hit counter script

مقالات مختارة - جهاد منسي

"الإخوان المسلمون" في الأردن .. أزمة غير مسبوقة

الخميس ١٥ آذار ٢٠١٥ - 06:27

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

أصبحت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن على مفترق طرق غير مسبوق، بعد أن قرر مجلس إدارة سجل الجمعيات في وزارة التنمية الاجتماعية الأردنية الموافقة على تسجيل الجماعة بموجب أحكام قانون الجمعيات الاردني النافذ، الأمر الذي استهجنه مجلس شورى "الإخوان"، رافضاً أي تدخل حكومي في الشؤون الداخلية للجماعة.
ونأت الحكومة الأردنية بنفسها عما يجري، واعتبرته شأنا داخليا، وقالت إن طلب الترخيص الذي منحته لطرف من طرفي الصراع في الجماعة جاء إثر تقدم طرف بطلب ترخيص، بينما تتحدث أوساط الجماعة عن مبادرة لمراقبها العام للحفاظ على وحدة الجماعة، وعدم العبث بها.
وتعتبر أزمة جماعة الإخوان المسلمين في الأردن الأصعب والأقسى، منذ تأسيسها في العام 1945 كجمعية خيرية، وتهددها من خطر نقلها من جمعية علنية طول أكثر من 60 عام، إلى جمعية سرية غير شرعية، الأمر الذي يضع سؤالاً برسم الإجابة عن مآل الجماعة مستقبلا، ومدى قدرة تيار الترخيص على الخروج من الأزمة منتصرا، ولا سيما أن هذا التيار ما زال يعتمد على أسماء قيادات من دون أن يكون لها حضور في قواعد الجماعة، كما يطرح سؤال عن قدرة تيار القيادة الحالية الخروج من عنق الزجاجة، والسير بالجماعة نحو الاستقرار.
وجاء التصعيد الإخواني الداخلي في وقت تعاني فيه جماعة الإخوان المسلمين على مستوى الوطن العربي من انقضاض دول وحكومات عربية عليها، وهذا ما حصل معها في مصر التي تم فيها زج عدد كبير من قيادات "الإخوان" في السجن، وكذلك في دولة الإمارات التي أعلنت الجماعة "تنظيماً إرهابياً".
وقد أظهرت الحكومة الأردنية، ظاهرياً، أنها تنأى بنفسها عما يحدث، وجاء التصريح الأول منها بشأن الأزمة على لسان رئيس الوزراء، عبد الله النسور، الذي قال إن الحكومة "لا شأن لها بالخلافات داخل جماعة الإخوان المسلمين، فهذا شأنهم (...) الأوضاع الراهنة في المنطقة لا تسمح لنا بالمناكفة مع أي جهة، ونحن على مسافة واحدة من الجميع، ولا شأن لنا
"تعرضت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن لهزات مختلفة، عبر السنوات العشر الأخيرة، بيد أن الأزمة الحالية تعتبر الأعنف والأكثر تاثيراً"
بالخصومات بين تيارات جماعة الإخوان المسلمين، والحكومة لن تقوم بنصرة أي طرف على حساب الآخر".
وعن قبول حكومته طلب ترخيص من مقدميه، قال إن هناك جهة في الجماعة تقدمت بطلب ترخيص رسمي للجماعة لدى وزارة التنمية الاجتماعية، وتم قبوله، وعلى الجانب المتضرر اللجوء إلى المحكمة الإدارية.
وجاء قرار الحكومة الموافقة على طلب الترخيص إثر تقدم المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين، عبد المجيد ذنيبات، هو وأعضاء من الجماعة، بطلب ترخيص جديد لها، وقبل أن يصدر القرار الحكومي بالموافقة أو الرفض، بادر مجلس شورى الجماعة إلى فصل ذنيبات ومن معه من عضوية "الإخوان"، الأمر الذي أدخل الجماعة في صراع داخلي طاحن، ما زالت شرارته موقدة.
وجاءت أزمة الجماعة بعد أيام قليلة من صدور حكم من محكمة أمن الدولة الأردنية بحق نائب المراقب العام للجماعة، زكي بني ارشيد، تضمن سجنه مدة عام ونصف، بتهمة تعكير علاقة الأردن مع دولة صديقة (الإمارات)، إثر نشر بني ارشيد تعليقاً على صفحته في "فيس بوك" ينتقد إعلان الإمارات "الإخوان المسلمين" منظمة إرهابية.
مبادرة توفيقية
وقد استدعت التطورات المتلاحقة التي عصفت بـ"إخوان الأردن"، قبل أيام، من عقلاء الجماعة التدخل، والقيا

عبدالمجيد ذنيبات
م بمحاولات لرأب الصدع في البيت الداخلي، قبل أن تصل الجماعة إلى طريق الانشقاق، ويصبح جزء منها شرعياً، وجزء آخر غير شرعي يعمل تحت الأرض، كما استدعت تلك المحاولات تواصلاً مع الحكومة لتأمين بقاء الأمور من دون تصعيد.
ولهذا الهدف، التقى القيادي في الجماعة، عبد الطيف عربيات،
برئيس الوزراء عبدالله النسور، وأتفق معه على أن تعالج جماعة الإخوان مشكلاتها التنظيمية داخلياً، من دون تدخل الحكومة، وقال عربيات إن النتيجة التي توصل إليها هي أن تعالج أطراف الأزمة مشكلات التنظيم داخلياً، وأن يتقدم كل طرف برؤيته للحل.
وطالب المراقب العام للجماعة، همام سعيد، من على فضائية اليرموك، المقربة من جماعته، الحكومة العودة عن قبولها طلب ترخيص الجماعة، وقال "نعتب على الحكومة، لقبولها الطلب، خصوصاً وأنها تدرك كم استعانت الدولة بالجماعة لمهمات صعبة، وكم مرة كانوا الإخوان
"التطورات الأخيرة تهدد الجماعة وممتلكاتها وأصولها، وهذا ما عبرت عنه جهات قانونية، رأت أنه يمكن أن تؤول أصول الجماعة للمؤسسين الجدد، وأن تسجيل "جمعية الإخوان المسلمين" يعني انتفاء وجود الجماعة الأم"
عنوان أمن اجتماعي وسلام وطني (....). ارتكب مقدمو طلب الترخيص مخالفات تنظيمية، وهم ليسوا في قيادة الجماعة".
وأعلن المراقب العام عن مبادرة لملمة صف الجماعة، سيقدمها للأطر التنظيمية الداخلية في الجماعة، ورفض الإفصاح عن ماهيتها، مكتفيا بالقول إنها يمكن أن تكون توافقية، توصل الجماعة إلى مكتب تنفيذي توافقي، بحيث يتم إشراك الجميع في القيادة.
وكان البيان الأقسى بحق طالبي الترخيص قد أصدره مجلس شورى الجماعة الذي أعتبر العبث بالمركز القانوني للجماعة، ووضعها التنظيمي، مخاطرة ومجازفة ستترك آثارها العميقة على الوطن الأردني، قبل أن تصيب الجماعة بأي ضرر.
وقال رئيس مجلس شورى الجماعة، نواف عبيدات، إن أفراد الجماعة لن ينضموا نهائياً إلى الجمعية الجديدة، فيما دخل على خط الأزمة ما يعرف بمجلس علماء الشريعة الذي دعا الملتحقين بالجماعة إلى الالتفاف حول القيادة الشرعية للتنظيم والوفاء بحق البيعة لها في المنشط والمكره.
مبررات الترخيص
وبرر طالبو الترخيص ما قاموا به بالبحث عن آلية لتصويت وضع جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، والحفاظ عليها، وقال المراقب العام الأسبق للجماعة، عبد المجيد الذنيبات، إنه قام بذلك بهدف إعادة تسجيل الجماعة جمعية سياسية، تختص بها وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، ورفض تسمية خطوات التصويب بـ"الانقلاب" على الجماعة، وقال "إنه تصحيح لمسارها".
وتحدث ذنيبات عن خطوات تصعيدية من جماعته، أبرزها استبعاد القيادة الحالية في الجماعة، مع الإبقاء على بقية الهيئات والمجالس الأخرى، وشدد، في الوقت نفسه، على أن من سيرفض العمل في إطار الهيئة الجديدة، سيكون مصيره بيد الدولة. ويوضح ذنيبات سبب تقدمه بالترخيض أن الجماعة في الأردن رخصت، عام 1945، على أنها جمعية في الأردن تتبع فرع جماعة الإخوان المسلمين في القاهرة، ثم غيرت الجماعة عام 1953 الاسم من جمعية إلى جماعة، لكن الجماعة بقيت تنص على أن الجماعة فرع من القاهرة.

همام سعيد
مفترق طرق
وباتت التطورات الأخيرة تهدد الجماعة وممتلكاتها وأصولها، وهذا ما عبرت عنه جهات قانونية، رأت أنه يمكن أن تؤول أصول الجماعة للمؤسسين الجدد، وأ
ن تسجيل "جمعية الإخوان المسلمين" يعني انتفاء وجود الجماعة الأم، جماعة الإخوان المسلمين، ما يعني أن القيادة الحالية للجماعة التي يقودها المراقب العام الحالي، همام سعيد، باتت في نظر الحكومة الأردنية غير شرعية، ولا سند قانونياً لها، وهذا من شأنه أن يضع قيادة الجماعة تحت خطر العقوبات القانونية والملاحقة.
وقالت مصادر في الحكومة الأردنية، رفضت كشف اسمها، نوهت إن أموال جماعة الإخوان المسلمين وممتلكاتها ستؤول إلى صندوق الجمعيات، في حال اعتبرت الدولة الأردنية الجماعة الحالية منحلة. وأفاد بأن جمعية الإخوان المسلمين يحق لها أن تطالب بأموال وممتلكات الجماعة، لكن ليس في وسعها الحصول عليها، إلا عن طريق القضاء، أو من خلال صندوق الجميعات في حال حل الجماعة، وعند ذلك، ستحول أموالها إلى صندوق الجمعيات في الوزارة، وبإمكان الجمعية التي أسسها المراقب العام السابق، عبد المجيد ذنيبات، أن تحصل عليها، بعد تشكيل الهيئة العامة ومجلس الجمعية.

أسباب الأزمة
جاء السبب الرئيس في أزمة جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، إثر إعلان عدد من قياداتها نيتهم التقدم بطلب ترخيص جديد، ما دفع قيادة الجماعة الحالية إلى اتخاذ قرار بفصل عشرة من الأعضاء الموقعين على طلب الترخيص، والتلويح بفصل كل من يثبت توقيعه على الطلب. وكان في مقدمة المفصولين المراقب العام السابق للجماعة، عبد المجيد ذنيبات، ومنسق ما يعرف بـ"تيار زمزم"، ارحيل الغرايبة. وشمل القرار إبراهيم أبو العز، جميل دهيسات، نبيل كوفحي، خليل عسكر، نائل الزيدان، شرف القضاة، فتحي الطعامنة، جبر أبو الهيجاء، وكان هؤلاء من أبرز الأعضاء الذين تقدموا بطلب تصويب الأوضاع أو الترخيص.
"لا تنفصل أزمة حركة الإخوان المسلمين في الأردن عن أزمة الإسلام السياسي عموماً في العالم العربي، لكنها، هنا، تزداد خلافية، بسبب تعمق الخلاف الداخلي في الحركة، وبروز منازعات ذاتيه"

بحسب ما يدور في بيت الجماعة الداخلي، تعتقد قيادات فيها أن توجه قيادات وازنة فيها لطلب الترخيص جاء في توقيت خطأ، ووضع مفتاح الجماعة في حضن الحكومة، ما يمكن أن يحولها (الجماعة)، بين لحظة وأخرى، من جماعة علنية إلى سرية، وبالتالي، تقديم أعضائها إلى المحكمة بتهمة الانضمام لجمعية غير شرعية، في حال تم رفض الطلب، مثلا، أو تم الموافقة على الترخيص، واعتبار القيادة الحالية غير شرعية، وكلها سيناريوهات قابلة للتنفيذ.
تاريخ ومسار
تأسست جماعة الإخوان المسلمين في الأردن على يد عبد اللطيف أبو قوره عضو هيئة تأسيسيه للجماعة في مصر، ثم محمد عبد الرحمن خليفة، أول مراقب عام لها في الأردن، ولم يتم حظر التنظيم طوال تلك الفترة، وترك لها مجال الدعوة والاستقطاب، وتحالفت، في مراحل مختلفة مع النظام، وسمح لها بالتغلغل في المجتمع في فترة الخمسينات والستينات، ومحاربة الفكر الشيوعي والقومي الذي كان أكثر انتشاراً في المملكة وقتذاك من الفكر الإخواني.
وشكل "الإخوان" أكبر حضور لهم في البرلمان الأردني الحادي عشر عام 1989 الذي انتخب في أعقاب ما عرف بـ"هبة نيسان"، والتي اتخذت الجماعة في أثنائها موقفاً حيادياً منها. وفي انتخابات ذلك البرلمان، حصل "الإخوان" على 22 مقعد نيابي، ورئاسة مجلس النواب ثلاث دورات، وشاركوا في الحكومة بخمسة وزراء عام 1992. وكان لهم 17 نائباً في البرلمان الثاني عشر، والذي شهدت فترته توقيع اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية، وتأسيس حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين. وآثر نواب الجماعة مقاطعة جلسة التصويت على الاتفاقية، وكانت دعوات تشجعهم على الاستقالة من عضوية المجلس.

عبدالله نسور

قاطعت الجماعة انتخابات مجلس النواب الثالث عشر عام 1997، بيد أنها عادت وشاركت في مجلس النواب الرابع عشر عام 2004، حصلت فيه على 18 مقعد. وشاركت في انتخابات البرلمان الخامس عشر عام 2007، وحصلت على ستة مقاعد، واتهمت وقتذاك الأجهزة الأمنية بتزوير الانتخابات ضدها، وقاطع "الإخوان" انتخابات عام 2010 لمجلس النواب السادس عشر، وهو ما فعلته في انتخابات 2013 لمجلس النواب السابع عشر الحالي.
الهزة الأعنف
سبق لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن أن تعرضت لهزات مختلفة، عبر السنوات العشر الأخيرة، بيد أن الأزمة الحالية تعتبر الأعنف والأكثر تاثيراً، إذ سبق أن أعلنت مجموعة من أعضاء الجماعة تأسيس تيار أطلقوا عليه اسم "زمزم"، نسبة إلى الفندق الذي عقد فيه الاجتماع في شمال غرب العاصمة عمّان، إلا أن الجماعة تعاملت مع الموضوع في بيتها الداخلي، واستطاعت إبقاء الخلاف ضمن الإطر الداخلية.
وتعرضت الجماعة لأزمات على خلفية المشاركة في الانتخابات من عدمها، ما دفعها إلى إعلان فصل عدد من قيادييها، كان من أبرزهم عبد المنعم أبو زنط، عبد المجيد الأقطش، محمد الحاج، وقياديين آخرين، بسبب مشاركتهم في الانتخابات على الرغم من قرار المقاطعة، بيد أن قرارات الفصل تلك لم تكن تجد ارتدادات داخلية في بيت الجماعة الداخلي، وكانت تمر بشكل انسيابي طبيعي، بخلاف قرارات الفصل الجديدة.
ولا تنفصل أزمة حركة الإخوان المسلمين في الأردن عن أزمة الإسلام السياسي عموماً في العالم العربي، لكنها، هنا، تزداد خلافية، بسبب تعمق الخلاف الداخلي في الحركة، وبروز منازعات ذاتيه بشأنها، ما جعل الحكومة تبقى بعيدة عما يجري ظاهرياً، وتشعر المراقب وكأنها تجلس على مقاعد المتفرجين، لمعرفة ما يجري في البيت الداخلي.
 

  • شارك الخبر