hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - ناصر زيدان

اللبنانيون متمسكون بالدولة رغم كل الخلافات

الإثنين ١٥ آذار ٢٠١٥ - 05:19

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الانباء الكويتية

الارتجاجات غير الطبيعية التي تُصيب لبنان من جراء الازمات الداخلية المُتراكمة، ومن انعكاسات الاوضاع غير الطبيعية والمتوترة في محيطه، لم تؤسس لمقاربات جديدة يمكن ان تلغي العقد الاجتماعي الذي بُنيت مداميكه في العام 1920 واستُكملت في العام 1943، وتمَّ ترميمها في اتفاق الطائف في العام 1989 - وبصرف النظر عن الشكوك في مدى مُلاءمة الصيغة اللبنانية الحالية لمعايير القوانيين الدولية، ولإخلال هذه الصيغة بمبدأ المساواة من خلال اعتمادها على الطائفية السياسية، التي تحمل شيء من التمييز بين المواطنيين - لكن هذه الصيغة تبقى افضل المُمكن لتأمين الاستقرار لدولة فيها تنوعٌ غريب عجيب من القوى السياسية والطائفية، وكلأٌ منها له ارتباطاته ومرجعياته في الخارج.
بالرغم من كل الشوائب التي تُحيط بالوضع اللبناني، يبقى لبنان بلد التسويات، ومُبتكر المُعالجات، ويحمل في كنفهِ خلطةٌ مُتميزة، تجمع بين الرُقي الحضاري الذي يستند الى الاعراف والقوانيين، وبين العشائرية والعصبية التي تحمل في طياتها بعضاً من الفوضى التي تبعث على التشتُّت وتُهدِدُ بالانحلال.
صُودِف ان اكون احد المُشاركين في طاولة حوار جمعت كوكبة من الشخصيات اللبنانية من مختلف الاتجاهات السياسية والدينية والاجتماعية واساتذة في علم السياسة والقانون، انعقدت بشكل مُغلق في كلية الطب في الجامعة اليسوعية في بيروت الاسبوع الماضي، وكان عنوان الحوار " مستقبل لبنان في ظلِّ الاخطار المُحيطة به ". النقاش الذي دار بين الحاضرين- ومنهم نواب وقيادات حزبية- تناول قضايا جوهرية، غالباً ما تراعي وسائل الاعلام عدم التطرُّق اليها في العلن، فرغم كل شيء مازال اللبنانيون يراعون بعضهم البعض في مسائل حساسة، كما ان لكل من مكونات المُجتمع اللبناني خصائص، عادةً ما لا يبوُح افراد احدى هذه المجموعات بخصائصهم الاجتماعية والدينية والسياسية امام افراد من المجموعات الأُخرى، إلا ان سرية المداولات التي جرت على الطاولة المذكورة بعيداً عن وسائل الاعلام، سمحت لبعض المُشاركين التحدُّث بأكثر مما يُسمح به في النقاشات العلنية.
مما لا شك فيه ان الاختلافات السياسية بين اللبنانيين واسعة جداً، وقد توضَّحت مُعطيات مُخيفة عن توقعات مُستقبلية لا تبعثُ على الاطمئنان، خصوصاً منها الحديث عن الانشطار الواسع بين شرائح البيئة الاسلامية، او ما يُطلق عليه ( الصراع السني- الشيعي ) فقوى اساسية من مُمثيلي الحراك المُعلن من الفريقين، ينسبون مثلا: كل دور يقوم به حزب الله- لاسيما في سوريا- الى كل الشيعة، وفي الجهة المُقابلة يتم الصاق كل افعال المنظمات التكفيرية المُتطرفة- مثل داعش وغيرها- الى كل السُنَّة، وهذا بالتأكيد تشخيصٌ غير واقعي، وغير صحيح، ولكن عدم صحته لا يخفي بالضرورة ارتداداته، وكونه سبب رئيسي للتوتر القائم بين الفريقين.
اما على الضفة المسيحية، فإن المخاوف المُستقبلية، تتزايد بشكلٍ واضح، من جراء الاستهدافات الوجودية لهؤلاء في العراق وسوريا وليبيا، ومن جراء الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية في لبنان للشهر التاسع على التوالي، والرئاسة اللبنانية بالنسبه للمسيحيين لها رمزيتها الكيانية، كما لها صلاحياتها الضامنة من اي تجاوزات.
بصرف النظر عن بعض الصراخ الذي قد يتجاوز حدود الاختلافات الديمقراطية في الرأي، برزت مجموعة من المُحددات التي تبعث على التفاؤل، ولها دلالاتها الواسعة، ويمكن ان تكون خميرة في وعاء تُعجَنُ فيه وليمةُ المُستقبل، تحمل بذور وحدةٍ اكثر مما تحمل بذور تفرقة، بالرغم من الصورة المُخيفة التي تظهر على شاشة المشهد.
اولاً: كل الاطراف السياسية اللبنانية، ومعهم ممثلي المجتمع المدني والأكاديمي، مُقتنعون بالابقاء على العقد الاجتماعي القائم بين اللبنانيين، والذي ينتجُ عنه سلطة سياسية، فيها من المؤسسات المدنية والقضائية والعسكرية والمالية، ما يُحافظ على حياة المواطنيين واستقرارهم ومُستقبلهم، وكل الاطراف والقوى مُتفقة على انه لا يوجد اي بديل عن هذه المُشتركات، والدولة الموحدة - على هشاشتها - تبقى ضرورةٌ وطنية جامعة، وتفكيكها يُصيب البلاد بفوضى واضطراب لا يمكن لأحد تحمُّل نتائجه، حتى اولائك الذين يشعرون بفائض من القوة.
ثانياً: هناك قناعة عند كل اطراف العقد اللبناني، انه لا يمكن لأي جهة حزبية، او طائفية، ارساء مُقاربة سياسية وقانونية قابلة للحياة، مهما كان حجمها السياسي، او العسكري، والتعاون مع المكونات الأخرى ضرورة لا يمكن تجاوزها، مهما بلغ حجم الاختلاف. وما ينطبق على الخصوصية اللبنانية بفسيفسائها المُربِك، لا يتشابه مع اي كيانٍ آخر في المنطقة، اذا لم نقُل في العالم. فلبنان اكبر من بلد، انه رسالة، وفقاً لتعبير الارشاد الرسولي.
مجموعة الاختلافات العميقة بين اللبنانيين على القضايا الداخلية الحساسة، ومنها الاخفاق في انتخاب رئيس جديد للجمهورية وعدم التمكُّن من اجراء انتخابات نيابية، كما التباينات الواسعة حول ما يحصل في المنطقة- خصوصاً في سوريا والعراق- كل ذلك يعطي الاهمية لما يجري من حوارات داخلية بين قوى لا يمكن لها ان تتفق على خطٍ سياسيٍ بيانيٍ واحدا، خصوصاً حزب الله وتيار المُستقبل، والتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، ولكن هذه الحوارات تؤكِّد ان اللبنانيين متمسكون بوحدة الدولة ومؤسساتها، وليس لهم خيارٌ آخر غير ذلك رغم اتساع الخلافات، والحوار له دلالات ساهمت في خفظ التوتر، بصرف النظر عن النتائج.
 

  • شارك الخبر