hit counter script

مقالات مختارة - شارل جبور

الحلقة المفقودة في«14 آذار»

الأربعاء ١٥ آذار ٢٠١٥ - 06:56

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

يضع منسّق ١٤ آذار الدكتور فارس سعيد جهداً استثنائياً من أجل تحويل الذكرى العاشرة لانتفاضة الاستقلال إلى محطة استثنائية بنتائجها ومقرراتها ومؤدياتها على المستويين السياسي والتنظيمي، ولكن على رغم كلّ ما يمكن أن يبذل من مجهود على هذا المستوى، إلّا أنّ الأمور ستبقى ما دون الآمال المعقودة نتيجة وجود حلقة أساسية مفقودة.

الفارق بين هذه المرحلة التي بدأت مع تأليف الحكومة والمراحل التي سبقتها، هو أنّ الكباش السياسي آنذاك كان سيّد الموقف في المجلس النيابي ومجلس الوزراء والإعلام والشارع، فيما هذا الكباش غير موجود اليوم، بل إذا وجد المطلوب تجميده تجنّباً للاحتقان المذهبي، وقد يكون أحد أبرز أهداف الحوار بين "المستقبل" و"حزب الله" تبريد المناخات المذهبية.

فالمقصود من هذا الكلام القول إنّ أي توجّه سياسي ستُقرّه ١٤ آذار في مؤتمرها سيكون مُصاباً بداء انفصام الشخصية، لأنّ التعبير عن هذا التوجّه سيختلف بين داخل مؤسسات الدولة وخارجها، ما يجعل أنّ الأفعال ستتناقض مع الأقوال، وستكون ١٤ آذار أمام مسارين منفصلين: المسار الحكومي والحواري الذي يتطلب التنسيق والتعاون والتواصل مع الفريق الخصم، والمسار النضالي الذي وظيفته إبقاء الروح داخل جسم ١٤ آذار.

ولن تكون المشكلة بالوثيقة السياسية التي سيتمّ إطلاقها في ١٤ الجاري، بل ستشكّل قيمة مضافة في الحياة اللبنانية، لأنّ قلة من القوى السياسية ما زالت تعتمد الفكر السياسي منطلقاً لعملها، إنما المشكلة كل المشكلة تكمن في كيفية ترجمة أفكار الوثيقة على أرض الواقع في ظل ضوابط المرحلة السياسية المتمثلة بالحكومة والحوار.

فالهدف من محطة ١٤ آذار تجديد الدينامية السياسية، لكنّ سقف هذه الدينامية سيكون مؤسسات ١٤ آذار لا المؤسسات الوطنية التي تمّ تحييدها تحت عنوان الاستقرار، ما يعني أيضاً انّ هذه الدينامية ستكون مضبوطة ضمن قواعد اللعبة، لأنّ انفلاتها يرتد سلباً على قرار التبريد، وقد يوحي أنّ ثمة قراراً بالخروج عن قواعد اللعبة، ولذلك لن يختلف المشهد السياسي عمّا هو قائم اليوم.

ويمكن تشبيه أزمة ١٤ آذار بالأزمة الحكومية بين فريق يريد تسيير أعمال الدولة وشؤون الناس، وفريق يخشى من التطبيع مع الفراغ الرئاسي، ولكن لا خلاف في العمق بين الفريقين.

وعلى المقلب الآخر هناك فريق داخل الحركة الاستقلالية يريد الحفاظ على الستاتيكو الحالي المتمثّل بالجلوس مع "حزب الله" وتحصينه، فيما يخشى فريق آخر من أن يتطبّع الرأي العام الاستقلالي مع هذا المشهد، وأن تفقد معه ١٤ آذار زخمها وحيويتها وعلّة وجودها، خصوصاً أن لا مؤشرات إلى حلول قريبة للأزمة اللبنانية، واستطراداً لأزمة المنطقة.

وعلى غرار المزاوجة والتوفيق بين مقتضيات تسيير المرافق العامة والتذكير بالفراغ الرئاسي، ستتمّ المزاوجة أيضاً، وبسلاسة، بين متطلبات الاستقرار وإبقاء شعلة ١٤ آذار. فالقرار "الكبير" بالمساكنة مع "حزب الله" لا عودة عنه، أقلّه في المدى المنظور.

وبالتالي، أيّ حراك سيكون ما دون العودة الى قرار المساكنة أو حتى التأثير عليه، خصوصاً أنّ كل مكوّنات 14 آذار الحزبية متفقة على ضرورة استمرار الستاتيكو الراهن، لأنّ البديل، بالنسبة إليها، يمكن أن يجرّ لبنان نحو الفوضى، فيصبح على غرار سوريا والعراق واليمن، فضلاً عن أنّ غياب الموقف الدولي الحاسم يجعل الفوضى مفتوحة.

ومن هنا الدينامية المتوقع إطلاقها في الذكرى العاشرة لانتفاضة الاستقلال هي لإعادة الحياة والروح، ولو نِسبياً، إلى جسم ١٤ آذار الذي دخل باكراً في مرحلة الشيخوخة، فلا أفكار ثورية ولا تغييرية ولا حتى عنفوانية، إنما تنازلات وتسويات وتسليم بالأمر الواقع ومجرد تكرار للمقولات نفسها المتّصِلة بالتظاهرة الكبرى ووحدة اللبنانيين والعبور إلى الدولة والتي، على أهميتها، لم تعد تشكّل جاذباً للجمهور العريض.

وقد يكون ما تحقق في العقد الأخير هو أقصى ما يمكن تحقيقه في ظل الاغتيالات والسلاح والتعطيل، وقد يكون على رأي عام 14 آذار أن يشكر قيادته التي فَضّلت منطق التسويات على منطق الحروب، كما أنّ هذا الرأي العام يدرك انه في غياب البديل لا بد من الحفاظ على الأصيل.

فلا بديل عن 14 آذار اليوم، وعلى رغم مساوئ السياسة الانتظارية، غير أنّ إيجابيتها الوحيدة انها وفّرت على لبنان واللبنانيين الانزلاق مجدداً إلى دوّامة العنف. ولكن لا حلول في المدى المنظور، بل هناك مزيد من المراوحة والجمود، وترحيل الأزمة اللبنانية إلى المعالجات الإقليمية التي لن تأتي، وما على اللبنانيين سوى التكيّف مع هذا الواقع حتى إشعار آخر.

وفي ظل هذا الوقت الضائع لا بد من خطوات تشكّل متنفساً داخلياً. فالمجلس الوطني الذي سيتمّ إطلاقه في هذه الذكرى سيولّد دينامية داخلية بفِعل توسيع قاعدة المشاركة لتشمل كوادر الرأي العام الاستقلالي الذين تمّ تغييبهم عن العمل المؤسساتي المباشر لفترة طويلة.

ومن حقهم الانتظام داخل أطر 14 آذارية على غرار انتظام الكوادر الحزبية ضمن أحزابها، مع فارق أنّ هذا المجلس سيجمع الحزبيّين والمستقلين معاً، ما سيتيح لهم النضال ضمن مساحة تنظيمية واحدة عابرة للطوائف، الأمر الذي سيعيد تقليص المسافات التي فصلت بينهم في السنوات الأخيرة، كما يزيل الترسيمات التي أوجَدتها الظروف والتراكمات.

ويبقى انه لا يجب التقليل من هذه الخطوة التي شكّلت مطلباً مزمناً، ولا يجب التقليل أيضاً من أهمية الوثائق السياسية، ولكن لا يجب في المقابل الإفراط بالتوقعات، لأن لا تغيير في المشهد الوطني، والأمور ستبقى تحت السيطرة، تماماً كما كانت في أمانة ١٤ آذار، ويبدو انه من أجل ضمان ذلك سينتقل سعيد من الأمانة العامّة إلى ترؤس "المجلس الوطني".
 

  • شارك الخبر