hit counter script
شريط الأحداث

نزاع المصارف مع مؤسسة الإسكان: ابحثوا عن أرباح «التأمين»!

الثلاثاء ١٥ آذار ٢٠١٥ - 06:58

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لا تكاد الأزمة بين المؤسسة العامة للإسكان والمصارف تنحسر، حتى تنفجر مجدداً. فلم تمض أيام على إعلان الأمين لجمعية المصارف مكرم صادر نهاية الأزمة واعتبارها «غيمة صيف عابرة»، بعد حصول المؤسسة على سلفة خزينة بقيمة 40 مليار ليرة، حتى طلبت جمعية المصارف توجيهات حاكم مصرف لبنان «كي لا تبقى أسيرة سلف الخزينة». المطلعون على ملفات «الأزمة» يشكّون أن مصدرها يكمن في سعي المؤسّسة للتخفيف من قيمة عقود التأمين المفروضة من المصارف على الزبائن بنسبة تصل إلى 30%


في 5 شباط الماضي، عقد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس مؤتمراً صحافياً بحضور الأمين العام لجمعية مصارف لبنان مكرم صادر ورئيس مجلس الإدارة المدير العام للمؤسسة العامة للإسكان روني لحود. حينها تم اعلان نهاية الأزمة التي نشأت بين المصارف والمؤسسة. قال صادر إن «95% من المشاكل التي كانت موجودة حلّت بمجرد تسلم الوزير درباس مهماته الوزارية وتسلّم رئيس مجلس الإدارة الجديد للمؤسسة مهماته أيضاً، ولا يسعني سوى تقدير الجهود التي بذلتها وزارة المال لتوفير المستحقات المالية للمؤسسة، وهي حقوق لها قبل أن يترتب عليها أي دين للمصارف اللبنانية».

وأشار صادر إلى أن «ما قام بيننا وبين المؤسسة مجرد غيمة صيف، فالمصارف ماضية في مشاريع الإقراض، والتأخير الحاصل في عام 2014 لن يتكرر مرة أخرى. في حساباتنا ان ما يترتب على المؤسسة من فوائد يقارب 226 مليار ليرة سنوياً، فإذا حصلت المؤسسة على كل ما أعلن اليوم فإن الأمور ماشية وستكون وافية لمواجهة ما يترتب على المؤسسة لعام 2015».
بعد نحو ثمانية أيام، أي في 13 شباط عُقد اللقاء الشهري في مصرف لبنان بين مجلس إدارة جمعية المصارف وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة بحضور نواب الحاكم ولجنة الرقابة على المصارف. في هذا الاجتماع طلبت الجمعية توجيهات سلامة «كي لا تبقى المصارف أسيرة سلف الخزينة، قد تُقرّ أو قد تُرفض، كما هو حاصل مع سلفة الـ40 مليار ليرة المستحقة للمصارف على المؤسسة عن عام 2014 وغير المسددة حتى تاريخه، رغم توافق وزيري المال والشؤون الاجتماعية عليها». وبحسب محضر الاجتماع، فإن سلامة ردّ على المصارف بالاشارة إلى أنه «تسلّم كتاب الجمعية الذي يقترح حلاً للمحفظة القائمة بين المؤسسة العامة والمصارف، يتضمن استمرار الدعم للمرحلة الثانية من هذه القروض مقابل إبقاء الفوائد المتدنية للمقترضين»، وأوضح أنه أحال «الموضوع على لجنة مختصة لدراسته، وأنه سيحيله على المجلس المركزي خلال أسبوع ليتخذ القرار المناسب».

اختلال التوازن المالي

هذه المواقف تعيد النقاش إلى نقطة البداية في شأن آلية منح القروض الإسكانية عبر المؤسسة العامة للإسكان. ففي الواقع، إن الآلية المتبعة تقسم القرض السكني إلى فترتين زمنيتين متساويتين؛ في الفترة الأولى يدفع المقترض (للمصرف) القسط الشهري من أصل قيمة القرض (من دون الفوائد) وكلفة التأمين. وفي هذه الفترة تقتطع المؤسسة نسبة 10% من أصل القرض، وتدفع للمصرف الفوائد المترتبة على القرض. وفي الفترة الثانية يدفع المقترض للمؤسسة المبالغ التي سددتها عنه بعد حسم المبلغ الذي اقتطعته، أي نسبة الـ10% من أصل القرض، ويضاف إليها فائدة نسبتها 3%.هكذا يكون المبلغ المقتطع لمصلحة المؤسسة من أصل القرض هو أهم مصدر لتمويل هذه الآلية.

رئيس الجمهورية السابق
سأل أبو فاعور وإدارة المؤسسة: هل تقبل المصارف بهذا الأمر؟

أما المصدر الثاني المهم فهو استرداد المبالغ التي سددتها المؤسسة عن المقترض في الفترة الاولى مع الفائدة عليها. إلا أن التباعد الزمني بين مصادر التمويل (اقتطاع 10% يبدأ فوراً مع القرض، لكن استحقاقات الفترة الثانية قد تمتد إلى ما بعد 15 سنة) يغرق المؤسسة بعجز السيولة نسبياً.
هكذا غرقت المؤسسة بعجز ظهر في حزيران 2014 بقيمة 45 مليار ليرة، ثم استحصلت المؤسسة على سلفة خزينة بقيمة 30 مليار ليرة لتسديد المستحقات. غير أن اختلال التوازن المالي استمرّ وبدأت المصارف تنظر إلى العجز المرتقب في الأعوام المقبلة بعدما تبيّن لها أن النتيجة المالية مع المؤسسة عام 2014 تبلغ عجزاً قيمته 33 مليار ليرة، ما دفع المؤسسة إلى الاستحصل على سلفة خزينة ثانية بقيمة 40 مليار ليرة.
المشكلة في السلفة الأخيرة، أن مرسوم إقرارها يحتاج إلى تواقيع كل الوزراء باعتبارهم يمارسون صلاحيات رئيس الجمهورية. لكن الخلاف السياسي على آلية العمل الحكومي في ظل غياب رئيس الجمهورية دفع بعض الوزراء إلى الامتناع عن توقيع المرسوم وبينهم وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس. ولا يزال مشروع المرسوم عالقاً، حتى الآن، في انتظار إيجاد حلّ لآلية ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية.
المصارف «رهينة»!

هل يعني هذا الأمر أن المصارف وجدت نفسها رهينة سلف الخزينة؟ هل طرحت المصارف إعادة النظر بصيغة التعاون مع مؤسسة الإسكان بناء على هذه التطورات التي لم تكن محسوبة؟ هل فعلاً يتطلب هذا الوضع إعادة البحث في مصادر تمويل المؤسسة العامة للإسكان؟
تشير كل هذه التطورات إلى أن المصارف تتوجس من العجز المالي في مؤسسة الإسكان الذي يجعلها أسيرة سلف الخزينة، أي أسيرة ادارة وزارة المال، علماً أن وزير المال علي حسن خليل عمل على إصدار مرسوم الـ40 مليار ليرة، وأوعز إلى الجهات المختصة في وزارة المال لجدولة سلفة ثانية في نيسان المقبل بقيمة 40 مليار ليرة من أجل تحويل المبالغ اللازمة إلى مؤسسة الإسكان لتسدد مستحقات المصارف. غير أن المعطيات المتداولة في أروقة المؤسسة العامة للإسكان تشير إلى أنه طيلة فترة الأزمة، وما قبلها، كان البحث جارياً عن حلول لمصادر التمويل. فقد اكتشف المدير العام السابق للمؤسسة، محمد يونس، أن عائدات ضريبة التعمير التي تعدّ من حقوق المؤسسة ومن أكبر مصادر إيراداتها ليست مدرجة في موازنة المؤسسة ولم تكن تحوّلها وزارة المال اليها، فطالبها بها. وقد برزت مؤشرات تشير إلى أن قيمة المبالغ المتراكمة تتجاوز 400 مليار ليرة، وهو ما يعني انتشال المؤسسة من عجزها وتحويله إلى فائض. وما حصل يومها، أي عام 2011، أن وزارة المال كانت تعاني من مشاكل في السيولة، فادعت أن المبالغ المستحقة للمؤسسة سقطت بمرور الزمن الرباعي.
أخذت إدارة المؤسسة القضية في اتجاه مختلف، واستصدرت رأياً من ديوان المحاسبة في 30 تشرين الأول 2012 يؤكد أن هذه المبالغ هي من حق المؤسسة وأنها «لا تخضع لمرور الزمن الرباعي باعتبارها بحكم الأمانات تستوفيها الدولة لمصلحة المؤسسة وبالتالي تخضع لمرور الزمن العشري ما لم تتم المطالبة بها قبل انقضاء هذه المدة». وعلى هذا الأساس قرّرت المؤسسة أن تدرج عائدات ضريبة التعمير في موازنتها. وعندما صرّح صادر في 5 شباط أن الأزمة هي «غيمة صيف عابرة» كانت الجمعية على اطلاع بأن هذه العائدات ستعكس وضعية المؤسسة المالية، وبالتالي فإن عودة التوازن المالي إلى حسابات المؤسسة باتت واقعة حكماً.


المشكلة في السلفة
الأخيرة أن مرسوم إقرارها يحتاج إلى تواقيع كل الوزراء
لذلك، بدت شكوى المصارف أمام حاكم مصرف لبنان ومطالبته بدعم قروض المرحلة الثانية «ليس لهما أساس قوي لان المصارف ستحصل على أموالها المستحقة مضافاً إليها فوائد التأخير، وبالتالي لا يوجب هذا الأمر أن تطلب جمعية المصارف من مجلس إدارة المؤسسة العامة للإسكان ومن مديرها العام إعادة النظر بصيغة العلاقة»، كما يقول مصدر مطلع، لا بل إن الأمر «ينطوي على قصّة ثانية».
قصّة التأمين على الحياة

هذه القصّة الثانية هي قصّة التأمين على مبالغ المرحلة الثانية. ففي أيام وزير الشؤون الاجتماعية (وزير الصحة الحالي) وائل أبو فاعور، اقترحت إدارة مؤسسة الإسكان أن يجري تلزيم التأمين على مبالغ المرحلة الثانية من القروض في مناقصة علنية. وقد استشاطت المصارف غضباً من هذه الخطوة لأنها ستخسر جزءاً من الأرباح التي تدرّها عليها بوالص التأمين التي تصدرها الشركات المملوكة من المصارف نفسها للزبائن. فالمعروف أن التأمين على القرض السكني له وجهان؛ الأول هو رهن المسكن لمصلحة الجهة المقرضة، والثاني هو بوليصتا تأمين على الحياة وعلى الحريق لمصلحة الجهة المقرضة أيضاً. وهذا النوع من الضمانات هو استدراك لوفاة المقترض التي تمنعه من سداد القرض. وقد جرت العادة بين المصارف، أن تفرض على الزبائن بوالص التأمين الصادرة من الشركات المملوكة منها أو تلك التي تتعامل معها وهي ترفض سريعاً أي بوليصة تأمين من أي شركة ثانية. البوالص الصادرة تغطي كامل الفترتين الزمنيتين للقرض، أي المرحلة الأولى والثانية، لكنها تسدد بكاملها خلال المرحلة الأولى من القرض.
بالنسبة إلى مؤسسة الإسكان، فإن المرحلة الثانية من القرض حيث تستوفي من الزبائن ما دفعته عنهم من قيمة الفوائد، هي مبالغ باتت في ملكيتها ويمكنها أن تؤمن عليها بدلاً من المقترضين. الدراسات التي أجريت لدى المؤسسة تشير إلى أن قيمة بوالص التأمين ستنخفض بنسبة لا تقلّ عن 25% وقد يصل الانخفاض إلى 30%، فعلى سبيل المثال إن قرضاً بقيمة 250 مليون ليرة لشخص بعمر 35 سنة يتطلب بوليصة لا تقل قيمتها عن 30 مليون ليرة، وفي حال تولي المؤسسة العامة للإسكان تلزيم التأمين على الأموال عبر المناقصات، فإن قيمة البوليصة قد تنخفض إلى نحو 20 مليون ليرة. انخفاض السعر سينعكس سلباً على أرباح شركات التأمين المملوكة من المصارف أو تلك المتعاقدة معها.
ما حصل لاحقاً، هو أن المصارف كانت أقوى من المؤسسة، إذ امتنع وزراء الشؤون الاجتماعية المتعاقبين عن إجراء تلزيم مناقصة التأمين. وكان لافتاً أنه في إحدى الزيارات إلى قصر بعبدا في محاولة لتسويق عملية التلزيم، وجّه رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان سؤالاً إلى الوزير وائل أبو فاعور ومجلس إدارة المؤسسة: هل تقبل المصارف بهذا الأمر؟
في هذا الوقت، اندفعت المصارف نحو «التشدد» في العلاقة مع مؤسسة الإسكان وبدأت تترجم رغبتها في عدم «التساهل» مع المؤسسة، أي أنها لم تعد تريد الانتظار حتى تقبض مستحقاتها بل تريدها فوراً «وباتت تمارس هذا الضغط من أجل حرف الأنظار عن قصّة التأمين على الحياة»، يقول المصدر.

محمد وهبة- الاخبار
 

  • شارك الخبر