hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - نعمة افرام - النهار

ماذا لو طال الشغور؟!

الجمعة ١٥ شباط ٢٠١٥ - 12:09

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لا يختلف إثنان على أنّ انتخاب رئيس الجمهورية يشكل كسراً لحلقة الجمود ومنطلقاً لاعادة الدورة الديموقراطية الى مساراتها الطبيعية. إن الأزمة الوجودية التي تعصف بلبنان اضافة الى مصيرية انتظام عمل مؤسساتنا الدستورية والوطنية، تستدعي الشروع فوراً في عملية الانتخاب. فها هي الانعكاسات الخطيرة للشلل العام تطغى على مفاصل حياتنا الوطنية كافة، وقد سبق وأصابت مجلس النواب واليوم تتمدد الى مجلس الوزراء. لكن، ماذا لو طال الشغور في موقع الرئاسة، لا سمح الله؟
تحاشياً للإنهيار الكبير، لا بد من مقاربة موضوعية تسهل الإلتقاء على قواسم مشتركة هي الأقرب الى التوافق عليها. تهدف هذه المقاربة الى رفع الأثقال عن المواطن الرازح تحت وطأة مشكلات اقتصادية واجتماعية جمة، والى التخفيف من أوجاعه الناتجة من تدهور مستوى الخدمات العامة، وفي سبيل وضع أولوية كرامته البشرية وسعادته فوق كل الشعارات السياسية. من هنا، يقتضي الواجب التطلع الى معالجة بنيوية في أربعة محاور الى جانب محورية انتخاب الرئيس، وهي في أساس عمل السلطتين التنفيذية والتشريعية، وذلك قبل فوات الأوان وحين لا يعود ينفع الندم.
المحور الأول يتعلق بوضع قانون انتخابات عصري لا مفر منه، يكرس المناصفة ويحمي الشراكة وميثاقية الدستور. وإذ يحفظ صورة لبنان الوطن المنفتح على الحضارات وتفاعلها، يؤمن في الوقت عينه صحة التمثيل وعدالته، ويستقطب خيرة الطاقات الحية من نساء ورجال الوطن الى الندوة البرلمانية في مشهد سياسي متجدد.
المحور الثاني يتعلق بقانون اللامركزية الادارية الموسعة. وفي إقراره، فرصة جدية لتمتين الوحدة الوطنية وتأمين الاستقرار بتخفيف حدة الصراع على السلطة المركزية. وهو يتيح اعتماد خطة تعزز عمل الوحدات الادارية الصغرى تمثيلاً وانتخاباً وصلاحيات، وتفعل آليات اتخاذ القرار وقراءة مفاعيله بسرعة قصوى، بشكل يسمح بالتصحيح وبايجاد نهج من التطوير المستدام خدمة للمواطن وترجمة لطموحاته.
المحور الثالث يتعلق بقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وفي إقراره، مدخل أكيد لايجاد حلول لسلسلة طويلة لا تنتهي من المعوقات التنموية. إن الشراكة المسؤولة المبنية على أسس الشفافية والاحتراف، تسمح بالاستفادة من الخبرات والطاقات المالية للبنانيين ولا سيما للمؤمنين بالاقتصاد الوطني بعامة، لتطوير البنى التحتية واطلاق المبادرات التنافسية والاستثمارية، والارتقاء بخدمات الادارة اللبنانية الى مستوى راق ومن الطراز الرفيع.
المحور الرابع يتعلق بقانون استعادة الجنسية. ذلك أن التوازن الحساس بين مكونات لبنان الحضارية أساسي للإنسجام الوطني العام. كما أن الشراكة مع المغتربين أساسية في عملية انهاض لبنان. وفي مفاعيل إقرار هذا القانون تصحيح دقيق للوقائع الاحصائية، تقتضي العودة الى وثائق عام 1921وهو الاحصاء الأول بعد اعلان دولة لبنان الكبير. فلا يجوز أبداً أن يعتبر لبنانياً المتفرع من الموجودين على سجلات المقيمين فقط ووفق احصاء 1932، كما هو الحال اليوم، وإقصاء من هم على سجلات المهاجرين فيه، واغفال من هم مسجلون كمقيمين ومهاجرين في احصاء 1921. ويكفل قانون استعادة الجنسية الحق الكامل للمغترب في المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية لوطنه.
في لقاءات ايجابية جمعتني أخيراً بقيادات وطنية من مشارب مختلفة، كان نقاش حول اللحظة المفصلية المتاحة لالتقاط المبادرة في ظل الحوارات الثنائية القائمة بين "حزب الله" و"تيار المستقبل" على مستوى الشريك المسلم، وبين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" على مستوى الشريك المسيحي. فلماذا لا يتحول هذان الحواران نحو آلية تطوير الأنظمة التي من خلالها تتم التهيئة للدخول في مسار المئوية الثانية لدولة لبنان الى جانب بحثهما في الملف الرئاسي؟. ولماذا لا تصبح التحالفات الثنائية القائمة بالمقابل بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" المعروف بفريق 8 آذار، وما بين "تيار المستقبل" و"القوات اللبنانية" المعروف بفريق 14 آذار، الى جانب المستقلين وكل المعنيين، آليات تقرب وجهات النظر حول الرؤية الاستراتيجية للبنان مجدد أفضل بين الشريكين المسيحي والمسلم؟
هناك مصلحة وطنية أكيدة، فيما لو أفضى هذا الحراك الى قطع الطريق أمام الكوارث الحتمية الماثلة أمامنا على شتى الصعد، والى اعادة الانتظام العام في عمل المؤسسات من خلال انتخاب رئيس للجمهورية. إنه من الأكيد أن انتخاب الرئيس يسهّل تقريب المسافات لإنضاج هذه السلة من القوانين. العكس أيضاً صحيح. إذ أن انضاج التفاهمات حول إقرار هذه القوانين يسهّل انتخاب الرئيس.
آمل أن تنظر قياداتنا الوطنية الى هذه اللحظة بروح الآباء المؤسسين لدولة لبنان المتجدد، وأنهم متوافقون على أن في أساس تكوين السياسات وعلة وجودها، العمل على تحقيق سعادة الانسان وتطوير حياته، وعلى أن السياسة أساساً ونتيجة وفي كل الأحوال، هي فن شريف في خدمة الانسان ولبنان.
 

  • شارك الخبر