hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - وائل قنديل

تفجير الكنيسة وتدمير الكتيبة

الأحد ١٥ شباط ٢٠١٥ - 07:55

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

قبيل ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، استحضر إعلام حسني مبارك كل جنونه في تناول جريمة تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية، مردداً ما يُملى عليه من داخلية حبيب العدلي بشأن الجُناة، مموّلين ومنفّذين ومخططين، حتى أن صحفاً ساقطة تفوّقت على أكثر الروايات الصهيونية تطرفاً، وهي تتحدث بيقين عن أن الجريمة قادمة من غزة.
في ذلك الوقت، أدلى وزير داخلية مبارك بحديث لصحيفته "الأهرام"، قال فيه إن جيش الإسلام الفلسطيني وراء حادث تفجير الكنيسة، ووقف العادلي أمام مبارك، في يوم عيد الشرطة، يزف له، وللجميع، نبأ التوصل إلى منفذي الجريمة، وبهذه المناسبة السعيدة يهدي إلى الصهاينة تصريحات يتهم فيها الإخوان المسلمين وحركة حماس بالتورط في الإرهاب.
كان ذلك قبل 25 يناير 2011، في محاولة لتخليق مناخ اقتتال طائفي، يعيق اندفاع قطار الدعوة إلى التظاهر ضد النظام وشرطته، غير أنه، بعد مرور أربع سنوات على حادث الكنيسة، لم يتوصل أحد إلى الجناة، وتعرّت أكاذيب حبيب العادلي وإعلامه، وقامت الثورة.
الإعلام ذاته الذي استخدموه في إشاعة الفتنة، على وقع تفجير الكنيسة، بين مكوّنات المجتمع في 2011، هو ذاته الذي يستخدمونه، الآن، في تخليق حالة حرب أهلية، على وقع تدمير الكتيبة في سيناء في 2015. وفي الحالتين، يعلن النظام كله، بإعلامه وأجهزة أمنه، عن أنفسهم خداماً نموذجيين للعدو الإسرائيلي، حين يستثمرون جريمة إرهابية، هم بالضرورة يعلمون مَن نفّذها وكيف ولصالح من، لشحن المجتمع المصري إلى "هولوكوست"، تجتمع في جحيمه عناصر طائفية ومجتمعية وسياسية.
يثبت هذا النظام، كل يوم، أنه على أتم الجهوزية لكي يحرق آخر طفل مصري لكي يستمر في الحكم، ولا يدّخر وسعاً لافتتاح الجحيم الجماعي لإبادة وطن ومواطن.. وفي ظل هذه الحالة من الجنون التي تتناثر فيها أنباء عمليات حرق لمنازل المصريين، بحجة أنهم من "الإخوان المسلمين" في مناطق مختلفة، يقف النظام الحاكم متهماً رئيسياً بصناعة إرهاب مجتمعي، يستهدف إحراق ما تبقى من ملامح مجتمع إنساني في مصر.
ويبقى أخطر ما في هذه اللوثة التي دفعت النظام لتدمير كل شيء أنها تضع الجيش المصري في مواجهة مع الشعب المصري، في حرب مجنونة، لن تقل نتائجها كارثية عن كل ما سمعت وقرأت عنه من أخبار تلك العشرية السوداء في الجزائر.
والحاصل أن الجنرال الحاكم بات لا يمانع في هدم الجيش، وحرق الشعب، وتدمير الحياة في مصر، كي يستمر في الحكم. لكن، تبقى أفدح خسائر هذه اللوثة أنها أكدت، بجلاء، أن مرفق القضاء المصري بات تابعاً لأصغر إدارة في مؤسسة القمع، إذ لا يعقل أن المحكمة المصرية التي قضت، قبل أقل من أسبوع، برفض دعوى اعتبار كتائب عز الدين القسام، فخر المقاومة العربية في مواجهة المحتل الصهيوني، منظمة إرهابية، تعود، أمس، وتصدر حكماً معاكساً بإدراج "القسام" على لائحة الإرهاب، بمناسبة هذه الحملة المسعورة التي انطلقت عقب جريمة تدمير الكتيبة في سيناء.
وإذا كان هؤلاء الفاشلون يحاولون اقتياد المجتمع كله إلى محرقة، فإن الرهان يبقى على الضمير الإنساني الذي يرفض أن يتحوّل المجتمع إلى غابة تتناطح فيها قطعان من الوحوش الضارية، لصالح "كاوبوي" مسكون بالأوهام والأحلام الكاذبة. وأظن أن مصر لم تصل إلى مرحلة التصحّر القيمي والأخلاقي بعد، ولن تعدم محبين من أبنائها ينتشلونها من بين براثن هؤلاء المجانين الذين أغرقوا إسرائيل بخدماتهم وهداياهم، إلى درجة التشبّع والاكتفاء.

"العربي الجديد"

  • شارك الخبر