hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - سمير عطا الله

الحمل يعكر دائمًا المياه

الأحد ١٥ شباط ٢٠١٥ - 07:44

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

جميع الحكايات التي نعتقد أنها كتبت للأطفال إنما كتبت في الحقيقة للكبار. من ابن المقفع في «كليلة ودمنة»، إلى «حديقة الحيوان» لجورج أورويل، ومن «إيسوب» إلى «جان دو لافونتين»، الذي تأثر هو أيضا بـ«كليلة ودمنة». كلما رأيت أمامك مشهدا مناقضا للعقل تعود بك الذاكرة إلى حكايات الرمز المكتوبة على لسان الحيوانات.
وردت حكاية الذئب والحمل عند «إيسوب» وعند «لافونتين»، الثاني شعرا جميلا. يأتي ذئب جائع إلى نبع مياه صاف، فيرى حملا صغيرا يحاول أن يروي عطشه:
- «آه أيها الحمل الشرير، لقد عكرت صفو المياه وأفسدت علي الشرب»!
- «ولكن يا سيدي الذئب، حضرتك تعرف تماما أنه لا قدرة لي على تعكير هذه المياه الرائقة. وإن كنت فعلت حقا، فعذرا، سوف أنقّيها من أجلك، تفضل اشرب».
تفضل الذئب فافترس الحمل.
وضع فلاديمير بوتين على رأس أوكرانيا أحد أسوأ البشر صيتا وسمعة. فلما قرر الأوكرانيون أنهم يستحقون أفضل من صاحب مثل هذه الفخامة، تعكرت المياه على صاحب الكرملين، فهجم و«استعاد» القرم ولم يتوقف، بل أطلق الانفصاليين يعكِّرون حياة أوكرانيا بالقتل اليومي، لأن الأوكرانيين الذين خسروا عشرات الآلاف على يدي ستالين يفضلون البحث عن المزيد من الرخاء والاستقلالية مع الجارة الأخرى، أوروبا.
لن يتوقف بوتين في أوكرانيا. سوف يذهب إلى ينابيع أخرى في أوروبا الشرقية السابقة، ويؤنب أصحابها على تعكير المياه. أعلن صدام حسين أن الكويت حرمت العراق، ثاني أكبر دولة نفطية، من أسعار جيدة. وفي اليوم التالي، كان يحتل آبارها. إيران تقول إن البحرين تعكِّر عليها صفو الحياة والعلاقات. ولبنان كان يهدد أمن «الخاصرة السورية». وكوبا كانت تهدد الأمن القومي الأميركي. وهتلر أراد إنقاذ ألمان إقليم السوديت في تشيكوسلوفاكيا، فاندفع نحوه، ثم أكمل طريقه حتى روسيا، مرورا بفرنسا وبولندا.
هذه عادة قديمة جدا: البحث عن الانتصارات في الخارج وتحميل الهزائم للآخرين. أنت الفلسطيني الذي لا يكف عن ظلم إسرائيل وبناء المستعمرات في أراضيها. أنت العراق الذي حاز أسلحة نووية أغضبت جورج دبليو بوش ومفرزته السلمية. عادة قديمة هذه. اعتدى الرئيس هادي على حقوق عبد الملك الحوثي في صعدة، وإلا لما صادر صنعاء واليمن برمته، وقرر أن يفرض عليه نظام الولاية. حرب أوكرانيا شردت نصف مليون، وقتلت خمسة آلاف، لأن الغرب اللعين جاء إلى ينابيع بوتين، وعكّر مياهها، وحمله على قطع رياضة التحليق في الطيران الشراعي، وأسقط له أسعار الغاز والنفط. اسحقوهم حتى العظم.

"الشرق الاوسط"

  • شارك الخبر