hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - اوكتافيا نصر

مخاض ربيعٍ عربي

الثلاثاء ١٥ كانون الثاني ٢٠١٥ - 06:55

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

النهار

يتركنا المشهد السياسي في الشرق الأوسط في حيرة من أمرنا، فقد تبدّل كثيراً عما كان قبل أربع سنوات. التغيير متوقَّع دوماً، لكن الواقع الحالي فوضوي ومثير للجنون. تعكس الروابط المتصدّعة داخل المجتمعات عجز الأشخاص عن التواصل في ما بينهم، فما بالكم بقبول اختلافاتهم أو رأب الانقسامات؟

الضمان الوحيد الذي نملكه في هذه المرحلة هو أن السقوط المتسارع والدراماتيكي الذي تشهده بعض البلدان العربية محتوم لا بل ضروري. فلتأخذ الأمور مجراها لنرى كيف سيكون المستقبل ومَن سيكون مؤتمناً عليه.
في خضم التغييرات المتواصلة التي يشهدها الشرق الأوسط، والتي غالباً ما تكون نحو الأسوأ ومن النادر جداً أن تحدث تغييرات نحو الأفضل، بات من الأصعب العمل على إيجاد تسويات للحروب المشتعلة والمشكلات المتربّصة بالمنطقة. من أين لنا أن نستمد حلاً لوضع حد لحمام الدماء أو من أجل عودة اللاجئين إلى منازلهم أو ببساطة تخيُّل الحياة كما كانت قبل بضع سنوات فقط؟ لذلك ليس مفاجئاً أن كثراً، بينهم العرب أنفسهم، يديرون ظهرهم ولا يكترثون للعمل من أجل التوصل إلى حلول.
من الواضح أن المتطرفين استطاعوا أن يشقوا طريقهم للاستيلاء على السلطة والنفوذ في مختلف أنحاء المنطقة. فقد حل التطرّف محلّ الأنظمة الديكتاتورية. سقط الطغاة فصعدت مجموعات كانت تعمل في الخفاء وقد تعرّض أعضاؤها لغسل أدمغتهم. إنهم مشوَّشون ومتعصّبون ويستغلّون السلطة تماماً كما عوملوا طوال عقود. ردود فعلهم عنيفة مع ما يترتب عليها من عواقب مهلكة، ولكن علينا أن نتوقّع أن يستمروا في بث حقدهم وكراهيتهم ما دام أحد لا يقف في وجههم ويردعهم.
الوضع الحالي هو نتيجة سنوات من الإهمال واللامبالاة، ومن حكم الأنظمة الاستبدادية التي وضعت غشاوة على عيونها، ومن السياسات الغربية الفاشلة، وحسابات الثأر القديمة، والتحالفات المبنية على الكراهية، والإقصاء المنهجي للأصوات المعتدلة.
اليوم، يقف الشرق الأوسط عند تقاطع طرق وسط اختلال كبير في التوازن بين الثروة والنفوذ. على رغم أن "اللااستقرار" يجب أن يكون العنوان الرئيسي لهذه المرحلة، لا يزال البعض يدّعون أنهم بمأمن منه. يهدّد الصعود الخطير للتطرف الأصدقاء والأعداء على السواء. ناهيك بالانتخابات الإسرائيلية المقبلة وتشوُّش الإدارة الأميركية التي تسبّبت بتفاقم الأوضاع في المنطقة تارة نتيجة اتخاذها قرارات سيئة وطوراً تأخّرها في الرد.
السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق هو أن يأخذ الأشخاص على عاتقهم مسؤولية الحفاظ على حياتهم، ليس على صعيد المنطقة أو الدول إنما كأفراد يرصّون صفوفهم من أجل بناء حياة مستقلة ومستدامة وكريمة لهم وللأجيال المقبلة، وتطويرها والذود عنها.
من باشروا سلوك هذا المسار ويبدون استعداداً لتطبيقه، ولو على نطاق فردي صغير، هم محظوظون فعلاً، فالمستقبل بين أيديهم.
 

  • شارك الخبر