hit counter script

أخبار اقتصادية ومالية

البنك الدولي: حلول افتراضية لمشاكل حقيقية

السبت ١٥ شباط ٢٠١٥ - 09:14

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

يحار البنك الدولي في ابتداع وصفات «التنمية» و«خلق الوظائف» التي لا تقارب وضع سياسات عامة لتطوير قطاعات الاقتصاد الحقيقي المنتج بشكل خاص

انطلقت أعمال مشروع «النظام البيئي للإنترنت الجوال» Mobile Internet Ecosystem Project، الذي تبلغ قيمته 12.8 مليون دولار، تموّل الدولة نصفها مباشرة، وتموّل النصف الآخر عبر قرض من البنك الدولي بقيمة 6.4 ملايين دولار. اتفاقية هذا المشروع وقّعها منذ أيام مدير البنك الدولي في الشرق الأوسط فريد بلحاج ووزير الاتصالات بطرس حرب الذي قال إن هدف القرض «مساعدة وزارة الاتصالات على إطلاق مشروع إنشاء مؤسسة غير حكومية تشارك فيها وزارة الاتصالات والحكومة اللبنانية، إضافة الى مؤسسات المجتمع المدني التي تعنى بالتطور التكنولوجي». بحسب «وثيقة تقييم المشروع» الصادرة عن البنك الدولي، يمتد البرنامج لـ6 سنوات من الزمن، ويُفترض بالمكوّن الأوّل منه، «تنمية المهارات واستقطاب المواهب» (كلفته 1.75 مليون دولار)، أن «يزيد مهارات إطلاق المشاريع والتدريب العملي»، وذلك «لمعالجة الفجوة في المهارات بين خرّيجي الجامعات» والاحتياجات الفعلية للعاملين في القطاع من مطوري برمجيات الحاسوب وخريجي الجامعات وأصحاب مشاريع ناشئة في مجال الانترنت الخلوي.

أما المكوّن الثاني، «تعزيز صناعة الانترنت عبر الخليوي»، (كلفته 2.90 مليون دولار)، فيهدف إلى «استحداث الأدوات من أجل تفاعل القطاع وتطوير شبكات الابتكار حتى تبلغ مرحلة النضج ومستوى التنافسية العالمية». وأبرز الأدوات تلك مشروع منتدى MiHub لتحفيز التعاون ونقل المعرفة العالمية والممارسات الفضلى. يهدف المكون الثالث للمشروع، «تعزيز البيئة التمكينية للإنترنت عبر الخليوي» (كلفته 0.5 مليون دولار)،إلى «تقييم موقع لبنان التنافسي في الصناعات المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات»، أي تقييم الوضع الراهن للخدمات تلك بهدف رسم «خارطة الطريق» لتوسيعها. أما مكون «إدارة المشاريع» المذكورة (كلفته 0.75 مليون دولار)، فمحوره «جمع البيانات حول مؤشرات قياس تقدم المشروع»، وتمويل «عمليات المسح» لكل ما يتعلق ببنى اتصالات الإنترنت، كما الدراسات والمؤشرات ذات الصلة. ويشمل المكون الأخير أيضاً «الأجور والتدريب المخصص لطاقم عمل فريق الإدارة المالية والمشتريات»، وأيضاً رواتب «الاستشاريين».
يرسم تقرير «لبنان: تطوير بيئة إنترنت لإبقاء المواهب الشابة في الوطن» خلفية المشروع، فيقدّر نسبة بطالة الشباب في لبنان بـ34%، مع طلب محلي ضعيف على اليد العاملة المؤهلة علمياً لكن غير ذات الخبرة، عازياً ضيق فرص العمل إلى عدم الاستقرار السياسي و«اللايقين الاقتصادي» الذي يتسبب في «هجرة الأدمغة عند حوالى 40% من المتخرجين الذكور و30% من المتخرجات الإناث». يتحدث التقرير عن «مبادرات لخلق الوظائف والحد من هجرة الشباب، منها (دعم) مبادرات الأفراد والشركات الناشئة والشراكات بين القطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية»، قائلاً إن لبنان «يتخلف» في هذا السياق عن «خلق الحماسة للعمل بين الشباب وشمولهم بالإبداع التكنولوجي على مستوى الإقليم والعالم»، مقترحاً «تحفيز الشباب» عبر «النصح والتنسيق والتمويل وتقديم المعلومات»! (يفصل البنك الدولي بذلك مشكلة بطالة الشباب عن مشكلة البطالة عامة، ويغيّب أسبابها الاقتصادية البنيوية، كانهيار قطاعات الاقتصاد الحقيقي المنتج وتردي البنى التحتية والإدارات العامة، طارحاً سراب حلول افتراضية). «خدمات الإنترنت الجوال تؤمن وصول المؤسسات الناشئة للأسواق العالمية، وتعطيها فرصة تطوير مبادرتها خارج القيود المحلية»، يقول التقرير، مشيراً إلى أن الخدمات هذه «تخفض كلفة التعاملات بالنسبة للسلع والخدمات الجديدة، وتخفض مخاطر الخسارة عند تحويل الأفكار إلى أعمال تجارية». للبنان ميزات تؤهله لتطوير الخدمات تلك، منها مستوى تعليمي عالٍ لعموم السكان و«عمل الاقتصاد بعملات متعددة»، يقول التقرير، لاحظاً تبلور عناصر من «البيئة التكنولوجية» كـ«حاضنات» لشركات المعلوماتية الناشئة، و«أساس صلب لمواهب الإنترنت يتمثل بصناعة مصرفية وإبداعية».
إلى جانب تأمين قنوات إضافية لتصريف فائض السيولة لدى المصارف اللبنانية، وبيع أوهام التنمية وحل أزمة البطالة في الاقتصاد الافتراضي لا الحقيقي، يعلن القيمون على مشاريع كهذه أهدافها السياسية دونما حرج. سأل عضو في البرلمان التونسي الباحث في البنك الدولي جولان عبد الخالق عن الحكمة من إعطاء الأولوية لمد خطوط الألياف البصرية إلى قرية نائية «عوض تحسين خدمات أساسية كشبكتَي الكهرباء والمياه»، فأجابه عبد الخالق، وفق مقال للأخير بعنوان «الإنترنت السريع وقيم الربيع العربي»، بأنه يجب أن يُنظر إلى الاستثمار في الإنترنت كـ«بسط لقيم الربيع العربي، وليس كمجرد نشاط اقتصادي»! «لعبت شبكة الإنترنت دوراً رئيسياً في دفع عجلة الاشتمال الاجتماعي والمساءلة وحقوق الإنسان والمشاركة المدنية. وخلال الربيع العربي، جعل الدور القوي الذي تلعبه برامج التواصل الاجتماعي من شبكة الإنترنت أداة لتمكين الديمقراطية والتحول الاجتماعي»، يوضح عبد الخالق، موضحاً أن «الديمقراطية» هذه «لا يمكن أن تنجح تماماً إلا إذا تمكنت البلدان من الحفاظ (!) على نمو اقتصادي قوي، بالإضافة إلى حرية التعبير، يُترجم إلى فرص عمل للشباب». لكن الرهان بالنسبة إلى عبد الخالق هو ليس قطاعات الإنتاج الحقيقي والبنى التحتية الداعمة لها، فتلك نغمة قديمة عفى عليها الزمن! «يحتاج العالم العربي إلى التحدث بلغة المستقبل»، يقول عبد الخالق، معتبراً «البيانات والمحتوى عبر الإنترنت» التي ستنتجها وتتناقلها «50 ملياراً» من الأجهزة المتصلة بالإنترنت بحلول عام 2020 «وقود ونفط المستقبل» الذي سيخلق النمو والوظائف!
"الاخبار - فراس ابو مصلح"

  • شارك الخبر