hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - فرات الشامي

الإنسان والدين.. معادلة أم صراع ؟

الثلاثاء ١٥ كانون الثاني ٢٠١٥ - 06:45

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

أصبحت العلاقة بين عقل الإنسان العربي المسلم وشريعة الإسلام مربكة ومشوشة. ثمة خللٌ في تلك العلاقة، فالناس تقف على طرفي نقيض من الدين وتعاليمه، يكمن الخلل في مفاهيمنا نحن لتطبيقات وممارسات شعائر ديننا، وبين الإفراط والتفريط يغيب العقل وننساق خلف أهوائنا، وما تمليه علينا.
هناك قراءة قاصرة، أو سطحية، لتاريخ الإسلام، وتطور بنية مفاهيمه وحدوده، وكل ما يتعلق به، وصولاً إلى بيئته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
جوهر الدين بالنسبة للناس مرتبط بالعبادات والفرائض والشعائر التي انتقلت إلى مرحلة العادات والموروث الاجتماعي.
هذه العبادات/الفرائض لا يكاد يختلف فيها اثنان، ولا أحد ينكر أو يؤول تلك الفرائض التي نص عليها الإسلام بشيء على غير حقيقتها، فيما عدا قضية الحجاب وتغطية الوجه من عدمه.
فالإنسان المسلم يدرك أن الإسلام، ببعده الملموس والمباشر، شيء يمكن فهمه وممارسته من دون أي إشكال أو إرباك، فهو حين يمارس تلك الشعائر يلامس جوهر الدين.
ولنا أن نسأل عن روحانية الدين ومكنونه؟ والوقوف عند هذه الحقيقة لحظة وصولنا إليها لا شك سيحملنا للتفكير في جدية النداءات التي يتقاذفها المسلمون فيما بينهم، وكذلك التي يوسم بها الإسلام، كديانةٍ تحمل، في طياتها، تعاليم "إرهابية"، لنجد أنفسنا، والحال كذلك، أمام ردود أفعالٍ متناقضة، بين متهمٍ ومعادٍ لهذه التهم. وفي مكانٍ آخر، تطالب بالتجديد الديني، الإصلاح الديني، ثورية الإسلام.. إلى آخر تلك المصطلحات.
ولنتأمل للحظاتٍ هذه العبارة "لا تظنوا أنّي جئت لألقي سلامًا على الأرض، ما جئت لألقي سلامًا، بل سيفاً" متى 34:10.
ونتطرق إلى السؤال نفسه: لماذا لا نجد دعواتٍ تنادي بإلغاء مثل هذه النصوص من الكتاب المقدس، كما ينادى بما يتعلق بالإسلام.
ولنتأمل أن الآية في القرآن الكريم تطرح فكرة تعارف وتآلف الشعوب بقوله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى، وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
فهْم مناط تعاليم الإسلام وانعكاسها على واقع حياتنا، بكل ما يحمله من سماحةٍ وعزة، ليصل إلى تغيير العادات والسلوكيات الخاطئة، يقود إلى روحانية الدين وجوهره، ولعل من مهمة العبادة من أحد جوانبها، أن تنعكس إيجاباً على مسيرة حياتنا.
كيف نفهم تعاليمنا؟ السؤال الذي نعول عليه الخروج من الإشكالية، والإجابة بين دفتي المصحف.
فنحن حين نقرأ القرآن نقرأه وكأنه كتاب تعاليم مباشرة، فهو يأمرنا وينهانا. لكن، هل ينبغي أن نكتفي عند هذا الحد، أم نستفيض في البحث؟
الحقيقة أن القرآن كتاب يصنع الواقع بقدر، ويصنعه الواقع بقدر، فثمة حالة تفاعلية بين طرفين، أحداثٌ يصنعها الإنسان، ويرد عليها الإله، تقريراً أو إلغاءً وتغييراً.
إن فهم العلاقة السابقة بين الطرفين وتأثير أحدهما على الآخر هو فلسفة فهم الوحي، وعليها تقوم.
ندلل على ما نقول بقصة الآية: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، فهي تشكل تحديا إلهيا مباشرا لأي محاولة تحريفٍ قد ينال القرآن. لكن، كيف تعامل معه واقع المسلمين؟
عملية حفظ القرآن سارت ضمن تحديات وظروف، تسببت في أزمات وإشكاليات، حتى وصل إلينا القرآن على ما هو عليه اليوم. ولولا قرارات بشرية حاسمة، لما وصل إلينا القرآن وحفظ كما هو عليه اليوم!
لكن، ماذا لو توقفنا عند حصر نطاق مسؤولية الحفظ في حدود الآية، وقلنا إنها مسؤولية الله؟
إن الدين يحتاج للإنسان بقدر ما يحتاج الإنسان للدين. تلك هي المعادلة التي علينا أن نفهم فلسفتها اليوم.
تعني هذه الفلسفة أننا نؤثر في الدين، كما يؤثر فينا، ونشكّله بعد أن نفهمه لنُعيد قولبته في حياتنا بأشكال مختلفة ومتعددة.
إننا نحتاج إلى فهم الدين بطريقة مختلفة عن التلقينات والتعريفات. نحتاج إلى إعادة القراءة في صفحات الكتب، بصدقٍ وإخلاص، لا تعفي هذه المسؤولية أحداً.
ثم لنقرر أن الإنسان هو العامل المتحول الذي لا يبقى على حال، فكيف بنا والبشرية تمر بأزمنة متغيّرة ومتقلّبة، تنقل الإنسان وتغيّر حياته، رأساً على عقب.
من هنا، كان على العلماء الاجتهاد في تبيان تعاليم الإسلام، التي تثير إشكالاتٍ، لا سيما علاقة الحاكم بالمحكوم، وفقه الجهاد، مروراً إلى أدق التفاصيل، بعيداً عن الصراعات والانتماءات.
ولعلي تعمدت المقارنة بين آيةٍ من القرآن الكريم، وأخرى من الإنجيل، لأصل إلى نتيجةٍ تقول إن عدم إعمال العقل، والاجتهاد في التفسير بإخلاص، أورد الأمة المهالك، غير متناسٍ أن الجهاد فريضة غابت ويجب إحياء معانيها، أولاً، لا مجال هنا لترك الباب مفتوحاً للفتوى التي تشوه جوهره. وما سبب السطور هنا إلا صرخة في أفئدة العلماء لفك الارتباط بين القتل والجهاد، بعيداً عن التمييع للمسألة أو التنطع.
إننا أمام معادلةٍ ذات بعدين، وليست معركة ذات طرفين. من هنا، علينا أن نجدد الفهم، فهمنا لأنفسنا وفهمنا لديننا.
 

  • شارك الخبر