hit counter script

باقلامهم - روبير فرنجية

طوني سليمان فرنجية: سعادة النائب المؤجل

الثلاثاء ١٥ شباط ٢٠١٥ - 06:21

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ليست شطارة مهنية ولا "مرجلة" موضوعية أن يكتب "فرنجية" عن "فرنجية". وهذا ما تجنبته طوال مسيرتي الإعلامية التي تعدّت الربع قرن. وربما هذا ما قادني إلى الفنون متجنباً السياسة، وهذا ما قلته بالأمس للإعلامية وردة حين استضفتها وسألتني لماذا لا تقدّم برنامجاً سياسياً وأنت تمتلك مؤهلاته؟
طوال حياتي المهنية مراسلاً وكاتباً ومذيعاً لم أحاور سليمان فرنجية زعيماً ولا نائباً ولا وزيراً ولا قطباً. ولم ألتقِ زوجته السيدة ريما فرنجية على الهواء، حتى ضمن قافلة النساء في السياسة في حلقات برنامجي التلفزيوني على الـ "أو تي في" "خود خبارن من نسوانن"، رغم أنني أشهد وأشاهد إنجازات هذه السيدة التي تشعّ ذكاء وأحبّت إهدن أكثر من "الإهدنيات"، وقدّمت لها أهم مهرجان "إهدنيات"، الأمر الذي دفعني اليوم لأكتب عن طوني سليمان فرنجية ؟ هذ الزعيم الشاب الذي يفرض هيبة ومودة بحضوره، والذي لي معه حكاية مختلفة.
تواصلنا أول مرة حين بلغ عامه الأول. يومها كان الإعلامي الكبير جورج يمين مستشاراً لوالده في بنشعي، وقد قدّم استقالة شهيرة من إذاعة إهدن التي كان يشغل منصب مديرها. إتصل بي ذات ليلة وقال لي هذه نسخة من أغنية كتبتها للطفل طوني سليمان فرنجية (بأصوات أسرة بندلي) وأعتمد عليك لتمريرها في برنامجك "بين مزدوجين" غداً بمناسبة عيد ميلاده.
أذكر أن مقطعاً من الأغنية الهدية كان منه مطلعاً: سني صار عمرك يا طوني – بكرا بأيلول رح منغني رح منقول: سنة حلوة يا طوني".
هنأت وقدمت الأغنية لطفل شغل زغرتا لحظة ولادته واليوم يشتغل لزغرتا-الزاوية قبل دخوله البرلمان المؤجل بحكم التمديد.
وراحت الأيام وجاءت أيام كنت ألمحه فيها ولداً في دارته حين كنا نجتمع في جمعية أصدقاء مرج إهدن التي ترأسها والدته السيدة ماريان سركيس. كنت أرى "طوني فرنجية" من بعيد غارقاً في اللعب فيما بعض من أعضاء الجمعية من ذوي إختصاص الوشاية يسرّون في الإجتماع أن "طوني بك" يعشق الصيد وقد شاهدوا سيارته تجتاز بوابة المحمية صعوداً. ربما كانت هذه الوشاية الصغيرة "بروفا" لما سيتعرض له مستقبلاً في السلطتين التنفيذية والتشريعية .
وكبر هذا الزعيم الوارث عنفواناً وإرثاً وانتقل من الليسيه الى مقاعد جامعة البلمند في الكورة لأعود وألتقيه في سيامة أستاذه الجامعي كاهناً على مذبح سيدة الحصن (الأب الدكتور بول مرقص الدويهي) وهو يرفض الجلوس في الصف الأمامي، الصف الذي بالعادة يثير المشاكل البروتوكولية بل أصر على البقاء واقفاً على مدخل الكنيسة الى حين إنتهاء القداس الإحتفالي. فالى اخبار دعمه الكبير لنادي السلام، واستحداثه الملاعب في القرى وتفعيله الأندية والجمعيات.
وتكرّرت المحطات واللقاءات العابرة، وأنا أرصد الإلتفاف الشبابي الكبير حوله من المناصرين والمحايدين. كانوا يتناقلون أخباراً عنه وعن نسبة الشبه الكبيرة بوالده في الكرم والوفاء لمن يحبهم.
وتمتّنت صداقتي بـ"طوني بك"، والتقينا في بيروت أكثر من المرات التي اجتمعنا فيها بزغرتا وبنشعي، وكانت أغلب هذه الجلسات مع أصدقاء في الوسطين الفني والإعلامي وأركانها يُحسبون وُينسبون إلى الرابع عشر من آذار.
قدّرت كثيراً كيف يقبل طوني فرنجية الرأي الآخر، وفاجأتني مرونته في هذا العمر وهي مرونة تحتاج غالباً إلى خبرات وتجارب.
فاجأني استيعابه حتى الجفاء في هذه الجلسات. أذكر أننا التقينا على عشاء في إحدى الليالي في سوق جبيل، وكانت ضيفة طاولة السيد طوني فرنجية الإعلامية بولا يعقوبيان، وكان قادماً من زيارة تعارف هي الأولى لنسيبه النائب السابق سمير فرنجية.
سألته بولا في ذاك اللقاء: ولماذا تترشّح للنيابة وقد هَزُلت. أسهل الإنتصارات لوالدك أن تفوز لائحته في زغرتا. لكن لماذا أنت في هذا الظرف الصعب؟؟
الغريب في تلك الجلسة أن طوني فرنجية بقي مصغياً فيما استفزّني كلام الصديقة بولا التي تربطني بها صداقة متينة، وكانت النتيجة أن سؤالها فرمل "مهنيّتي" وأيقظ "فرنجيتي" فسألتها: وهل تنصحين السيد أحمد الحريري بأن لا يترشح خلفاً لوالدته كما تنصحين طوني؟
ضحكت بولا يومها وقالت: هل كرهتني روبير...لكن طوني لم يعلّق على تلك السهرة، حتى حين التقيته بعدها إلا بكلمات قليلة: "لها رأيها...". لكن الإعلامية بولا يعقوبيان يوم تعرّض طوني سليمان فرنجية لحادث سير هاتفتني وهي بغاية القلق عليه، وعلّقت بعد أن اطمأنّت أنه بخير: "لا تعرف كم ازداد تقديري له بعد ذاك اللقاء..."
ليست الجلسات التي شاركت بها مع "طوني بك" كثيرة. لكن في كل واحدة منها زاد اقتناعي أنه سياسي شاب و"رجليه على الأرض".
في عشاء أقامه الإعلامي وليد عبود في دارته بحضور إعلاميين وسياسيين، وحين بادر أحد الحاضرين إلى القول: "بيت معوّض في زغرتا مثل حضور بعض أحزاب الثامن من آذار في بشري. احتدّ طوني فرنجية رافضاً المقارنة، مستذكراً الرئيس الشهيد رينيه معوّض الذي بنى زعامة. وأذكر أنني في اليوم التالي تهاتفت مع الإعلامي وليد عبود ولم أتفاجأ أن هذا الكلام استوقفه كثيراً.
لا غرابة أن يكون هذا الشاب السياسي بهذا القدر من الإنفتاح وقبول الآخر، رغم أنه لا يفرّط ولو بنقاط قليلة ثانوية من قناعاته وفكره ولغته السياسية، وهذا ما يشكل جواباً على حجم صداقاته مع الإعلاميين والإعلاميات الذين ينتمون إلى خط غير خطه، لكنهم يقولون أن طوني هو الإستثناء. ناحية أخرى تلفتني بهذا الشاب الذي استطاع في سنوات قليلة الإندماج بشرائح المجتمع وفئاته العمرية المختلفة، وهي عشقه للفنون وللغناء والموسيقى. وكيف يسحب الأطباق السياسية نقاشاً واستعراضاً في حضرات الفنانين على مائدته، ويجعل الطبق الفني أوالغنائي هو الرئيسي والغالب في السهرة أو الجلسة.
صحيح ما كنت أسمعه عن وفاء طوني فرنجية لمن يحب. ووجهه الحزين والدمع المخنوق في عينيه يوم جنازة صديقه رئيس بلدية زغرتا - إهدن توفيق معوّض صورة من تلك الصور.
ذاكرته طريّة لا تهمل تفصيلاً. تحسبه نسي حدثاً أو حادثة فيستعيده أمامك كأنه على طريقة "الفلاش باك". مؤخراً حين التقيته ذكّرني بحادثة حسبته نسيها.
حدث مرة أن طلبَت مني إدارة مدرسة "الليسيه" أن أتحدثّ لتلامذتها عن طبيعة عمل الإعلامي، وكان طوني فرنجية تلميذاً في هذا الصف الذي أعتقده الثاني متوسط. يقول لي مستعيداً الموقف: قالوا لنا سيقدّم لكم روبير فرنجية محاضرة عن الإعلام، فرحت وقلت لقد ارتحنا من الشرح والمطوّلات. فجئت أنت بكل جدّية تشرح عن المهنة فقلت في نفسي يومذاك ليتنا بقينا ندرس التاريخ والجغرافيا، كانت المواد أخف شرحاً من الإعلام وشؤونه وشجونه.

  • شارك الخبر