رسم حدود المتصرفية سنة 1861.
3- إصلاح الأضرار التي أنزلتها تركيا بلبنان وشعبه.
4- القبول بمبدأ الانتداب الذي أقرته اتفاقية السلام بفرساي في 28 حزيران 1919، من دون أن يخل بمبدأ سيادة لبنان.
5- وتوالت رسائل البطريرك الحويك في كل اتجاه ما بين 8 تشرين الثاني 1919 و30 آب 1920، حتى الاحتفال بإعلان لبنان الكبير المستقل في أول ايلول 1920 (من صفحة 131 إلى 170). ففي قصر الصنوبر، وسط الألوف من اللبنانيين المحتشدين، وقف الجنرال غورو المفوض السامي للجمهورية الفرنسية، محاطا برؤساء الطوائف وشخصيات البلاد وأعلن لبنان الكبير، من النهر الكبير إلى أبواب فلسطين إلى قمم لبنان الشرقي".

وقال: "ثم كان عهد البطريرك أنطون عريضه (1932 - 1955) الذي دام 23 سنة، المعروف بعهد إنهاء الانتداب الفرنسي والاستقلال الناجز. وقد أعلن العمل على بلوغهما في مؤتمر بكركي الوطني في 25 كانون الأول1941. بالنسبة إلى إنهاء الإنتداب كتب إلى وزير خارجية فرنسا في 15 شباط 1935: أمانة لخطنا التاريخي المكمل لتقليد يفوق العشرة قرون من الصداقة، هو الحارس السهران لهذا الإرث الألفي، ويعتقد من واجبه السهر على أن تظهر فرنسا دائما في الشرق بوجهها النبيل والفروسي الذي أحبه آباؤنا، ونحن وأسلافنا ذكرنا به مع كل أمنياتنا... والبطريرك الماروني، بحكم هذه الأمانة التي لا تنتزع، يعتبر نفسه مخولا أكثر من أي شخص آخر ليتكلم باسم الشعب، وينقل معاناته وأمنياته للحكومة الفرنسية... عندما طالب اللبنانيون "بالانتداب الفرنسي"، إنما أرادوه لتحقيق أمنياتهم باستقلال سياسي واقتصادي، باتفاق كامل مع فرنسا، بل لصالح البلدين، ولكن في روح معظم الفرنسيين الذين عنوا بتطبيق "الانتداب"، قد اختلط، على ما بدا، بفكرة مجرد استعمار. فكانت الصدامات كل يوم وفي كل القطاعات. وبالنسبة إلى الاستقلال الناجز، قال البطريرك في خطابه الافتتاحي لمؤتمر بكركي الوطني: "نريد استقلالا ناجزا يطابق رغائب الشعب اللبناني مضمونا من الدول التي سعت لإعلانه، ومبنيا على العدل لأن العدل أساس الملك، العدل في الأحكام ونفي المظالم، والعدل في توزيع المناصب والمنافع. نريد استقلالا مخدوما بحكومة تنتقي أشخاصا صالحين نزهاء بعيدين عن الرشوة ومستقيمين لا يحابون. نريد استقلالا مبنيا على الحرية، والتآلف والتضامن والغيرة في سبيل المصلحة الوطنية".

أضاف: "لقد انتهى الانتداب الفرنسي وإعلان استقلاله الناجز بجلاء آخر القوات الفرنسية من لبنان في 31 آب 1946، لكن عملية إنهاء الانتداب وتسليم السلطات كلها للدولة اللبنانية كانت بدأت في أول كانون الثاني 1944. لقد مهد مؤتمر بكركي الوطني إلى وضع الميثاق الوطني سنة 1943 على يد رئيس الجمهورية الشيخ بشاره الخوري ورئيس الحكومة رياض بك الصلح. هذا الميثاق يميز لبنان عن سائر البلدان العربية، ويشكل روح الدستور. وهذا نصه غير المكتوب رسميا والقائم على الثقة المتبادلة:
أ - لبنان جمهورية مستقلة استقلالا كاملا، لا تربطها أي معاهدة، وأي اتفاق بأي دولة، هو بلد سيد نفسه.
ب - لبنان ذو وجه عربي، لسان عربي، وهو جزء من العالم العربي، له طابعه الخاص، ولكنه مع عروبته هذه لا يقطع علاقاته الثقافية، والحضارية التي أقامها مع الغرب، وساعدته على الوصول إلى الرقي الذي هو فيه.
ج - لبنان مدعو إلى التعاون مع الدول العربية، وإلى دخول الأسرة العربية، بعد أن تعترف هذه الدول باستقلاله، وكيانه، ضمن حدوده الحاضرة، فعليه أن يحفظ التوازن بين الجميع، وألا يميل مع أي فريق.
د - توزع كل المناصب في الدولة على كل الطوائف بالإنصاف، وإذا كانت الوظيفة تكنيكية روعيت فيها الكفاية".

وختم: "عندما وضعنا المذكرة الوطنية في 9 شباط 2014، أردنا إكمال عمل أسلافنا البطاركة بروح المسؤولية ذاتها، وشئناها خريطة طريق للاحتفال بالمئوية الأولى على إعلان لبنان الكبير (1920 -2020). فأكدنا فيها الثوابت، وطرحنا الهواجس، ورسمنا أسس المستقبل، وحددنا الأولويات. ونأمل أن تكون هذه الندوة خطوة فاعلة في إعداد هذا الإحتفال".
 

  • شارك الخبر