hit counter script

مقالات مختارة - طارق ترشيشي

باكورة الإتّفاق النووي... الإستحقاق الرئاسي

السبت ١٥ شباط ٢٠١٥ - 07:12

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

يُجمِع مسؤولون وسياسيّون كثيرون على أنّ آذار سيكون شهرَ البَدء بإنجاز الاستحقاقات الكُبرى التي تمهّد للاستحقاقات الصغرى على مستوى الإقليم كلّه، ويسود اقتناعٌ داخليّ بأنّ الاستحقاقَ اللبنانيّ سيكون باكورة البَدء بإنجاز بقيّة الاستحقاقات بمُجَرّد إعلان الاتّفاق المنتظَر بين إيران ومجموعة الدوَل الخمسة زائداً واحداً إثر جولة المفاوضات المقرّرة في 16 من الشهر المقبل.
في انتظار إعلان الاتّفاق على الملفّ النوويّ الإيراني والذي باتَ حديث كثير من الأوساط والقيادات على مستوى لبنان والمنطقة فإنّ الساحة الداخليّة ستشهد حركة سياسية نشِطة غايتُها التحضير لإنجاز الاستحقاق الرئاسيّ، ما يتطلّب حسمَ الخيارات في شأن الترشيحات المطروحة، خصوصاً أنّ بعض هذه الترشيحات باتَ يشكّل حائلاً دون النفاذ إلى انتخابات رئاسيّة تُنهي الشغور الرئاسيّ وتفتح الأبواب لإعادة تكوين السلطة.

وقد اكتسبت اللقاءات التي عقدها الرئيس سعد الحريري الموجود في الرياض، والذي سيعود منها قريباً، أهمّيةً لأنّها أنتجت أوّل اتّفاق بينه وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري، على أن يبدأ البحث في انتخابات رئاسة الجمهوريّة في الجولة الحواريّة السادسة الأسبوع المقبل بين حزب الله وتيار المستقبل، وهو ما سيُشجّع الأفرقاء الآخرين على البحث أيضاً في هذا الاستحقاق، خصوصاً في الشارع المسيحيّ الذي تُراوح فيه المعلومات عَمّا يدور من تشاور بين القيادات المسيحيّة عموماً، وبين التيار الوطني الحرّ والقوّات اللبنانيّة خصوصاً، بين متفائل وآخَر متشائم.

فرئيس مجلس النوّاب دعا ولا يزال إلى تفاهُم بينَ القيادات المسيحيّة على الاستحقاق الرئاسي من بوّابة التوافق على عرض الأسماء، ليبدأ البحث فيها مع الأفرقاء الآخرين، لكنّ الرجُل لا يُبدي ارتياحاً إلى مواقف بعض القيادات المسيحيّة لأنّها لا تساعد في التوصّل إلى التوافق.

وثمّة مَن قال إنّ اجتماعَ برّي الأخير بالحريري ركّزَ في الخلوة الثنائيّة التي انتهى إليها على الاستحقاق الرئاسيّ من زاوية أنّ البلاد باتت مهدّدةً بتعطيل كلّ مؤسّساتها الدستوريّة، فالمجلس النيابي يقتصر نشاطه على اجتماعات اللجان النيابيّة، ولا يعقد جلسات تشريعيّة. وجاءَ الخلاف على آليّة اتّخاذ القرارات في مجلس الوزراء ليُهدّد بتعطيل الحكومة الذي من شأنه، إذا حصل، أن يشلّ عمل كلّ الإدارات والمؤسّسات.

لا حَلّ سوى بالاتّفاق

هذا الواقع ولّدَ اقتناعاً لدى الجميع على جبهتَي 8 و14 آذار بأنْ لا حَلّ للخروج من هذه الأزمة إلّا بالاتّفاق على انتخاب رئيس جمهوريّةٍ يَليه تأليف حكومة وفاق وطنيّ تذهب إلى إجراء انتخابات نيابيّة لإنتاج مجلس نيابي جديد، وإلّا فإنّ البقاء في واحة الخلاف على طريقة اتّخاذ القرارات في مجلس الوزراء الذي يتولى صلاحيات رئاسة الجمهورية الشاغرة، لن يحصد لبنان منه إلّا العواصف والأزمات الداخليّة، ناهيكَ عمّا يُعانيه من مخاطر وتهديدات على الصعيد الأمني، سواءٌ في الداخل، أو على حدوده الجنوبيّة حيث إسرائيل، وحدوده الشرقيّة حيث الجماعات المسلّحة المتطرّفة التابعة لـ«داعش» و«النصرة» وأخواتهما.

جوجلة خيارات

ويؤكّد سياسي تَسنّى لهُ الاطّلاع على جانب ممّا يجري في الكواليس أنّ القوى السياسيّة المؤثّرة بدأت تُجوجل خياراتها الرئاسيّة، في اتّجاه أن تحسم في تعاطيها مع المرشّحين الذين يلوذون بها، أو الذين يُحاورونها في ترشيحهم، إذ مثلما هو مطلوبٌ في فريق 8 آذار أن يحسم خياراته وترشيحاته، مطلوبٌ أيضاً من فريق 14 آذار حسمَ خياراته في هذا المضمار.

وتوَقّع هذا السياسيّ أن تتبلور هذه الخيارات عَمليّاً في قابل الأيّام، من دون انتظار نتيجة الجولة التفاوضيّة بين إيران والدول الغربيّة في 16 الشهر المقبل للبناء عليها في التعاطي المستقبلي مع الأزمة الداخليّة، لأنّ هذه النتيجة ستكون وليدةَ اتّفاق باتَت تفاصيله واضحةً بالنسبة إلى المعنيّين وإلى ملوك ورؤساء عدد من دول المنطقة والعالم، لدرجة أنّ بعض هؤلاء بدأ يُجاهر عَلناً بما لديه من معلومات عَن هذا الاتّفاق الذي يراوح بينَ أن يكون «إعلان مبادئ» أو اتّفاقاً، علماً أنّ المعلومات تشير إلى أنّ الجانب الإيراني أبلغَ إلى الجانب الأميركي «أقصى الممكن وأقصى المستحيل» بالنسبة إليه في الاتّفاق المنشود. وطلبَ منه تسويقه لدى كُلّ مراكز القوى داخل الولايات المتّحدة الأميركيّة.

حيويّة إيرانيّة

وفي هذا السياق، يعتقد أحد السياسيّين أنّ المنطقة كلّها تقف الآن على رِجلٍ واحدة بانتظار ما سيحصل بين الادارة الاميركية وإيران، لأنّ في ضوئه سيرتسم سياق كلّ الأحداث والتطورات الجارية في هذه المنطقة وعلى المستوى العالمي، علماً أنّ التفاوض الجاري بين الجانبين والذي سيشهد الاسبوع المقبل لقاءً جديداً في سويسرا بين وزيرَي الخارجية الاميركي جون كيري والإيراني محمد جواد ظريف سجّلَ حتى الآن بمُدَدِه الزمنية، رقماً قياسياً إذا ما قورِنَ بالساعات التي أمضاها كيري مع نظرائه الأوروبّيين ومع وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف.

وهذا يعني أنّ المسألة ليست في الملف النووي الإيراني وإنّما بالحيويّة التي تملكها إيران في هذه اللحظة السياسيّة على مستوى المنطقة والعالم، على رغم ما تُعانيه من حصار وعقوبات، وهذه الحيويّة تؤكّد أنّ سياق التفاوض الأميركي - الإيراني سينتهي إلى نتيجة، لأن الفشل ممنوع بالنسبة إلى الطرفين، وأمّا تظهير الاتّفاق فإنّه سيكون رهن الأسابيع المقبلة.

محاذير أمنيّة

وفي انتظار حسم القوى الداخليّة خياراتها ومواقفها من الترشيحات الرئاسية المطروحة، فإنّ ثمّة محاذير أمنية موجودة في البلاد، وقد شكّلت الخطوة الاستباقية التي نفّذها الجيش اللبناني في جرود رأس بعلبك مؤشّراً إلى ما كان لفتَ إليه الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله من معركة متوقّعَة بعد ذوَبان الثلج، وقد وجَد البعض في خطوة الجيش هذه استعداداً لمشاركته في المعركة المقبلة لأنّها جاءت أكثر من عمل ميداني يُركن إليه، وشكّلت رسالةً مهمّةً للذين سيخوضون هذه المعركة الهادفة الى إنهاء معاقل المسلّحين المتطرّفين الذين يهدّدون باختراق حدود لبنان الشرقية.

ويؤكّد هذا السياسي أيضاً أنّ خطوة الجيش الاستباقية هذه شكّلت الحلقة الثانية ما بعدَ إعلان نصرالله استحقاقَ ذوبان الثلج، وعبّرَ الجيش من خلالها عن ثقةٍ بالنفس وعن روح مبادرة ومحاولة لمراكمة معنويات قتالية تؤسّس للدور الجوهري المطلوب من المؤسسة العسكرية في معركة تكاملية تضمّه الى جانب الجيش السوري وحزب الله على الحدود الشرقية اللبنانيّة - السوريّة.

  • شارك الخبر