hit counter script

- ابراهيم درويش

عندما كنت صغيراً!

الثلاثاء ١٥ شباط ٢٠١٥ - 11:23

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

عندما كنت صغيراً، وأنا عائد من الدكان، قام أحد الأولاد الذين يفترشون الطرقات ومعه زمرة يترأسها بإهانتي وصفعي... عدت مسرعاً إلى البيت، ودمعة أحاول أن أخفيها تكاد تفرّ من عيني...
فتح لي والدي الباب... ورأى آثار الصفعة على خدي... وسألني بصوت أجش مرعب: ما الذي حصل؟؟
حاولت عبثاً أن أخترع قصة عن تعثّري وارتطامي بالأرض... فقاطعني صوت والدي، قائلاّ من الذي "مدّ يده عليك"؟
لفظت عيني تلك الدمعة المحاصرة وأسرّيت لوالدي بما حصل، وتفاجأت أنه مسح دمعتي، قائلاً: الرجال لا تبكي، ونحن لا نعتدي على أحد، والآن أمامك خيار واحد للدخول إلى المنزل، إرجع من حيث أتيت، واصفع من صفعك نفس الصفعة...
تفاجأت من طلب والدي المتّزن والحكيم والعاقل، الذي، وإلى يومنا هذا، لم أسمع صوته مرتفعاً، أو رأيته يدخل في سجال كلامي حاد مع أحد، أحسست بقسوة غريبة في داخله، حاولت التملّص من الموضوع، لكني أيقنت أن إصراره كان غير قابل للنقض.
خرجت من باب المنزل، نزلت الدرج، وكأنني أسير نحو حتفي، فذلك الولد أقوى مني بنية، وهو شبه مقيم في الشارع، وحوله صبية يبحثون عن الشرّ. قلت لا بأس، سأعود وأخبر والدي أنني فعلت ما طلب، فوجدته متربصاً بي يتابعني من على شرفة المنزل..
أيقنت أن لا مفرّ من المصير المحتوم، وأنا أحضّر نفسي للكمات سأنالها، ريثما يتدخّل والدي ويمنعهم عني...
أمتار تفصل بيني وبين الجلاد الذي سلّمني إليه والدي، رمقت ذلك الوالد القاسي بنظرة تحنّن، علّه يجنّبني هذه الكأس، فبادلني بنظرة رجولة وعنفوان مريب...
دنوت من ذلك الولد العنيد... وقبل أن يكمل استهزاءه (ما قلتلك ما بقى..) حتى وجدت أصابعي تستقر بعنف على خدّه الأسمر...
أذكر جيداً كمية التعرّق التي رافقت هذه الخطوة، كما أذكر جيداً تلك النبضات المتسارعة..
كان هول الصفعة كبيراً، وقد أرسى صوتها وزخمها سكوناً في المكان...
لم أدرِ كيف اجتمعت تلك الحروف في حنحرتي قبل أن ألفظها، وصرخت بصوت حانق (إذا حدا بجرّب مرة ثانية يغلط معي... رح يشوف شي ما بيعجبو)...
نعم رأيت الدمعة في عين ذلك الوحش الصغير... أنا فعلتها.... أنا قادر على منع أي اعتداء علي... يمكنني حماية نفسي... سرت كالطاووس متبختراً.. وما إن وصلت إلى أول درجة في مدخل المنزل... حتى وجدتني راكضاً لأشارك فرحتي مع الذي كسر بي حاجز الخوف. وجدته ينتظرني عند باب المنزل... أذكر جيداً تلك الحرارة المنبعثة من حضنه، وكلماته الأبية: لا تسمح لأحد بالإعتداء عليك يوماً.. وإياك أن تعتدي على أحد...
هذا الموقف... بات كالندبة التي لا تزيلها الأيام والسنوات... كبرت والعدو أصبح أكبر وأخطر.. أصبح على مستوى الوطن... لا يرتدع بالكلمة الطيبة والتجنّب والطأطأة... وأدركت أن في بلادي رجالاً عاهدوا الله ألا يرتضوا الذلّ والهوان... حملوا الأرواح على الأكف... وما استهانوا بها يوماً...
"الرطل بدو رطل ووقية... والحياة بلا عزّة حياة عبودية... لسنا عشّاق حروب وموت... إنما عشاق حياة حرة كريمة كما ولدتنا أمهاتنا.. وعلى الصورة التي خلقنا بها الله، لا نهادن عدواً ولن نبخل بقطرة دم دفاعاً عن لبنان وكرامته وكرامتنا".
 

  • شارك الخبر