hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - دافيد عيسى

بين الجولان ولبنان...

الإثنين ١٥ كانون الثاني ٢٠١٥ - 08:18

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

مما لا شكّ فيه ان الهجوم الجويّ الاسرائيلي ضد "حزب الله" في القنيطرة يشكل تطوراً خطيراً ولا يمكن ان يمر من دون عواقب ومضاعفات. فهذه العملية تحمل توقيع اسرائيل الواضح، وهي حصلت عن سابق تصور وتصميم واستهدفت ضابطاً ايرانياً كبير وقيادياً كبيراً في حزب الله وآخرين.
انها المرة الاولى التي تستهدف اسرائيل "حزب الله" في سوريا، في عملية نوعية واستثنائية في حجمها وتوقيتها ومسرحها وعلى بعد 40 كيلومتر من الحدود بين الجولان وفلسطين المحتلة، ومن الطبيعي ان يجد "حزب الله" نفسه أمام حتمية الرد لأن عملية القنيطرة ذات طبيعة استفزازية وتشكل تحدياً له وتوجهاً لفرض معادلات جديدة على الأرض، فهو غير قادر على تجاهلها واهمالها وكأن شيئاً لم يكن، خصوصاً انه قائل قبل ايام وعلى لسان امينه العام السيد حسن نصرالله : " إذا كانت حسابات اسرائيل تقوم على ان المقاومة أصابها وهنّ أو ضعف أو انها مستنزفة أو أنه تم المسّ بمقدراتها وجهوزيتها وامكاناتها نتيجة الحرب في سوريا فهو مشتبه تماماً وسيكشف انه لو بنى على هذه الحسابات فانه يرتكب حماقة وليس خطأ كبيراً".
الجميع يترقبون رد فعل "حزب الله" وما إذا سيكون مدروساً ومتريثاً ام متهوراً ومتسرعاً، وهل سيكون من الجولان أم داخل اسرائيل ام من لبنان وعلى أي مستوى... لكن المسألة الأهم التي تتقدم على رد فعل الحزب، أين ومتى وكيف؟ والتي يجب معرفتها هي مسألة الفعل الاسرائيلي ولماذا اقدمت اسرائيل على القيام بهذه العملية التي وايا تكن الحسابات والخلفيات، فهي تنطوي على مغامرة ومخاطرة وتعد لعباً بالنار كونها يمكن ان تؤدي إلى وضع متدحرج نحو حرب نعرف كيف تبدأ ولا يعرف أحد كيف تنتهي.
ان تُقدِمْ اسرائيل على هذه الغارة مع علمها المسبق بالعواقب والتداعيات التي يمكن ان تنتج عنها، فهذا يعني ان هذه العملية ليست مجرد عملية عسكرية معزولة في المكان والزمان وليست عملية تكتيكية او جس نبض وانما تندرج في سياق استراتيجي عام متصل بملفات المنطقة ومعادلاتها وما يجري من أزمات وحروب ومن مفاوضات واتفاقات.
لا يمكن فصل عملية القنيطرة عن مجريات الأزمة والحرب في سوريا. وفي هذه الحرب المتمادية والدموية لا يجب اغفال العامل الاسرائيلي ودوره وتأثيره. فاسرائيل هي اللاعب الخفي الذي يحرك خيوط اللعبة من وراء الستار، وهي التي تقف وراء الموقف الاميركي الملتبس والمرتبك والمتردد ازاء الازمة السورية بهدف إطالة أمدها والامعان في دفع سوريا إلى مزيد من الدمار والفوضى والتقسيم.
وفي إطار هذه السياسة الاسرائيلية المؤججة للصراع والساعية إلى تدمير سوريا وتفكيكها تأتي عملية القنيطرة التي ترفع من مستوى ومنسوب الصراع وتوسع نطاق الحرب وتنقل الوضع في سوريا والمنطقة إلى مستويات أشد خطورة وبما يؤدي إلى تسريع وتيرة الانهيار والتفكك والتقسيم...
ولطالما كان هذا الهدف، تقسيم دول المنطقة، من ثوابت اسرائيل وداخلاً في صلب استراتيجيتها لأنها ككيان عنصري وفئوي يهمها ان تكون هناك كيانات مشابهة لها ومتماهية معها وتقوم على أساس ديني أو عرقي أو أتني. ولما كان هذا المخطط لم ينجح في السابق ولم يشق طريقه إلى التنفيذ والنجاح انطلاقاً من لبنان عام 1975 عبر اذكاء الصراع (الاسلامي – المسيحي)، فانهم اعادوا احياؤه اليوم على صعيد المنطقة واعطي قوة دفع كبيرة من خلال تفجير الصراع (السنيّ – الشيعي) واللعب على التناقضات والثورات العربية. هذا هو الشرق الأوسط الجديد في مفهوم اسرائيل وهذه هي خططها التي بلغت مرحلة خطرة ومتقدمة في سوريا والعراق وليبيا واليمن.
ما جرى على مقربة من الجولان المحتل يكشف صراعاً محتدماً بين اسرائيل وايران كان يتفاعل بصمت إلى أن اخرجته عملية القنيطرة إلى العلن. وهذا الصراع الذي يمتد على طول خط حدودي مع سوريا ولبنان، من القنيطرة إلى الناقورة، يحمل في طياته خطر اندلاع حرب واسعة ومدمرة تنطلق من سوريا وتعمم على أرجاء المنطقة.
وثمة مضمون استراتيجي آخر في الضربة الاسرائيلية له علاقة بترتيبات المنطقة ومعادلاتها الجديدة التي تُرسم انطلاقاً من الاتفاق النووي المرتقب بين ايران وأميركا. فلا يمكن فصل العملية العسكرية الاسرائيلية عن العملية التفاوضية الجارية بين اميركا وايران حول الملف النووي والتي بلغت مرحلة حساسة ودقيقة مع اقترابها من خط النهاية...
وإذا كان الاميركيون يريدون هذا الاتفاق وحماية الفرصة الجديّة المتاحة له، وقد ظهر ذلك واضحاً من خلال استعداد الرئيس الاميركي باراك اوباما استعداده لاستخدام حق الفيتو ضد اي مشروع للكونغرس لفرض عقوبات جديدة على ايران، فان الاسرائليين متوجّسون من هذا الاتفاق ويتربصون به ويعتبرونه اتفاقاً سيئاً لأنه يسمح لايران ان تظل قوة نووية مع قدرة على الاستمرار في تخصيب اليورانيوم، ولأنه سيرفع ايضاً سيف العقوبات المسلط فوق رأس ايران من دون ان تقدم تنازلات جوهرية في برنامجها النووي. من هنا فان عملية القنيطرة يمكن وصفها ايضآ انها رسالة اسرائيلية اعتراضية في وجه هذا الاتفاق وهذه الرسالة تعني واشنطن التي تنظر بعين عدم الارتياح إلى محاولات اسرائيل ضرب استقرار المنطقة وافتعال مشاكل وحروب لاجهاض الاتفاق مع ايران قبل ان يُولد.
في ضوء كل ما تقدم، فان المسألة تتجاوز رد فعل "حزب الله" ولا يجب ان تُحصر في هذا الإطار، لانه صحيح ان الحزب لا يمكنه ان يسكت وان يُظهر ضعفاً لكنه في المقابل لا يمكن ان يُستدرج إلى حرب لا يختار وقتها وظروفها خصوصاً وان لديه اجندته وأولوياته في هذه المرحلة التي يتقدم فيها خطر الارهاب وأولوية محاربته.
الردّ يجب ان يأتي بتأنٍ وتروٍ لأن الوضع هشّ ودقيق واي خطأ في التصرف أو التقدير يمكن ان يجر إلى حرب ستكون مدمرة. ولبنان لا يحتمل حرباً جديدة خصوصاً انها لن تكون مقتصرة على المواقع العسكرية "لحزب الله" وانما ستطال الدولة ومؤسساتها ومرافقها الحيوية وبناها التحتية. ونحن على يقين ان الحزب مدرك للوضع وطبيعة المرحلة ويأخذ في الاعتبار ظروف لبنان وأوضاعه ومصالحه الاقتصادية والاجتماعية والمالية.
وهذا ما يستوجب الفصل التام بين سوريا ولبنان وفكّ كل ارتباط بين الحرب هناك والاستقرار هنا وهذا ما ينطبق ايضاً على كيفية التعاطي مع عملية القنيطرة والردّ عليها. فهذا الردّ إذا حصل يجب ان ينطلق من سوريا ولا يتجاوز نطاق الجولان ولا يجر إلى حرب على لبنان وضده.
عندما وافق "حزب الله" على الجلوس إلى طاولة الحوار مع المستقبل على قاعدة الفصل بين الأزمة السورية والوضع اللبناني وابقاء كل الخلافات حول سوريا جانباً فان هذه القاعدة يجب ان تنسحب ايضاً على كل سياسات "حزب الله" وخطواته بما في ذلك خطوة الردّ على الاعتداء الاسرائيلي.
وإذا كان "حزب الله" ذهب للقتال في سوريا بهدف ابعاد الحرب عن لبنان وحتى لا تصل حرب الارهاب إلى أرضه، فالاحرى به ان يحرص في اي مواجهة مع اسرائيل في سوريا على ان يظل لبنان في منأى عن نارها وشظاياها اخذاً في الاعتبار ظروف اللبنانيين ومصالحهم وامنهم واوضاعهم وقدرتهم في هذه المرحلة من تحمل اعباء حرب ستقضي على "الاخضر واليابس" اذا ما اندلعت.
اني على يقين ان "حزب الله" قدّر مواقف خصومه السياسيين والتطور الايجابي الحاصل تجاهه، وكيف ان الجميع وقفوا إلى جانبه بعد العملية التي استهدفته وبادروا إلى التضامن معه وإلى تعزيته بشهدائه واضعين كل الخلافات السياسية جانباً...
هذه كلها ايجابيات يجب البناء عليها للاستمرار في حوار لا يجب ان يتوقف تحت اي ظرف، وفي استقرار لا يجب ان يتقوّض وينهار مهما كلف الأمر...

  • شارك الخبر