hit counter script

مقالات مختارة - ناجي البستاني - الديار

ظاهرة "الوزير الواحد المعطل" شلت الدولة "المستقبل" و"8 اذار" في خندق واحد لمواجهتها

الأحد ١٥ آذار ٢٠١٥ - 08:52

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

"الديار"

بعد أن كان «الثلث المُعطّل» كفيلاً في السابق بعرقلة سير عجلة الدولة ومؤسّساتها الرسميّة، وفي طليعتها العمل الحكومي والقرارات الصادرة عن مجلس الوزراء مُجتمعاً، بات لبنان يواجه حالياً مُشكلة جديدة أشدّ عمقاً وتأثيراً من ظاهرة «الثلث المعطّل»، تتمثّل في ظاهرة «الوزير الواحد المُعطّل»، بحيث صار مُطلق أيّ وزير يتمتّع بسلطات تفوق بأشواط تلك التي كان يجهد لتحقيقها وزراء مُخضرمون وُصفوا في السابق بعبارة «سُوبر وزير». فما هي أسباب الشلل الحالي، وهل من أفق قريب للحلّ، وهل يُعقل أن يُصبح وزراء «تيّار المُستقبل» في خندق واحد مع وزراء قوى «8 آذار»؟
بحسب أوساط في «تيّار المستقبل» إنّ رئيس الحكومة تمّام سلام مُمتعض من انهيار أساس فكرة حكومته، أي «حكومة المصلحة الوطنيّة»، حيث غابت هذه المصلحة الوطنيّة تماماً في ظلّ تعثّر العمل الحكومي، إلى درجة كبيرة، بلغت أخيراً حد الشلل التام، الأمر الذي انعكس سلباً على طبيعة عمل مؤسّسات الدولة، وعلى سبل تصريف شؤون المواطنين. وبالكاد يعمل مجلس الوزراء كحكومة تصريف أعمال، اذ انّ كل القرارات المُهمّة، إن على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الأمني، متوقّفة تماماً، بفعل قدرة وزير واحد في الحكومة على عرقلة توافق نظري يجمع بين ثلاثة وعشرين وزيراً! أكثر من ذلك، إنّ شكوى الرئيس سلام - بحسب هذه الأوساط، تُركّز على أنّه لا يشعر بموقعه كرئيس لمجلس الوزراء، اذ انّ سلطات أيّ وزير وفق طبيعة العمل الحالية تُوازي سُلطات رئيس الحكومة، لجهة القدرة على المناقشة وطرح المواضيع وتُوازي خصوصاً سلطات رئيس الجمهورية لجهة القدرة على العرقلة ووضع «الفيتوات»! ويرغب الرئيس سلام بتسيير العمل الحكومي بشكل طبيعي لا أكثر، وهو لا يريد بتاتاً التعرّض لأيّ من المناصب المسيحيّة أو لأيّ من سُلطاتها والصلاحيّات المنوطة بها.
في المقابل، إنّ فريق «8 آذار» في الحكومة، وفي طليعته «حزب الله» يرغب، بحسب أوساط سياسيّة مطّلعة، بالحفاظ على الاستقرار الذي تأمّن منذ تشكيل حكومة الرئيس سلام في شباط 2014، أي قبل أكثر من عام. وهو بالتالي، يريد تسيير العمل الحكومي بأيّ شكل من الأشكال، شرط عدم استفزاز أيّ فريق حليف مثل «التيار الوطني الحرّ» أو «تيّار المردة»، على مستوى السلطات الممنوحة للمسيحيّين. وانطلاقاً من هذه الزاوية التقت مصلحة «الحزب» وقوى «8 آذار» عموماً، مع مصلحة «تيّار المستقبل»، لإعادة الجميع إلى طاولة مجلس الوزراء، وبطبيعة الحال لتسيير العمل الحكومي، ولوّ من زوايا ومصالح مختلفة تماماً. وأضافت هذه الأوساط أنّ «التيّار الأزرق» يريد مُواصَلة واقع تقاسم السلطة الذي جرى التوافق عليه عشيّة إعلان حكومة الرئيس سلام وكذلك مواصلة حد أدنى مقبول لمفهوم حكم الدولة والسلطات الرسميّة، في حين أنّ همّ «حزب الله» الأوّل والأخير يتمثّل في الحفاظ على الاستقرار الداخلي وفي عدم ابتداع مشاكل إضافيّة، وذلك للتفرّغ للهموم الإقليميّة الكثيرة والخطيرة، وكلاهما له بالتالي مصلحة في استمرار «الأمر الواقع» الذي كان قائماً قبل اتخاذ قرار وقف الاجتماعات الوزارية إلى حين التوافق على صيغة حكم عملانيّة وواقعيّة.
من جهة أخرى، إنّ امتعاض الوزراء الذين اجتموا مرّتين حتى اليوم، تحت راية «اللقاء التشاوري» يتركّز، بحسب أوساط سياسيّة مُطلعة على طبيعة هذه النقاشات، على خطر تجاوز مسألة الفراغ الرئاسي، والتعامل معها وكأنّها «لزوم ما لا يلزم» أو «مجرّد تفصيل لا يُقدّم أو يؤخّر في الحياة السياسيّة اللبنانيّة»، وهذا يُمثّل لبّ المشكلة. وأضافت هذه الأوساط أنّ أحداً من الوزراء المسيحيّين الذين التقوا في دارة الرئيس السابق العماد ميشال سليمان في عمشيت، ثم في دارة الرئيس السابق الشيخ أمين الجميل في سن الفيل، لا يريد شلّ العمل الحكومي أو حتى عرقلته، انما العكس هو الصحيح، وكلّ ما ينشدونه يتمثّل في عدم تغييب واقع الشغور الرئاسي بحجّة تسيير عجلة الدولة فقط لا غير. وتابعت هذه الأوسط إنّ التُهم المُوجّهة إلى «اللقاء التشاوري» بأنّ هدفه تشكيل «ثلثاً معطّلا» في حال نجاح الجهود الحالية في تجاوز «صوت الوزير الواحد المعطّل» غير صحيحة، ولكن المسألة مبدئية ومرتبطة بعدم تجاوز الدور المسيحي كشريك أساسي وفاعل في الحكم في الجهمورية اللبنانية.
في الختام، لا بُدّ من التذكير أنّ جذور المشكلة الكبيرة التي يُواجهها الحكم في لبنان حالياً تعود إلى الشغور الحاصل في منصب رئيس الجمهورية، ذلك أنّ من شأن معالجة موضوع الشغور على مستوى رئاسة البلاد، أن يعيد توزيع السلطات بالشكل المنصوص عليه بالقانون، بحيث يتصرّف كلّ من رئيس الجمهورية المُنتخب كرئيس أعلى للبلاد، ورئيس الحكومة المُكلّف كرئيس لمجلس الوزراء، والوزراء المُعيّنين كوزراء بالسلطات التي يمنحهم إيّاها المنصب الوزاري المُسند إليهم لا أكثر، من دون حقّ النقض الموازي لسلطات رئيس الجمهوريّة. ويبدو أنّ الحلّ للأزمة الحكوميّة الحالية، بحسب أوساط سياسيّة مطلعة، سيكون مرّة جديدة «على الطريقة اللبنانيّة»، أيّ أن يتم تقسيم مواضيع البحث إلى فئتين: الفئة الأولى مُهمّة وتتطلّب توافق الممثّلين الرئيسيّين للكتل السياسيّة الثلاث الكُبرى في الحكومة، أيّ كل من فريقي «8 و14 آذار» إضافة إلى الوسطيّين، والفئة الثانية مواضيع غير مهمّة وثانوية بحيث تتطلّب نوعاً من الأغلبيّة حولها لتمريرها، من دون السماح لوزير أو لوزيرين بعرقلتها.
 

  • شارك الخبر