hit counter script

مقالات مختارة - دافيد عيسى

التوريث السياسي... والثنائي الدرزي - المسيحي "جنبلاط ارسلان و الجميل فرنجية"

الإثنين ١٥ آذار ٢٠١٥ - 08:16

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

على هامش الاحداث المتسارعة في محيطنا ومن حولنا، تستوقفنا ظاهرة سياسية غير معهودة في طريقتها ولافتة في ظروفها وتوقيتها الا وهي ظاهرة " التوريث السياسي الحيّ والمباشر". فإذا كان التوريث السياسي جزءاً من تراث متراكم ومن منظومة تقاليد وأعراف متبعة في لبنان وبعض البلدان العربية المجاورة، فان الجديد في الموضوع هو ان يتم انتقال الأرث السياسي من الأباء إلى الأبناء على طريقة " التسلّم والتسليم" بين أباء ما زالوا على قيد الحياة وفي أوج عطائهم وذروة حياتهم السياسية، وأبناء باغتتهم مقاليد الزعامة ولم يكن من خيار أمامهم إلا الانخراط المبكر في الحياة السياسية.
هذا كان قدر وليد جنبلاط الذي أُلبس عباءة زعامة الطائفة الدرزية وهو في مقتبل العمر ونجح في تحمل المسؤوليات وفي لعب دور سياسي كان أكبر من حجم طائفته وامكاناتها، وصُنّف دائماً لاعباً حاذقاً وماهراً... وها هو جنبلاط يهُّم اليوم بخلع العباءة بيده على كتف نجله تيمور الذي من حسن حظه أنه سيستلم الزعامة من والده مباشرة وأنه لم يكن في حاجة إلى سفك دماء جديدة لتبوء سدة القيادة.
مما لا شك فيه ان تيمور في كنف والده ودعمه ستكون مهمته اسهل في اقتحام الحياة السياسية من بابها العريض وفي اختصار الوقت والمسافات... لم ينتظر وليد جنبلاط ان يبلغ سن التقاعد أو أن يصبح شهيداً (لاسمح الله) مثل الذين سبقوه من عائلة جنبلاط كي يمسك نجله تيمور بزمام الزعامة. وانما قرر عن سابق تصور وتصميم ان الوقت حان لتمرير الزعامة الجنبلاطية إلى نجله الشاب كي يدخل إلى المعترك السياسي من باب الندوة البرلمانية بعد استقالة مدروسة في توقيتها تخلي مقعد الشوف الأول لنجله وتعطيه الزعامة على طبق من "التزكية".
هذا " الانتقال السلس" للزعامة الجنبلاطية، يحدث مثله في الزعامة الأرسلانية طبعاً مع فارق الاحجام السياسية والشعبية. وها هو الأمير طلال ارسلان يعدّ العدّة لألباس نجله مجيد عباءة البيت السياسي العريق معلناً ان لكل زمن أميره ولكل ظرف احكامه. فالأمير الصغير الذي لم يتجاوز الـ 21 ربيعاً من العمر يتجهزّ لدخول غمار الشأن العام باكراً وتحمل مسؤولية الحفاظ على إرث البيت الأرسلاني بشخصية واثقة، وتواضع واضح وابتسامة هادئة مزوداً بتحصيل علمي في قطاع المال والاقتصاد ومواجهاً وضعاً درزياً صعباً لم يسبق ان كان على هذه الدرجة من القلق وفقدان التوازن.
تيمور وليد جنبلاط ومجيد طلال ارسلان هما امتداد لتاريخ عريق وثنائية تقليدية داخل الطائفة الدرزية، يسعى " الوالدان" إلى إعادة احيائها وتكريسها...
لكن عملية التوريث لا تقتصر على الساحة الدرزية، وانما تشمل وبقوة الساحة المسيحية حيث يرتسم هذا المشهد ايضاً، مشهد ثنائي عند عائلتين سياسيّتين عريقتين (الجميل وفرنجية).
الزعيم الماروني الشمالي سليمان فرنجية عبّر عن رغبة وقرار لديه بان تؤول زعامة بيت فرنجية إلى نجله طوني الذي تفرض عليه التقاليد والأقدار ان يحمل المشعل ويكمل المسيرة. ومن حسن حظه أنه يرث رصيداً وطنياً وسياسياً كبيراً ويدخل الحلبة في ظل والده النائب سليمان فرنجية مستفيداً من خبرته والمامه بدقائق وتفاصيل الحياة السياسية في لبنان... وكلمة حق تقال ان طوني سليمان فرنجية أثبت في بداياته عن جدارة وفي فترة زمنية وجيزة انه شاب واعد ويتمتع بمزايا اخلاقية وهو مثالاً للشهامة والفروسية.
طوني سليمان فرنجية قطع شوطاً متقدماً في بلورة شخصية مستقلة لها طريقتها في التفكير والممارسة، وهو يرفض ان يظل أسير الوراثة السياسية ولذلك لم يتأخر في العمل والتحرك على خطّين: تطوير شخصيته وثقافته وبناء علاقة ثقة ومودّة مباشرة مع الناس، هو الساعي إلى ان يصنع نفسه بنفسه وهو القائل في أحدى المرات: والدي يقف بجانبي ليساعدني ويوجّهني ولكن ليس طموحي أبداً أن أكون صوت أحد آخر. فأنا لي رأيي وطريقة مقاربتي للأمور مغايرة، وأتى تأجيل الانتخابات ليساعدني على بلوة هذا الأمر.
طوني سليمان فرنجية هذا الشاب الواعد على علاقة جيدة مع الجميع فهو محبوب ومقدر من كل اللبنانيين على مختلف توجهاتهم السياسية كونه صاحب اخلاق عالية وتهذيب وتواضع قل مثيله ومعرفة وعلم وثقافة تميزه عن كثيرين من شباب عمره .
وكذلك فان سامي امين الجميل يستعد هو أيضاً لتسلم رئاسة حزب الكتائب بعدما خاض باكراً تجربة نيابية حافلة... فقد قرر الرئيس امين الجميل ان الوقت قد حان كي ينسحب بهدوء مفسحاً في المجال أمام نجله الشاب ليضخ دماً جديداً في عروق الحزب العريق والعتيق.
سامي الجميل سليل بيت وطني التصق بتاريخ لبنان وساهم في صناعته وقدّم التضحيات والشهداء وعلى رأسهم رئيس الجمهورية الشهيد الشيخ بشير الجميل وبيار امين الجميل وغيرهما. نجح الجميل الأبن في اثبات وجوده وصياغة شخصيته وفي اجتذاب التأييد والأنظار، لأنه لم تلوثه السياسة بعد، ومؤمن بصيغة الوجود المسيحي ومتحمس لها ويتمتع بروح النضال والالتزام. فلا ينزلق إلى متاهات وسياسات عبثية، ويعرف كيف يحافظ على سياسة راقية نظيفة في زمن الانحدار والهبوط وفي بيئة وسخة وموبؤة.
سامي امين الجميل لم يحجز لنفسه مقعداً نيابياً ودوراً سياسياً ومكاناً في قلوب الناس لأنه ابن عائلة سياسية وابن رئيس سابق، وانما لأنه قدم نموذجاً ناجحاً في مقاربة الأمور والأحداث استحوذ على اهتمام الجيل الجديد وأُعتبر جديراً بالتشجيع والمتابعة عند أرباب الطبقة السياسية... وبقدر ما نجح سامي الجميل في ردّ الاعتبار السياسي لحزب الكتائب وفي ان يجعل منه قوة اعتدال وتوازن، نجح ايضاً في تفادي التورط في لعبة الانقسام المسيحي وفي الابتعاد عن كل ما يفرّق ويقسم وفي الانخراط بكل ما يجمع ويقرّب عند المسيحيين الذين انهكتهم الانقسامات والخلافات وسئموا منها.
ولكن يبقى السؤال هل سئم هؤلاء الزعماء السياسة الهابطة في مستواها والمليئة بالمناكفات والمشاحنات، ليقرروا التنازل لأبنائهم ؟ أم ان هناك أسباباً أخرى دفعتهم إلى هذا الانسحاب الطوعي وإلى هذا التوريث السياسي الذي لم يسبق له مثيل، إذ لم يسبق ان ورث أبن أباه وهو ما زال على قيد الحياة " دنيوياً وسياسياً " ؟
أغلب الظن ان هؤلاء الأباء يستشعرون الفارق الكبير بين الظروف التي تسلموا فيها الزعامة والظروف التي يسلمون بها زعامتهم التي بُنيت وارتفعت سريعاً على دماء الشهداء وأمجاد الحروب ... وأما جيل الشباب، جيل ما بعد الحرب فأنهم يدخلون المعترك السياسي في ظروف بالغة الدقة والصعوبة وعليهم ان يبنوا زعامتهم حجراً حجراً وان ينسجوا عباءتهم خيطاً خيطاً، وان يستندوا إلى خبرات وتجارب من سبقوهم وان ينهلوا من عبر وامثولات الماضي وليس أمامهم الوقت والترف السياسي ليأخذوا وقتهم ويفرضوا وجودهم وانما هم في أمس الحاجة لمن يرعاهم ويرشدهم ويساعدهم على تثبيت زعامتهم وتركير أوضاعهم وتذليل العقبات ونزع الالغام من طريقهم...
لكن ولنقل الامور بصراحة، أنه في عملية انتقال الزعامة والأرث من جيل إلى جيل، فان الأمر يثير مشاعر متضاربة ومختلفة، سلبية وإيجابة، محبطة ومشجعة.
فمن جهة تساهم عملية التوريث السياسي وتناقل الزعامة بدل تداولها، في احباط عزيمة الشباب وأصحاب الكفاءات والطاقات والمواهب الذين يجدون ان الآفاق مقفلة أمام طموحاتهم وأحلامهم وان المقاعد الأساسية الأمامية محجوزة للورثة المحظوظين أو أصحاب الجاه والمال.
وهذا الواقع الذي يشعر فيه الشباب والجيل الجديد يضيّق مساحة الأمال والطموحات معنوياً ونفسياً، ويعكس أزمة متأصلة ومزمنة في النظام اللبناني السياسي والاجتماعي المبني على فكرتي الطائفية والعائلية، والمحتاج إلى اصلاحات جذرية وواسعة تبدأ من قانون الانتخابات وتنتهي إلى الدولة المدنية.
ومن جهة ثانية، تبعث عملية التوريث السياسي لمصلحة جيل الشباب على التفاؤل والارتياح لانها ستضخ دماً جديداً في عروق الحياة السياسية المترهّلة والهرمة، وستؤدي إلى حالة انعاش للامال وإعادة بناء الثقة وردم الهوة بين الناس وقياداتهم... وهذا أكثر ما ينطبق ويصح على الساحة المسيحية التي تتلهف إلى رؤية التجديد والتغيير، التجديد في الذهنية والممارسة، والتغيير في الوجوه السياسية.
اللبنانيون عموماً والمسيحيّون خصوصاً سئموا وملّوا الخلافات والخيبات والاحقاد بين سياسييهم الذين لا يفعلون شيئاً لمنع انتقال أجواء الكراهية من جيل إلى جيل وللحد من حالة التوتر ... والانقسام في المجتمع القلق على مصيره ومستقبله وسط ظروف دقيقة وخطيرة أحوج ما نكون فيها إلى الوحدة والتفاهم.
المسيحيّون لديهم نزعة أكيدة إلى التغيير والافساح في المجال أمام وجوه جديدة شابة واعطائهم ما يلزم من فرص ودعم وتشجيع. وقدر سامي الجميل وطوني فرنجية وغيرهم ان يستلموا إرثاً عائلياً وسياسياً ومسؤولياتهم في ان يختطوا لأنفسهم خطاً جديداً مميزاً أو أن يسلكوا نهجاً وطنياً قويماً مستنداً إلى القيم والمبادىء، ساعون إلى تأمين مصالح المسيحيين وصيانة وجودهم ودورهم ومستقبلهم...
 

  • شارك الخبر