hit counter script
شريط الأحداث

"المافيات" تنشط مع اشتداد المعارك.. وحلب تستقبل الضحايا...سوريا: إنّهم يسرقون البشر!

الثلاثاء ١٥ شباط ٢٠١٥ - 10:15

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

بعيداً عن ريف حلب الشمالي المشتعل بالمعارك بين الجيش العربي السوري والفصائل التي تؤازره من جهة، وفصائل «إسلامية» و«جهادية» من جهة أخرى، وفي الريف الآخر من حلب، في الجنوب الذي يسيطر عليه المسلحون، والقريب نسبياً من نقاط التماس مع الجيش السوري، ترقد مجموعة كبيرة من الجثث المتفحمة داخل قبور جماعية في مقبرة قرية صغيرة، أصبحت مقصداً لـ «مافيات» الإتجار بالأعضاء البشرية، والذين يتخلصون من ضحاياهم في هذه المقبرة.
تلك المعلومات يؤكدها لـ«السفير» مصدر معارض فضّل عدم الكشف عن اسمه، مشيراً إلى أن آخر «الدفعات» التي استقبلتها مقبرة قرية الشيخ لطفي (خمسة كيلومترات جنوبي مدينة حلب) تمثلت بأكثر من 50 جثة وصلت إلى القرية في وقت متأخر من ليل السبت الماضي، موضحاً أن مسلحين قدموا إلى المقبرة وحفروا قبوراً عدّة، دفنوا فيها الجثث بشكل جماعي (كل خمس أو ست جثث في قبر)، قبل أن يغادروا المقبرة تحت جنح الظلام، ومن دون أية طقوس دينية تترافق عادة مع دفن الموتى.
ويشير المصدر المعارض الى ان كل الجثث التي وصلت هي لأشخاص فُتحت بطونهم وأُفرغت من كامل الأحشاء قبل حرقها، في محاولة لتشويه معالمها.
وعن مصدر هذه الجثث، يكشف المصدر عن أنّ من قام بإحضارها، ذكر أنها نُقلت من تركيا، الأمر الذي يرجّح أن أصحابها تعرضوا لعمليات سرقة الأعضاء في المستشفيات التركية، قبل أن يتم إحراق جثثهم في مكان بعيد عن الأعين داخل الأراضي السورية، ليتم بعدها دفنهم.
المصدر الذي تحدث إلى «السفير» لم يحدد الفصيل الذي احضر عناصره الجثث ودفنها في المقبرة، لكنه اشار الى انه من بينهم ملثمون.
ومع ذلك، فإنّ الوقائع الميدانية تشير إلى أن مسلحي «الجبهة الإسلامية» («أحرار الشام» و «لواء التوحيد») يتقاسمون السيطرة على قرية الشيخ لطفي، إلى جانب مسلحي تنظيم «جبهة النصرة»، الأمر الذي يمكن ان يحصر الجهة التي تقف وراء هذه العملية بين هذه الفصائل الثلاثة، علماً بأنّ «حركة أحرار الشام»، التابعة لتنظيم «القاعدة»، تعتبر القوة الأكبر في القرية، وفق ما أكد مصدر ميداني.
وتتقاطع المعلومات التي أوردها المصدر المعارض، والذي طالب جميع المنظمات والجهات المسؤولة بفتح تحقيق عاجل، وزيارة المقبرة، مع تواتر أنباء حول اختفاء مقاتلين خلال المعارك الأخيرة التي وقعت بين الفصائل «الإسلامية» و «الجهادية» وبين الجيش السوري في الريف الشمالي، والتي شهدت نشاطاً كبيراً في عمليات نقل وإسعاف المصابين إلى الداخل التركي، الأمر الذي يفتح الباب أمام احتمال أن تكون هذه الجثث تعود إلى مقاتلين أصيبوا خلال هذه المعارك، خصوصاً أن من بين المصابين مسلحين أجانب (بينهم مقاتلون من الشيشان والقوقاز وأوزبكستان)، وهم يقاتلون ضمن «جيش المهاجرين والأنصار»، الذي يقاتل بدوره إلى جانب «جبهة النصرة»، التي تضم أيضاً مقاتلين عرباً وأجانب، في مزارع الملاح في الريف الشمالي، علماً بأنّ «حركة أحرار الشام» تضم أيضاً مقاتلين غير سوريين، ممن انقطعت صلاتهم بعائلاتهم بعد قدومهم إلى سوريا، الأمر الذي يجعل عملية إخفاء الجثث سهلة.
إلى جانب ذلك، رأى المصدر المعارض أن اختيار المسلحين لقرية في الريف الجنوبي، وحرقهم الجثث قبل دفنها، قد تدل على وجود مقاتلين من ريف حلب الشمالي سُرقت أعضاؤهم، ليتم دفنهم لاحقاً بعيداً عن قراهم وأعين أقربائهم، خصوصاً أن عمليات إسعاف المصابين تتم عشوائياً، ووفق دفعات كبيرة، كما يُوزَّع المصابون على مستشفيات عدة، الأمر الذي يجعل عملية تتبع المريض والوصول إليه (في حال عدم وجود أحد من أقربائه) معقدة، حيث يُنقل المصابون إلى المستشفيات الحكومية التركية في كل من عنتاب وكلّس وأورفة وأنطاكيا، إضافة إلى مستشفيات في الريحانية غير الحكومية (من بينها مستشفى «أورينت» الذي يملكه رجل الأعمال السوري غسان عبود) في لواء اسكندرون السوري الذي تحتله تركيا.
وتشكل تركيا «مركز استقبال كبيراً لضحايا تجارة الأعضاء»، وفق مصدر طبي تحدث إلى «السفير»، حيث ذكر أن الحدود مفتوحة كليَّاً ومن دون ضوابط من جهة، وتعدد الفصائل المقاتلة على طول الشريط الحدودي الذي يتجاوز الـ 800 كيلومتر من جهة أخرى، مهَّدا التربة لغرس وانتشار هذه «المافيات»، والتي ينشط بعضها تحت ستار «العمل الإنساني»، في وقت لم تتخذ فيه السلطات التركية أية إجراءات للحد من هذه الظاهرة، بل «على العكس تماماً، المستشفيات الحكومية التركية تشكل أحد ابرز مراكز نشاط المافيات»، وفق المصدر، الذي أشار، خلال حديثه إلى «السفير»، الى دلائل عدّة، من بينها قصة الشاب أحمد عبد الكريم محمد، البالغ من العمر 19 عاماً، والذي تعرض لسرقة أعضائه في مستشفى «أنطاكيا الوطني» في تركيا، ووثق ذووه الجريمة في تسجيل مصوّر (نشرت «السفير» قصة الشاب في الخامس من شهر شباط من العام 2014).
ويظهر الفيديو الذي نشرته مجموعة «تجمع شباب مورك الأحرار» المعارضة على موقع «يوتيوب» بطن أحمد وقد شق بشكل كامل وخِيطَ من عنقه وحتى أسفل بطنه، في وقت كان يتحدث فيه مصور التسجيل عن سبب وجود هذا الشق، مؤكداً أن سببه «سرقة أعضاء تعرض لها في المستشفى الوطني في أنطاكيا»، قبل أن يوارى الشاب في الثرى في قرية اللطامنة.
إلى ذلك، اكد مصدر طبي آخر متابع لملف الإتجار بالأعضاء البشرية أن «المافيات» تتنقل بشكل زئبقي من منطقة إلى أخرى، متعقبة أثر المعارك، لافتاً الى ان نشاطها يزداد مع ارتفاع وتيرة المعارك في كل مرة، الأمر الذي يوفر لها «سلعاً خاماً يسهل التعامل معها، بعيداً عن الخوض في عمليات خطف، حيث ترتفع نسب المخاطرة»، إلا أن ذلك لا يعني توقف ظواهر الخطف بقصد سرقة الأعضاء، «تبعاً لاحتياجات السوق»، على حد تعبير المصدر.
وتعتبر دول أوروبا أكثر الدول استقبالاً للأعضاء البشرية المسروقة من سوريا، وفق رئيس قسم الطب الشرعي في جامعة دمشق حسين نوفل، الذي كشف عن وقوع آلاف حالات سرقة قرنيات العيون وتهريبها إلى دول أوروبا وبعض الدول الآسيوية، وتسويقها على انها مستوردة من مناطق بعيدة عن سوريا، حيث يتم إدخالها إلى أوروبا بشكل نظامي، وهي من العوامل التي جعلت من تركيا مركز جذب كبيراً لهذه «المافيات» التي تسهل عمليات نقل الأعضاء المسروقة إلى الدول الأوروبية.
وبالإضافة إلى حالة الشاب أحمد عبد الكريم محمد، وثّق ناشطون أسماء أخرى لسوریین تعرضوا لحوادث مماثلة، ?حالة جاسم المنبجي، وهو من س?ان حي الحیدریة فی حلب، الذي سرقت أعضاؤه بعدما نقل إلى «مستشفى الشهید ?مال» فی تر?یا، بحسب ما نقل موقع «آفستا» عن ابن عمه حمید المنبجي.
?ما وثّق موقع «آفستا» حالة سلیمان تر?ماني، وهو من ناحیة الراعي في ريف حلب، الذي أصیب فی 11 ?انون الاول العام 2012، ونقل أیضاً إلى المستشفى ذاته، وسُرقت أعضاؤه.
كما أثارت صحیفة «یورت» التر?یة في شهر تشرین الأول من العام 2012 قضية الإتجار بالأعضاء البشرية في تركيا، عبر تقرير تحدثت فیه عن تورط مسلحین معارضین فی شب?ات للإتجار بالأعضاء البشریة، بالتعاون مع مستشفیات ومرا?ز صحیة فی تر?یا.
?ذلك، نشرت و?الة الأنباء السوریة (سانا) تقریراً، في شهر ?انون الأول من العام الماضي، عن عضوین في جماعة مسلحة ألقي القبض علیهما في حمص، واعترفا بتورطهما فی عملیة سرقة أعضاء بشرية ونقلها إلى ریف إدلب قرب الحدود التر?یة.
وفي وقت تتزامن فيه المعلومات الجديدة عن دفن جثث ضحايا سرقة الأعضاء قرب مدينة حلب مع تحقيق باشرت به الأمم المتحدة للبحث في قضية إتجار تنظيم «داعش» بالأعضاء البشرية، بعد تقديم مندوب العراق لدى الأمم المتحدة، محمد الحكيم تقريراً يوضح تورط التنظيم في هذه الجرائم بهدف «زيادة مصادر تمويله»، توضح المعلومات الجديدة أن فصائل أخرى إلى جانب «داعش» ترتكب الجرائم ذاتها على الأرض السورية، وفي مواقع فصائل لا تصنّف على أنها «إرهابية» على غرار «لواء التوحيد»، بالإضافة إلى «حركة أحرار الشام» و «تنظيم جبهة النصرة» المرتبطيْن بتنظيم «القاعدة»، الأمر الذي دفع المصدر المعارض إلى المطالبة بفتح تحقيق في سوريا أيضاً، التي تضج بـ «مئات مافيات الإتجار بالأعضاء البشرية في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة والتي تحتاج إلى جهد دولي لتوثيقها والتصدي لها في ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة»، على حد تعبير مصدر طبي سوري، قال لـ «السفير» إن كل ما تم توثيقه يعتبر جزءاً يسيراً مما شهدته سوريا والسوريون.
العرض أعلى من الطلب!
كل ضحايا سرقة الأعضاء يتم التخلص منهم عن طريق قتلهم، بعد سرقة العضو المطلوب، وفق ما يقول مصدر طبي لـ «السفير».
وفي الغالب، تبدأ هذه العملية في الأوقات التي لا تشهد معارك عنيفة، حيث تصعب سرقة أعضاء المصابين في المعارك، عن طريق رصد الضحية التي تلبي «الطلبية»، والتي تأتي عن طريق وسطاء يعملون بين المستشفيات و«المافيات» التي تضم بدورها أطباء متخصصين يعملون على الأرض، وفق مصدر حقوقي متابع لملف الاتجار بالأعضاء البشرية.
ويشرح المصدر أنه بعد رصد الضحية المطلوبة، يتم اختطافها، حيث تخضع لعملية جراحية سريعة، لاستئصال الاعضاء البشرية المطلوبة، ومن ثم قتلها والتخلص من جثتها، وفق عملية يفترض ان تكون معقدة، ولكنها أصبحت اليوم سهلة في ظل تورط فصائل مسلحة في جرائم الاتجار بالبشر.
وعادة يكون الضحايا مخطوفين لُفّقت لهم اتهامات سابقة، أو محتجزين تم أسرهم خلال عمليات اقتحام لقرى تصنفها الفصائل المسلحة على أنها موالية للنظام «كما حدث في ريف اللاذقية في شهر نيسان من العام 2013 عندما اقتحمت فصائل جهادية قرى عدّة، واختطفت عددا من سكانها، وارتكبت مجازر بحق آخرين، حيث تم توثيق شهادات بعض الناجين، من بينهم فتاة نجت بأعجوبة بعد أن تقرر بيعها لإحدى المافيات»، وفق المصدر الحقوقي.
ومع ارتفاع وتيرة المعارك، وازدياد عدد الضحايا، تصبح عمليات سرقة الأعضاء أكثر سهولة، حيث يقوم مسعفون بتسليم الضحية بأيديهم إلى أطباء متعاونين مع مافيات أو يعملون لمصلحتهم، سواء في بعض المستشفيات الميدانية، أو حتى في المستشفيات الكبيرة (كما حصل في المستشفى الحكومي التركي)، ليتم انتزاع الأعضاء المطلوبة وشحنها وفق «الطلبية»، على حد تعبير المصدر، الذي يضيف أنه «في بعض الحالات، ونتيجة توافر عدد كبير من الضحايا، تصبح الأعضاء المعروضة للبيع أكبر من العدد المطلوب، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض أسعارها كما حصل في قرنيات العين، والتي تراجع سعرها في الأسواق الأوروبية بعد اندلاع الحرب في سوريا تراجعا ملحوظا، حيث وصل سعرها إلى نحو 7500 دولار بعدما كانت تباع بأسعار تصل إلى 12000 دولار»، وفق المصدر ذاته.
وفي وقت تمثل فيه المنظمات التي تعمل ضمن إطار «المساعدات الإنسانية» و«الخدمات الطبية» مظلات لعمل العديد من «المافيات»، وفق تأكيد المصدر الحقوقي، تجمع المصادر الطبية المتابعة للموضوع أن «مافيات سرقة الأعضاء تستهدف بالدرجة الأولى صغار السن، الذين يوفرون أعضاء حيوية شابة، الأمر الذي يرتّب مزيداً من المخاطر على الأطفال الذين استهلكت الحرب طفولتهم، وحوّلت نسبة كبيرة منهم إلى استثمار بين مُتاجر بأعضائهم، ومُتاجر بحياتهم عن طريق تحويلهم إلى قنابل موقوتة (تدريبهم وتأهيلهم للقتال) لضمان استمرار الحرب، التي يبدو أنها تمثل «مغارة علي بابا» لأمرائها.

18 ألف حالة سرقة!
في شهر نيسان من العام الماضي 2014، وثّق قسم الطب الشرعي في «جامعة دمشق» حسين نوف أكثر من 18 ألف حالة سرقة أعضاء بشرية.
وقال نوف إن عمليات السرقة هذه وقعت في شمال سوريا، وأن معظم ضحاياها هم من الأطفال.
وحذر نوف من أن «مخيمات اللاجئين تحتضن عمليات سرقة أعضاء وإتجار بالبشر»، مشيراً إلى أن «أكثر من مئة ألف طفل سوري يقيمون في مخيمات اللجوء في تركيا معرضون للمصير ذاته»، خصوصاً ان «نسبة 80 في المئة من المهجرين في مخيمات اللجوء خارج الحدود هم من الأطفال والنساء».
وتتنوع الأعضاء التي تتم سرقتها، بين قرنيات العيون وأعضاء أخرى كالكلى، في حين لم يشهد الإتجار بالبنكرياس أي نشاط يذكر في سوريا «بسبب صعوبة العملية الجراحية لهذا العضو، وضرورة وجود خبرات طبية كبيرة، يبدو أنها غير متوفرة حتى الآن في صفوف مافيات الإتجار بالأعضاء في سوريا»، وفق الدكتور نوفل.
 

  • شارك الخبر